مهما الليالي
مهما الليالي
علاج الحزن والاكتئاب
من واقع القرآن والسنة




ما هو العلاج ؟
إن في القرآن والسنة الوقاية والعلاج لحالات الحزن والاكتئاب ، وخاصة ما كان منها لأسباب خارجية ، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ؛ إذ أنه – سبحانه – جعل القرآن شفاءً ورحمة للمؤمنين ، وما عليهم سوى العودة إليه وإلى سنة المصطفى ليفوزوا بالسعادة والراحة في الدارين .



أولاً : العقيدة :
إن للعقيد أثرا كبيراً في الوقاية وعلاج الاكتئاب والعقيدة نسمع عنها كثيرًا ، ولكن كثير من الناس لا يعلمون مدلول هذه الكلمة ، وما مقتضاها ، وما نتائجها ...
والعقيدة لها أثر كبير على مشاعر الإنسان وسلوكه .
وسنستعرض بعض جوانبها ، وأثر هذه الجوانب في الوقاية من الاكتئاب وعلاجه :




( أ ) في القضاء والقدر
عقيدتنا نحن المسلمين في القضاء والقدر تمنعنا من الحزن الشديد ؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ).
فعندما يعلم الإنسان أن الأمور مفروغ منها ومكتوبة ، فإنه لا يحزن ، وكيف يحزن وهو يعلم بأن هؤلاء البشر الذين حوله لا يستطيعون أن يضروه ولا أن ينفعوه إلا بقدر الله ؟ فلم القلق إذن ، ولم الحزن الشديد .




( ب ) الإيمان باليوم الآخر :
إن الذي يؤمن باليوم الآخر يعلم أن هذه الدنيا لا تساوي شيئًا ؛ فهي قصيرة جداً .. وعندما يفقد عزيزًا يعرف أنه سيلتقي به في الآخرة – إن شاء الله - ، والذي يؤمن بالآخرة يتصور أن كل هذه الدنيا لا تساوي عند الله شيئاً بالنسبة للآخرة ، فعندما يفقد جزءاً صغيراً من هذه الدنيا فإنه لا يحزن الحزن الشديد ، ويتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء )




( ج ) الإيمان بأسماء الله وصفاته :
يعتقد بعض الناس أن الإيمان بالأسماء والصفات مسألة عقدية ذهنية مجردة ؛ كأن نؤمن بأن الله هو الملك ، وأنه الحكيم القادر الباسط المعطي … وغير ذلك ، دون أن يكون لهذه الصفات والأسماء مدلول وأثر في حياة المسلم ؛ ولذلك فهؤلاء لا يستفيدون من إيمانهم هذا الاستفادة المرجوة والحقّة .
والحق أن الإيمان بها ليس مجردًا ، إنما له تأثير في واقع الإنسان ؛ فالمسلم الذي يؤمن بأن الله هو الملك ، يؤمن بأنه له –سبحانه – الحق في المنع والعطاء ، فلا يعترض عليه والذي يؤمن بأن الله حكيم لا يقدر شيئًا إلا لحكمة – سواء أدركها الإنسان ذو العقل القاصر أم لم يدركها – هذا يتقبل الأحداث ويعلم أن فيها خيرًا له ، وقد تخفى الحكمة أو بعضها على الناس وقد يكتشفونها أو يكتشفون بعضها في وقت لاحق .




( د ) مفهوم المسلم للمصائب والأحزان :
إنه مفهوم خاصٌ بالمسلمين ، جديرٌ بأن يكتب بماء من الذهب ، وأمّا الذين لا يعيشون هذا المفهوم فإن حياتهم تسير في نكد وضنك .
أمّا المسلم فإنه يؤمن بأن المصائب قد تكون علامة على محبة الله للعبد ، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ).

كما أنه يؤمن بأن الابتلاء يكون على قدر الإيمان ، ويذكر الحديث رسول الله :
( أشد الناس بلاءاً: الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ).

فكلما زاد الإيمان زاد الابتلاء ، وكلما كان الابتلاء هيّناً ، كان الإيمان على قدره .
ويشهد لذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فإن كان في دينه صلبة اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه ) .

