الارق
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك نظريات عجيبة عن أسباب الأرق ، وكلها تناقض بعضها البعض ، والنوم هو ضد
الأرق ويمكن ان يكون للأرق سبب جسمي كبعض الأمراض العضوية والألم يسبب في بعض الأحيان أرق فوجع الأسنان
مثلا يمكن أن يسبب أرقا حيث ان كثيرا من الناس يفضل أن يخلع ضرسه علي تحمــــل الألم أو الاستمرار في العلاج.
والأسباب النفسية للأرق متعددة وكثيرة فالخلاقات والهم والكروب والمشاكل التي تحدث في العمل الي غير ذلك من
الأحداث اليومية المثيرة تلعب دورا عند استعادتها في حالة النوم فتمر هذه الأحداث أمام عيني المؤرق فتسبب له نوعا
من الأرق يزول بزوال المؤثرات أو الأسباب.
لكـن هناك نوعا من الناس مصابون بداء الأرق وهو نوع من الوسوسة يخيل الي صاحبه أنه لن ينام ابدا ، وكلما ازدادت
أو تسلطت فكرة الأرق فانه يزداد ويطير النوم من جفنيه وواضح أن الأرق المزمن انما هو ثمرة القلق ، والقلق هو خوف
من شيء ما الا أن الفرق بين القلق والخوف أن الخوف معلوم المصدر ، أما القلق فغير معروف المصدر حيث يكون في
أغلب الأحيان غامضا، وقد يكون الفرق بين القلق والخوف في الدرجة فحسب فقد يكون الكابوس الذي يحدث اثناء النوم
سببا للأرق. فسبب الأرق اذن هو القلق، وعدم الثقة بالنفس تولد الأرق حيث يشعر الانسان بالهزيمة وليس لديه القدرة عل
السيطرة علي الأحداث الجارية ، فرغبة الشخص في التفوق وشعوره بالنقص يولد الأرق. والتردد ايضا عامل من عوامل
الأرق، وربما تجد شخصا يجلس دون أن يعمل شيئا وربما يستمر ذلك معه اثناء الليل يسبب له أرقا، وربما يزداد الأرق
نتيجة الأحساس أو الشعور بالجرم فلا ينام الشخص نتيجة لعذاب الضمير من فعل فعله . والخلاصة أن الأرق يرجع الي
أسباب متعددة ، فاذا كان النوم هو استراحة من واقع الحياة ، فان الأرق بهذا المعني هو مواجهةلهذا الواقع وينصح
بعض علماء النفس المحدثين الشخص المصاب بالأرق لجلب النوم الهاديء الصحي بالرياضة والمشي علي قدميه كل يوم
ساعة في مكان خلوي والهدف من ذلك تحريك أعضاء الجسم ودفع الدم الي جميع أطرافه كما ينصح بعض الأطباء
بالبحث عن المشكلة أو العقدة حتي يواجهها المصاب كعلاج نفسي ويرون انه من الأصل أن يكون الانسان طبيب نفسه.
ويري بعض الأطباء أن الايحاء الذي يستخدمه الطبيب مفيد حيث يساعد المريض علي الثقة في نفسه خاصة اذا كانت علة
الأرق ناتجة من الخوف أو القلق والهدف من هذا العلاج هو اعادة الطمأنينة الي النفس. وغالبا ما يكون سبب الأرق وهم
أو تصور عند الشخص المصاب بالأرق بأنه في خطر أو أنه سيموت أو يتوقع كارثة من الكوارث ، وكثيرا ما ينصح
المصاب بالأرق بتناول مخدر أو منوم وهذه العلاجات ايضا هي علاجات مؤقتة لا تمس أصل الداء وتعمل علي تخفيف
الأرق بشكل مؤقت لا بشكل جذري. التوجيه النبوي وكان علاج الرسول صلي الله عليه وسلم لبعض الصحابة الذين
اصيبوا بالأرق يختلف كثيرا عن العلاجات التي ينصح بها أطباء النفس في العصر الحديث: فقد اشتكي خالد بن الوليد الي
النبي صلي الله عليه وسلم فقال يارسول الله ما أنام الليل من الأرق ...
