الاستعداد للعيد بذكر الرحيل
ليكن عيدنا أقرب إلى بهاء الطاعة وحسن التدبير منه إلى شؤم المعصية وقبح التبذير
نقف الآن على أبواب عيد كريم، فغداً يفرح الملايين من شتى أنحاء العالم الإسلامي بعيد الأضحى، ويتزاور الأهل والأصدقاء ويلبس الناس الجديد والجميل من الثياب والحُلي.
إن مغزى العيد نفسياً واجتماعياً واقتصادياً كبير وعظيم، بما يضيفه على القلوب من أنس، وعلى النفوس من بهجة، وعلى الأجسام من راحة.
في العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، وفي العيد يتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم فيجتمعون بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر، وفي ذلك كله تجديد للصلة الاجتماعية بين الناس.
وفي العيد تذكير المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين بحيث تشمل فرحة العيد كل بيت، وتعم النعمة كل أسرة، من خلال صدقة الفطر والهدايا.
يقول د.مصطفى السباعي يرحمه الله :من أراد معرفة أخلاق أمة فليراقبها في أعيادها، إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها.
ولاشك أن في أعيادنا بحمد الله بعض مظاهر التعاون الاجتماعي من صدقات ومبررات للبيوت الفقيرة والعائلات البائسة.. بيد أن ذلك إلى حد ما قليل بالنسبة لما ينبغي أن تكون عليه أعيادنا، بالنسبة لمظاهر الترف والإنفاق الذي ننفقه على ملذاتنا، وفي أسفارنا وولائمنا، فنحن نكتفي بالعطاء القليل مع استطاعتنا أن نبذل الكثير.
ينبغي أن تحقق أعيادنا الأهداف والغايات المشروعة لنحقق مبدأ الأزمة الخيرة، فلانسرف في لهونا وفرحنا بل نشعر بإخواننا المحتاجين والفقراء، ونواسي المنكوبين، ونقتصد في ضحكنا ولعبنا، ونتذكر إخواننا، ومآسيهم.
للتدبير أم للتبذير؟!
إن الإقبال الشديد على الطعام والشراب واللباس والحلوى والزينة والولائم والمناسبات الباذخة فيه مفاسد دينية ودنيوية فهو يفسد الجسم بالأسقام، ويتلف المال، ويورث الإنسان الهمّ بالليل، والمذلة بالنهار.
فما أكثر الأحداث المؤلمة والمظاهر المحزنة التي تنزل بالناس في أيام الأعياد نتيجة التسابق إلى الإسراف بأشكاله المختلفة، وصوره المتنوعة! .
ونسي الناس أو تناسوا أن إخواناً في ديار نائية ومناطق بعيدة، بله من يسكن بجوارهم، يعانون من شظف العيش وقلة ذات اليد والمجاعة والفقر والعوز، هؤلاء في أشد الحاجة إلى يد حنون تساعدهم، وتمسح دمعتهم، وتفرح قلوبهم، وتبهج أنفسهم.
وعليه؛ ينبغي أن نكف أيدينا عن التبذير المبالغ فيه في أيام الأعياد، وليكن العيد فرصة للتدبير الرشيد وكذا فرصة للمواساة والتكافل الروحي والاجتماعي.
مآس في العيد
كم من أموال تصرف في هذه الأيام على الملاهي والمناهي والملاعب والملابس والحلوى والمناسبات؟ وكم يتعدى المسلمون في هذه الأيام حدود الأدب بأفعال غير رشيدة، وتصرفات غير سديدة ؟
أين من كان لا يفرح بعيد ولا بغيره، إلا بما قدمه من عمل صالح، وفعل خير؟
حُكي أن عمر بن عبدالعزيز يرحمه الله رأى ولداً له يوم عيد، وعليه قميص ممزق، فبكى يرحمه الله فقال له ابنه: ما يبكيك يا والدي؟ قال عمر يرحمه الله: أخشي يابني أن ينكسر قلبك في يوم العيد إذا رآك الصبيان بهذا القميص، فقال: ياأمير المؤمنين: إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه، أو عق أمه وأباه. وإني لأرجو أن يكون الله راضياً عني برضاك، فبكى عمر، وضمّه إليه وقبّله، ودعا له، فكان أزهد الناس بعده.
وختاماً: لاشك في أننا نستعد للعيد آباءً كنا أو أمهات، أزواجاً أو زوجات، شباناً أو شابات، ولاشك في أننا نهيئ كل مايستلزمه العيد من لباس وأكل ولهو ولعب وسفر.
فليُضف إلى ذلك كله استعداد آخر أكرم عند الله تعالى هو الاستعداد ليوم الرحيل.
فلنفتش عن جيراننا وحوائجهم، ونفرِّج كُرَب إخواننا البؤساء المعدمين المشردين، ونعين الملهوف المحتاج، وندخل السرور على كل قلب.
ليكن عيدنا أقرب إلى حُسْن التدبير منه إلى قُبح التبذير.
وقد آن أوان ذلك.
المصدر : مجلة المجتمع .
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

ضوء المكان
•
جزاك الله خيراً .. غاليتي نور الشمس ..




الصفحة الأخيرة