ويؤمن المسلم أيضاً : بأنه بمجرد حصول المصيبة فإنه سيؤجر عليها ـ نهيك عن موضوع الصبر عليها – فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول :
( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ، ولاهم ولا حزن ، ولا أذى ولا غم ؛ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه ).
فإذا اعتقد المسلم هذا ؛ فإنه يطمئن بإيمانه بالله ، ويزداد توكله على الله واستسلامه لقدره.
فكيف إذا أضاف إلى ما سبق صبره على المصيبة ؟ لا شك أن في الصبر على المصائب أجراً عظيماً عند الله سبحانه وتعالى ... يقول الله – عز وجل - :
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ).
فالمؤمن في كل أحواله في خير .
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله قال : ( عجباً لأمر المؤمن ؛ إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صــبر فكــإِنَّ خيراً له ).

فمفهومنا عن الابتلاء مفهوم خاص وعظيم تكتب فيه مجلدات ، ويمكنه بمفرده أن يقينا المشكلات ويقينا الحزن – بإذن الله تعالى - .




ثانيًا : ( من العلاج ) : التقوى والعمل الصالح :
فما من شك أن تقوى الله – عز وجل – والعمل الصالح هما بذاتهما يشكلان وقاية للإنسان من الحزن والاكتئاب والضيق . يقول الله – عز وجل - : ( من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون ).
إذن ما هي الحياة الطيبة ؟
أو ليست هي السعادة والطمأنينة ؟ أي وربي ،فكل الباحثين عن السعادة ، وكل من تكلم عن الحياة الطيبة ، لن يصلوا إليها إلا بالعمل الصالح ، يقول إبراهيم بن ادهم – رحمه الله : ( والله إننا لفي نعمة لو يعلم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ).
إذن : هي نعمة الإيمان والطمأنينة ، إنها السعادة الحقيقة التي لم يجدها الكثيرون من الناس.



ثالثًا : الدعاء والتسبيح والصلاة :
والدعاء منه ما يكون وقائيًا ، ومنه ما يكون علاجيًا فالدعاء الوقائي ؛ كقوله عليه السلام :
( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال ).
والذي يؤمن بهذا الحديث وأمثاله ويعمل بها ، والذي إذا أصابه هم فقرأها ، فإن الله سبحانه سيزيل عنه الهم والحزن ... ويقول سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وقد ضاق صدره وحزن لكلام الكفار عليه : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين). فتسبيح الله عز وجل من الأشياء التي تزيل الهم والحزن .




رابعًا : تقدير أسوا الاحتمالات والنظر إلى من هو أسوأ حالاً :
وهذه قضية يستعملها الأطباء النفسيون ، ولكن نبينا وحبيبنا عليه السلام استخدمها قبلهم ؛ كما في حديث خباب بن الأرت .. عندما كان الصحابة في مكة يضطهدون ويسامون العذاب الشديد على أيدي الكفار ، فجاء خباب إلى رسول الله وكان متوسدًا بردة في ظل الكعبة ، وقال له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال عليه السلام : ( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه .. والله لتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ؛ ولكنكم تستعجلون ).

فهذه طريقة في العلاج النفسي ، إذا أتاك إنسان أصيب بمصيبة ، فقل له : هناك أناس أصيبوا أكثر منك .
فمثلاً : إذا كان قد مات ولده في حادث ، فيقال له : هناك أناس ماتت العائلة كلها ، أو أن في الناس من ماتت زوجته وأولاده وفقد كل ممتلكاته .
وهذا يعني أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة فإنه ينبغي عليه أن ينظر إلى من هو أسوأ حالاً منه فيقول : الحمد الله ؛ أنا بخير .. فالفقير ينظر إلى من هو أفقر منه فيدرك نعمة الله عليه ، ويصلح هذا في أي أمر من أمور الدنيوية .




