بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ان لا الله إلا الله محده لا شريك له وأشهد ان محدا عبده ورسوله، أما بعد:
لا تعجب أيها القاريء لهذا العنوان ؛ فإن العلماء قد تصيبهم بعض العلل الخفية ، ولعل أعظمها وأخطرها : العجب ورؤية النفس !
وهذه العلة لا تقتصر على العلماء فحسب ؛ بل هي في غيرهم أكثر وأظهر ، ولعله لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لو لم تكونوا تذنبون ، خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك : العجب العجب ) : رواه البيهقي في ( الشعب ) 5 / 453 برقم 7255 وهو حديث حسن بشاهده الذي ذكره شيخنا الألباني رحمه الله في ( الصحيحة ) برقم 658 .
وقد تنبه أهل العلم لهذا الداء الخطير ؛ فحذروا منه أشد التحذير ..
يقول ابن الجوزي رحمه الله في كتابه ( صيد الخاطر ) ص 282 - 283 :
( فصل من علل العلماء : انتقدت على أكثر العلماء والزهاد أنهم يبطنون الكبر : فهذا ينظر في موضعه وارتفاع غيره عليه ، وهذا لا يعود مريضاً فقيراً يرى نفسه خيراً منه ؛ حتى إني رأيت جماعة يومأ إليهم منهم من يقول : لا أدفن إلا في دكة الإمام أحمد بن حنبل ! ويعلم أن في ذلك كسر عظام الموتى ، ثم يرى نفسه أهلاً لذلك التصدر !
ومنهم من يقول : ادفنوني إلى جانب مسجدي ؛ ظناً منه أنه يصير بعد موته مزاراً كمعروف الكرخي ( ! ) وهذه خلة مهلكة ولا يعلمون .
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من ظن أنه خير من غيره فقد تكبر ) . ( ! ) وقل من رأيت إلا وهو يرى نفسه .. ) .
قال علي رضا - غفر الله له ولوالديه وللمسلمين والمسلمات - :
قد صح من أوجه متعددة نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد ، وعلى ذلك الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى ، فنحن لا نقر ابن الجوزي على عبارته : ( ظناً منه أنه يصير بعد موته مزاراً كمعروف الكرخي ) ؛ ذلك لأن الزيارة الشرعية لها شروط موضحة في كتب أهل العلم ، وأهمها الزيارة بقصد تذكر الآخرة والدعاء للميت ؛ لا لطلب الحاجة أو الصلاة عنده أو الظن بأن الدعاء هناك أفضل !!! فهذا كله لا يجوز ؛ ونحن وإن كنا نجل ابن الجوزي ؛ لكن الحق أجل وأكبر من ابن الجوزي وغيره .
أما حديث : ( من ظن أنه خير من غيره فقد تكبر ) فهذا لا يثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بهذا اللفظ ؛ وابن الجوزي واسع الخطئ في إيراد الضعيف والواهي بل والموضوع في كتبه الوعظية بخاصة ، كما نبه على ذلك العلماء ، وبينته بتوسع - والحمد لله - في مقدمة تحقيقي لكتابه ( إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث ) .
نتابع الحديث عن علة العجب - أجارنا الله وإياكم منها - التي حذر منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما حذر منها العلماء رحمهم الله تعالى ، ومنهم ابن الجوزي الذي وضع يده على الداء ؛ فشخص المرض تشخيصاً عجيباً فقال : ( وقل من رأيت إلا وهو يرى نفسه ! والعجب كل العجب ممن يرى نفسه : أتراه بماذا رآها ؟ إن كان بالعلم فقد سبقه العلماء ، وإن كان بالتعبد فقد سبقه العباد ، أو بالمال فإن المال لا يوجب فضيلة دينية .
فإن قال : قد عرفت ما لم يعرف غيري من العلم في زمني ، فما علي ممن تقدم ؟
قيل له : ما نأمرك يا حافظ القرآن أن ترى نفسك في الحفظ كمن يحفظ النصف ؛ ولا يا فقيه أن ترى نفسك كالعامي !! وإنما نحذر عليك أن ترى نفسك خيراً من ذلك الشخص المؤمن وإن قل علمه ؛ فإن الخيرية بالمعاني لا بالصور والعبادة .
ومن تلمح خصال نفسه وذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب والتقصير ، وهو من حال غيره على شك .
فالذي يحذر منه : الإعجاب بالنفس ، ورؤية التقدم في أحوال الآخرة ، والمؤمن الحق لا يزال يحتقر نفسه 0
وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقال : (لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك)!
وقد روينا أن رجلاًً من الرهبان رأى في المنام قائلاً يقول له : فلان الإسكافي خير منك .
فنزل من صومعته فجاء إليه فسأله عن عمله ، فلم يذكر كبير عمله ! فقيل له في المنام : عد إليه فقل له : مم صفرة وجهك ؟ فعاد فسأله ، فقال : ما رأيت مسلماً إلا وظننته خيراً مني .
فقيل له : فبذاك ارتفع ) . انتهى كلامه رحمه الله .
وأقول : ما أجمل وأعظم كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الذي رأى أن يلقى الله بكل ذنب - خلا الشرك - دون أن يرى نفسه أهلاً للدفن بجوار النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فاللهم طهر قلوبنا من العجب والكبر والرياء والسمعة ، آمين .
منقول من موقع العصر

عطور طيبة @aator_tyb
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️