فقال النبي صلي الله عليه وسلم: اذا آويت الي فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظللت ، ورب الأرضين وما
أقلت ، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا ، أن يفرط علي أحد منهم أو يبغي علي، عز
جارك وجل ثناؤك ولا اله غيرك. - رواه الترمذي- وهذا النوع من العلاج انما هو نوع من الذكر لله سبحانه وتعالي فاذا
اتجه الانسان الي الله مستعينا به طالبا عونه، فان في هذا الدعاء انشغال بالله سبحانه وتعالي ، وفي هذه اللحظات
ينسي هذا العبد الداعي همومه ومشاكله التي تسبب له الأرق وتهدأ نفسه ويشعر بالأمان والطمأنينة مما يجعله ينام نوما
هادئا عميقا. وكان بعض الصحابة يعلم أولاده بعض الأدعية التي اختارها الرسول صلي الله عليه وسلم وهي بمثابة
استعاذة من هذا الداء ، وهذه الاستعاذة فحواها: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات
الشياطين، وأعوذ بك ربي أن يحضرون - ابن القيم الجوزية في زاد المعاد-
فالعلاج النبوي للأرق يقوم علي طريقة مثلي تعين علي التخلص من الأرق بطريقة جذرية وهي التوجه الي الله بالكلية
وطرح مطالب النفس وهمومها ونزعاتها عن النفس ، كما أنها تقوم علي الثقة في الله وأنه لا حول ولا قوة الا بالله
فتسكن النفس والقلب والعقل، اما العلاجات عن طريق الايحاء والعقاقير فهي مسكنات مضارها أكثر من منافعها وهي
علاجات مؤقتة لا يلبث المريض ان يرجع الي حالته الاولي بعد زوال تأثيرها. لقد عرفنا سبحانه وتعالي بنفوسنا أكمل معرفة ، وبين لنا الطريق الحق للصحة النفسية في الدنيا والآخرة وعلمنا رسوله الكريم الربط في العلاج بين الطب البدني
والطب النفسي ، فقد أحس أبو هريرة بوجع في بطنــــــه فأرشده الرسول صلي الله عليه وسلم ال الصلاة فقام وصلي
فبرأ من مرضه. لقد ربط الرسول صلي الله عليه وسلم في علاج أبي هريرة بين الطب النفسي والطب البدني اذ أن الهم
والكرب يمكن أن يؤثر في أمراض المعدة فاذا خرج الكرب من النفس وسكنت الهموم ، فانه يمكن أن يبرأ المريض من
أوجاعه نتيجة انشغاله بأمر أهم وهو الصلاة. فقد كان الصوم والصلاة والاستعاذة والاستغفار وكظم الغيظ والصبر
والذكر الدائم عبارة عن طب وقائي يمنع تراكم الأمراض النفسية من خواطرشيطانية ووساوس وكروب، يمنعها من النفاذ
الي قلب الانسان
ومن ثم يصبح قلب المسلم علي الدوام مستفرغا ومحصنا من ولوج الاقاتوالامراض التي تسبب له تراكمات وأزمات نفسية.
لقد فرق الرسول صلي الله عليه وسلم بين الأزمات النفسية التي يمكن أن تهاجم الانسان وتعترض حياته فتصيبه بالهم
والغم والكرب والحزن والأرق والقلق، وبين الأمراض البدنية التي تصيب بعض أجزاء الجسم كالقلب والكبد والقولنج وغير
ذلك من الأمراض التي أصلها بدني.
وقد بين صلي الله عليه وسلم هذه الفروق سواء في الطب الوقائي أو العلاجي ولم يخلط بينهما وانما أوضح أن هناك
رابطة بين النفس والجسم , والنفس احيانا تؤثر في الجسم فاذا ظهر مرض جسمي فربما يكون له أصل نفسي. ان الطب
النفسي الاسلامي يقوم علي أساس اللجوء الي الله عند الشدة وهذه طبيعة نفسية بشرية، وأن في اتصال الانسان
بفاطره وموجده القوي العليم الخبير رابطة وثقي، تقود حتما الي الأمن النفسي، فاذا أفضي الي الله بمخاوفه
ووساوسه وقلقه ولجأ اليه تعالي هدأت نفسه وشعر بالسكينة وبذلك يشفي من الجزع والخـوف والأرق والحزن.
والحزن يسبب الكثير من الأمراض النفسية ، والأمراض النفسية مبدأ لكثير من الأمراض العضوية وينتج عنها العديد من
الأعراض المرضية مثل : البول السكري، والضغط، والحزن يزيد افرازات الادرينالين في الغدة الكظرية (فوق الكلية)
فيزيد الانفعالات ويقود الي كثير من المضاعفات.
ان الاطمئنان الي رحمة الله وعد له والاقبال علي الله بالوضوء والصلاة والاستغفار والدعاء وتغير الوضع عند الغضب
فاذا كان الشخص واقفا جلس ، واذا كان جالسا وقف أو استلقي أو توضأ بالماء البارد، ان كل ذلك يعد من النصائح
الثمينة التي اذا جربت أتت بنتائج باهرة في علاج الحزن والهم والغم والقلق والكرب وشدة المصيبة والأرق. ما أحوجنا الي أن نتمثل بالرسول صلي الله عليه وسلم في كلامه وأفعاله وأعماله وفي معالجاته الروحيـــــة والنفسية التي
تشفي القلوب والنفوس جميعا.
منقول
5
650
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
دنيا..الوله
•
الله يعطيك العافيه على النقل الجميل المفيد
الصفحة الأخيرة