خامساً : الواقعية في النظر إلى الحياة والشمولية ، والبعد عن نظرة الكمال الخالية :
إن هناك بعض الناس يكتئبون ؛ لأنهم يفكرون خطأ .. وبالطبع فإن المكتئب يفكر بشكل خاطىء ، ولكن المقصود من النظرية أن من الناس من يصبح مكتئباً بسبب الخطأ في التفكير وهذا أمر واقع أحياناً .. إذ أن لبعض الناس نظرة خيالية ؛ فأحدهم يقول : أنا لا يمكن أن أكون سعيدًا إلا والناس الذين من حولي راضون عني والموظفون الذين معي ينبغي أن يكونوا راضين عني ؛ فهذا أمر غير واقعي ؛ إذ لا بد من وجود أناس غير راضين عن هذا الشخص ، وأناس راضين عنه ، وهذا أمر واقعي يعيشه كل الناس ، ولو أنه فكّر بواقعية وتذكر إن إرضاء الناس كلهم غاية لا تدرك ، لكان قد عاش حياته مطمئنًا مرتاح البال من هذه الناحية وذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كتاب ( الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ) حول موضوع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يكره مؤمن مؤمنة ؛ إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)..
قال الشيخ عن هذا الحديث : (( فيه الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب وكل من بينك وبينه علاقة واتصال ، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه ، فإذا وجدت ذلك فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك ، أو ما ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة وما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة ، وبهذا الإغضاء عن المساوئ ، وملاحظة المحاسن تدوم الصحبة والاتصال ، وتتم الراحة وتحصل لك )) . انتهى كلامه ..




سادسًا : تقديم حسن الظن :
وهي نفس قضية : أن النظرة الإيجابية ينبغي أن تقدم على النظرة السلبية .. فالإنسان الذي يسئ الظن بالآخرين هو الذي يتضايق ..
مثال ذلك : شخص مرّ على آخر يعرفه فلم يسلم عليه ؛ فيبقى الآخر متضايقاً حزيناً متسائلاً : لماذا لم يسلم عليّ ؟ لابد أنه يكرهني ... أو كذا .. أو كذا ... ويبدأ يسيء الظن ؛ مما يؤدي به إلى حزن يوم أو يمين أو حتى أكثر ، ولو أنه أحسن الظن منذ البداية وقال لنفسه : (( ربما لم يرني )) أو غير ذلك من الأعذار لما أصابه الحزن .
ولذا قال سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ) ..
فهذا الاجتناب لأجل راحتنا نحن .. إذن نحن الذين نطمئن إذا أحسنا الظن ،مع ملاحظة أن إحسان الظن لا يعني القابلية للانخداع ، كما جاء عن عمر رضي الله عنه .. يقول : ( لست بالخب والا الخب يخدعني ) فهو ليس مكاراً ولا يخدع الناس ، ولكنه أيضًا لا يخدع ؛ إذ إنه منتبه تمامًا .. ولذلك فالأمر المرفوض : هو تقديم سوء الظن وتقديم الاستنباطات الاعتباطية .




سابعًا : كيف التصرف حيال أذى الناس :
والناس قد يؤذونك وخاصة بأقوالهم السيئة ، فلا بد لك أن تعلم بأن هذا الأذى يضرهم ولا يضرك ، إلا إذا أشغلت نفسك بأقوالهم فعندها ستتضايق ، وإن أهملتها فستكون مرتاحًا . لماذا ؟
لأن النبي عليه السلام يقول : أتدرون من المفلس ؟ إن المفلس من أمتي : من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، واكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم يطرح في النار .
فإذن : الذي يغتابني ويسبني ويتكلم علي هو في الحقيقة يعطيني من حسناته ويحسن إلي ، فجزاه الله خيرًا .. ولذلك ينبغي أن أشكره على هذا الأمر .. فإذا قال لك شخص كلامًا يؤذيك ، فتركه واذهب ، فهو الذي سيتضايق ويغتاظ ( قل موتوا بغيظكم ).




ثامنًا : الأمل :
إن باب الأمل مفتوح وهذا يبعد الضيق والحزن عن الإنسان ؛ وليتذكر الإنسان قوله سبحانه وتعالى : ( فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا ) .
وهذا يعني أنه ما من عسر يأتي إلا ويأتي بعده اليسر .. ويقول سبحانه : ( سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا ).
فكلما اشتدت عليك الأمور فاعلم أن الفرج قد اقترب ..
مهما الليالي
مهما الليالي
الســلام عليكـم ورحمـة اللـه وبركاتــه

۩ ۩ سنـــة الابتــــــــــلاء ۩ ۩








لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها : فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم . وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلـلُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها – عياذاً بالله .








إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد ، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب – ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح : "إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء،وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" .

يقول ابن القيم رحمه الله : "إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة …" إلى آخر ما قال.

