"الانشغال بالآخرين" صفة منبعها الفضول

الأسرة والمجتمع

’’’’’



غزة-خاص "فلسطين"ترى كم يبلغ دخله الشهري؟، أملاكه كثيرة تفيض عن حاجته؟، رأيته قبل قليل في مكان بعيد عن بيته وعمله، تراه إلى أين سيذهب؟، هل من المعقول أنه لم يحضر تلك المناسبة، وهل هذا يعني أنه على خلاف مع أصحابه؟، لا أعرف كيف تقبل زوجته الحياة معه ولديه من الصفات السيئة ما يكفي!, أتوقع أنه جاهز الآن لشراء سيارة ومنزل جديدين وهو قادر على تأثيثه بأفخم المفروشات.. ما سبق من أسئلة وعبارات تجد البعض منشغلًا بالبحث عن إجابة لها رغم عدم وجود مبرر لاهتمامه بهذه التفاصيل، كل ما في الأمر أنه دوماً مشغول بالآخرين وما لديهم من نعم أو صفات شخصية، إيجابية كانت أم سلبية، فهل من الطبيعي أن يصل الإنسان إلى هذا الحد من الانشغال بأمور الآخرين؟, وما السبب في ذلك؟.. هذا ما تناقشه "فلسطين" في التقرير التالي.

شعور بالنقص

تقول "إيمان موسى": "زميلتي في العمل يكاد يقتصر حديثها على أخبار معارفها، بمن فيهم زملاؤنا في نفس الشركة، فهي دومًا تسأل وتستفسر عن أدق التفاصيل المتعلقة بكل من تعرفهم، حتى وإن كانت علاقاتها بهم عابرة لا تتجاوز لقاء عابرًا في دقائق معدودة".

وتضيف: "حديثها عن الناس مخلوط بنبرة من الغيرة والحسد دومًا، حتى أني وبعض زميلاتي أصبحنا نخفي عنها أخبارنا"، مبيّنة: "انشغالها هذا يدفعها لتصرفات غريبة، كأن تتواصل مع أشخاص علاقتها بهم سطحية للغاية لتجمع معلومات عن آخرين علاقتها بهم سطحية أيضًا".

"سهى وافي" تقول إنها اختلطت بأشخاص لديهم هذه الصفة، ولحظت أنها في الغالب نابعة عن شعور بالنقص، مضيفة: "الفضول يدفع البعض أحيانًا لمن ينشغل تفكيره ليل نهار بمعلومة لا أهمية لها إن عرفها، كأن يسعى لمعرفة المكان الذي سيذهب إليه جاره الذي خرج من بيته للتو مع زوجته وأبنائه".

وتوضح: "أحيانًا يكون الانشغال بما يملكه الآخرون من مميزات، ولكن في بعض الأحيان يكون الانشغال بالعيوب، وفي كل الأحوال فهذا _من وجهة نظري_ ناتج عن شعور بالنقص، وبسبب الفراغ الكبير في حياة هذا الشخص، فلولا الفراغ لما وجد وقتًا للتفكير فيما لا يعنيه".

اضطراب في الشخصية

يقول الأخصائي النفسي زهير ملاخة: إن "سبب الانشغال بالآخرين، والتفكير المستمر بما لديهم من نِعم ينبع في الأصل عن مشكلة الفضول الزائد الملازم للشخصية، وتساعد في زيادتها مجموعة من الخصال الأخرى".

ويضيف لـ"فلسطين": "الفضول صفة شخصية موجودة عند الجميع ولكن بشكل عابر، ولكن البعض يعاني من الفضول الزائد بما يجعله صفة ملازمة لشخصيته تدفعه للبحث عن أدق التفاصيل والانشغال المستمر بها لمعرفتها بشكل أوضح، وغالبًا ما يكون اكتساب هذه الصفة ناتجًا عن التربية الخاطئة والنشأة بين أشخاص يمتلكون هذه الصفة".

ويتابع: "مجموعة من الصفات الأخرى تساهم _إلى جانب الفضول_ في انشغال فكر الشخص بغيره، ومنها غياب الوازع الديني، وعدم الرضا والقناعة، ونقص الثقة بالنفس، وكذلك غياب معاني التفكير الإيجابي في الذات، والتنافس الإيجابي، وحب الآخرين وتمني الخير لهم، وعدم وجود مبدأ درء الحسد والغيرة، وغير ذلك من المؤشرات التي تدل على اضطراب في الشخصية بشكل عام".

على شخصيته وعلاقاته

ويوضح أن لهذه الصفة تأثيرات على الشخص نفسه، وعلى علاقاته بالآخرين، مبيّنًا: "فيما يتعلق بالشخص نفسه، فإن الصفات المذكورة سابقًا تتعمق أكثر بسبب التفكير في الآخرين، مما يعني أن الشخص سيكون منهك الفكر دومًا، ومتعبًا بسبب تدني نظرته لنفسه، مع حالة من الإحلال السلبي التي تسبب الشعور بالحقد والضغينة والنقمة على المجتمع، وكذلك الشعور بالغربة بسبب انفضاض الناس من حوله".

أمّا بالنسبة لعلاقة الشخص بالمحيطين به، يشير ملاخة إلى أن "شعور الناس بأن شخصًا ما يلاحقهم في كل ما يفعلونه وما لديهم، سيؤدي إلى نفورهم منه، وطالما أنه أصبح مكشوفًا للمجتمع فالناس ستعزف عن التعامل معه، وسيحرص معارفه على السرية في تعاملهم معه، مع تجنب مشاركته في أخبارهم وحياتهم الاجتماعية خوفًا منه، لكونهم أخذوا عنه صورة الشخصية الكارهة الحاسدة الحاقدة الناقمة، وهذا سيؤدي إلى انفصاله عن مجتمعه بكل ما لهذا الانفصال من تبعات سلبية".

وعن العلاج يقول: "العلاج قائم على مساندة المحيطين لهذا الشخص الفضولي، بأن يوجهوا النصح المباشر له بطريقة لطيفة لا تحرجه، أو بالبحث عن عنصر مؤثر فيه من أصدقائه أو أقاربه ليتولوا هم عملية النصح"، مضيفًا: "قد يشعر الشخص بالغربة فينتبه لسببها ويدرك هذه الصفة فيه، ومن ثم يقرر تغييرها".

ويتابع: "الوقفة مع النفس هي عصب العلاج، ولكن غالبًا ما تأتي هذه الوقفة بعد مبادرة من الآخرين بتنبيه حامل صفة الانشغال بالناس".




منقووووووول للفائده .....
2
823

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

انتظرتك ولكن
انتظرتك ولكن
...