ولا شك أخي أنَّ نزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة . وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته . يقول المصطفى : "إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة" . وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة – عياذاً بالله.






يروى عن عمر الفاروق رضي الله عنه أنَّه كان يكثر من حمد الله على البلاء، فلما سُئِل عن ذلك قال : "ما أُصبت ببلاءٍ إلاَّ كان لله عليَّ فيه أربع نعم : أنَّـه لم يكن في ديني، وأنَّـه لم يكن أكبر منه، وأنِّي لم أُحْرَم الرضا والصبر، وأنِّي أرجو ثواب الله تعالى عليه".

أصيب عروة بن الزبير رحمه الله في قدمه؛ فقرر الأطباء قطعها، فقطعت . فما زاد على أن قال: "اللهم لك الحمد فإن أخذت فقد أبقيت، وإن ابتليت فقد عافيت" . فلما كان من الغد ركلت بغلةٌ ابنه محمداً – وهو أحب أبنائه إليه ، وكان شاباً يافعاً – فمات من حينه، فجاءه الخبر بموته، فما زاد على أن قال مثل ما قال في الأولى، فلما سُئِل عن ذلك قال : "كان لي أربعة أطراف فأخذ الله مني طرفاً وأبقى لي ثلاثة، وكان لي سبعةٌ من الولد فأخذ الله واحداً وأبقى لي ستة . وعافاني فيما مضى من حياتي ثم ابتلاني اليوم بما ترون، أفلا أحمده على ذلك ؟!" .



وختاماً أخي العـزيز:
لا تـنـــس :
لا تنس أن تبحث في البلاء عن الأجر، ولا سبيل إليه إلاَّ بالصبر، ولا سبيل إلى الصبر إلاَّ بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ قوية.ولا تنس ذكر الله تعالى شكراً على العطاء، وصبراً على البلاء، وليكن ذلك إخلاصاً وخفية بينك وبين ربك .








ولا تنس أنَّ الله تعالى يراك، ويعلـم ما بك، وأنَّه أرحـم بك من نفسك ومن الناس أجمعين، فـلا تشكونَّ إلاَّ إليه ! . واعلم بأنَّـك: إذا شكوتَ إلى ابن آدم فكأنَّما تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحم ولا تنس إذا أُصبت بأمرٍ عارضٍ، أن تحمد الله أنَّـك لم تُصَب بعرضٍ أشدَّ منه، وأنَّه وإن ابتلاك فقد عافاك، وإن أخـذ منك فقد أعطاك .

ولا تنس أنَّ مـــا أصابـك لــم يكـن ليخطئك، وأنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وأنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبر واحتسب، ودع الجزع فإنَّه لن يفيدكَ شيئاً، وإنما سيضاعف مصيبتك، ويفوِّت عليك الأجر، ويعرضك للإثم .



ولا تنس أنَّه مهما بلغ مصابك ، فلن يبلغ مصاب الأمة جمعاء بفقد حبيبها عليه الصلاة والسلام، فتعزَّ بذلك، فقد قال : "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنَّها من أعظم المصائب" .

ولا تنس إذا أصابتك أيُّ مصيبةٍ أن تقول : إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجِرْني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها. فإنَّـك إن قلت ذلك؛ أجــارك الله فــي مصيبتك، وخلفها عليك بخير.

ولا تنس أن لا يأس من روح الله مهما بلغ بك البلاء، فإنَّ الله سبحانه يقول : فَإِن مَعَ العُسرِ يُسراً (5) إِن مَعَ العُسرِ يُسراً . ولن يغلب عسرٌ يسرين، كما قال عمر الفاروق رضي الله عنه . ثم حذارِ أن تنسى فضل الله عليك إذا عادت إليك العافية، فتكون ممن قال الله عنه: وَإِذَا مَس الإِنسانَ ضُر دَعَا رَبهُ مُنِيباً إِلَيهِ ثُم إِذَا خَولَهُ نِعمَةً منهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدعُو إِلَيهِ مِن قَبلُ… .









ثم لا تنس أن البلاء يذكرك بساعةٍ آتيةٍ لا مفر منها، وأجلٍ قريبٍ لا ريب فيه،
وأنَّ الحياة الدنيا ليست دار مقرٍ . فاعمل لآخرتك؛ لتجد الحياة التي لا منغِّص لها .

وقبل الوداع أذكِّرك وأُبشرك بما بدأت به، وهو قول الحق جلَّ وعلا: وَلَنَبلُوَنكُم بِشَيء منَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ منَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثمَراتِ وَبَشرِ الصـابِرِينَ (155) الذِينَ إِذَا أَصَـابَتهُم مصِيبَةٌ قَالُوا إِنا لِلهِ وَإِنـا إِلَيهِ راجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ من ربهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ .






أسأل الله أن يجعلنا جميعاً مـن الصابرين على البلاء والشاكرين للنعماء
مهما الليالي
مهما الليالي
كيف يمكن أحتواء الابناء قبل النوم؟




عبد الله عبد المعطي
لايخلو التراث من القصص التي كانت تحكيها الجدات والأمهات لأبنائهن في ساعات المساء الهادئة,تحملهم خلالها على بساط من الخيال,وتعلمهم من أحداثها الخير والحق والجمال...ولقد كانت هذه الحكايات تعرض الأبناء عن قصص التلفاز والألعاب الإلكترونية,ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو:هل من السليم أن نتخلى عن هذا النوع من القصص وعن تلك الجلسات المسائية الدافئة,ونترك الأبناء لأفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية؟!..بالطبع الإجابة بالنفى,حيث إن وقت ماقبل النوم ممكن أن يتحول الى وقت خاص جداً للوالدين مع أبنائهما,وذلك بما يتم فيه من برامج وأنشطة وأعمال..وإليكم بعض الأفكار والمقترحات التي يمكن أن نقوم بها – كآباء وأمهات – مع أبنائنا في المساء.
(1)- حدوتة قبل النوم
ناشد أطباء نفس الأطفال الأمهات في عالمنا المعاصر ضرورة العودة لحدوتة قبل النوم بدلاً من الاعتماد على ماتعرض برامج التليفزيون وأشرطة الفيديو,لأن وجود الأم الى جوار سرير ابنها قبل نومه يزيد من ترابطه بها,ويجبنه أي نوع من المخاوف أو الإحساس بالضيق,ويمنع عنه أي أحلام مفزعة أو كوابيس اثناء النوم.
إن لحدوتة قبل النوم أهمية خاصة,لأنها تظل راسخة في ذاكرة الطفل ويصعب عليه نسيانها,لأنها تختمر في عقله وتثبت في مركز الذاكرة في مخه اثناء النوم,فعلى الأم أن تلتزم اختيار النهايات السعيدة لحدوتة قبل النوم,والابتعاد عن رواية قصص العنف أو قصص ابطالها حيوانات خرافية,لأنه قد ينبطح شكلها المخيف في ذاكرة الطفل,فيتسرب الخوف لقلبه ويسبب له الأرق..وعلى الأب أن يخرص على مشاركة أبنائه في هذه اللحظات الرائعة,وذلك باستماعه لما تحكيه الأم,أو بمشاركتها في الحكاية بأن يحكى نصفها وهي النصف الآخر,أو يقوم هو بحكاية القصة لأبنائه..وهكذا يعم بيتنا الحب والعطف والحنان.
(2)- قصة جماعية
من المفيد جداً أن يشارك كل أفراد الأسرة – بقيادة الأب – في رواية القصة قبل النوم,ويتم ذلك بأن يقترح الأب جملة تمثل نهاية الحكايةومثل :"لم يكن أحد يتوقع ان يقوم أحمد بمثل هذا العمل",أو :"وهنا قالت هدى:الحمد لله الذي استجاب دعائي"..ثم يبدأ كل فرد من أفراد الأسرة برواية جملة واحدة من القصة,وعلى الاخر أن يكمل الجملة التالية لها,وهكذا حتى تصل الاسرة للنهاية التي وضعها الأب في بداية روايته للقصة...ويمكننا تدوين هذه القصص الجماعية في كشكول خاص بها,ونطلق عليه: بستان الحكايات العائلية,كما يمكننا أن نحاول نشر بعض هذه الحكايات في المجلات والدوريات المناسبة,وأن نحكيها للأصدقاء والجيران.
(3)- لنكتب مذكراتنا
من أجل الأشياء التي يمكن أن يشترك فيها الأب مع أبنائه هوكتابة المذكرات في نهاية اليوم,فيقوم معهم قبل النوم بعشر دقائق بكتابة مختارات مما حدث طيلة اليوم,وهذا في كشكول خاص بكل منا..ويمكن أن يدون كل أفراد الأسرة مذكراته في كشكوله على أنفراد,ثم نجلس معاً قبل النوم,ليحكي كل واحد منا ما يختاره لنا من مذكراته لذلك اليوم.
(4)- لنحك معاً
يمكن للأب أن يحكي القصة لأبنائه بطريقة مثيرة ورائعة,وذلك بأن ينتقي قصة جديدة ومثيرة,ثم يحكي نصفها لأبنائه قبل النوم,ثم يطلب منهم تكملة القصة في اليوم التالي...وعلى كل واحدة من الأبناء أن يفكر في بقية القصة بمفرده ويسجلها إن أمكن ذلك,وفي اجتماعنا قبل النوم في اليوم التالي...يقوم كل واحد بسرد بقية القصة من وجهة نظره,ثم يقص الب بقية القصة التي بدأها,ويعطي اقرب الأبناء للصواب جائزة بسيطة وجميلة..ويستحسن أن تكون هذه القصةة حقيقية وواقعية,حتى تكون نهايتها محددة وثابتة.
(5)- دعه يقرأ ويحكي لك قصة
أحياناً يكون الوالدان غير قادرين على حكاية قصة معينة لشعورهما بتعب أو انشغالهما بالتفكير في شيء ما,وفي هذه الحالة يفضل إعطاء أحد الأبناء الفرصة ليقوم بحكاية القصة هذا اليوم,ونترك له الحرية في طريقة الحكاية,فإما أن يختار قصة من ذاكرته أو من أحداثه اليومية,وإما أن يقرأها لنا من أي كتاب مناسب,وعلينا ان نتقبل قصة الابن بالاستحسان والشكر,دون نسيان التوجيه والإرشاد.
(6)- الغائب الحاضر
في بعض الأحيان يخرج الأب الى العمل ويعود الى البيت متأخراً,فيجد الأبناء قد ناموا,وهكذا تفوته فرصة مشاركتهم لحظات ما قبل النوم الجميلة,وبشىء من الدعاء والتفكير نجد أن لهذه المشكلة حلولاً كثيرة,وماعلينا إلا أن نبدأ في تنفيذها والله المستعان...ومن هذه الأفكار والمقترحات مايلي:
(أ)- يمكنك أن تكتب قصة لأبنائك أو تختارها لهم من كتاب,ثم تطلب منهم قراءتها قبل النوم أثناء غيابك,كما يمكن تسجيل هذه القصة بصوتك على شريط كاسيت,ثم تطلب منهم عدم سماع هذا الشريط إلا قبل النوم,واجعل ما بداخله مفاجأة,وفي اليوم التالي عليك أن تسألهم عن رأيهم فيما تركته لهم من قصص.
(ب)- يمكنك أن تتصل بابنائك تليفونياً قبيل ميعاد نومهم,وكلمهم جميعاً دون تفريق,واطمئن عليهم وتمن لهم نوماً هادئاً وأحلاماً سعيدة,وتجنب الغضب أو التعنيف في هذه الحالة.
_(ج)- يمكنك ان تطلب من أبنائك أن يسجلوا قصة حدثت لهم هذا اليوم,وتقوم أنت بتسجيل قصة حدثت لك أنت أيضاً,ثم تتبادلون القصص في اليوم التالي...
(د)- يمكنك قبل خروجك ان تقترح انت وأبناؤك بداية لقصة معينة,حتى وإن كانت خيالية,ثم اطلب منهم أثناء غيابك – وقبل النوم – أن يكتبوا باقي القصة,وأبلغهم أنك ستكتبها اثناء غيابك أيضاً,وفي اليوم التالي قارن بين القصتين ..جرب وشارك أبناءك متعة القراءة والكتابة وتبادل الأفكار.
(7)- لقاء العائلة
التدريب على صلة الرحم له عدة وسائل,تبدأ من الزيارة وتنتهي بمبيت الطفل عند أقربائه الصالحين,فإذا ماأحسنت اختيار البيت الذي يزوره الابن أو يبيت فيه,فهي فرصة لأن يتدرب على التعامل مع اقربائه,ويستفيد منهمعلماً وفهماً وعبادةً وصلاحاً,ويمكننا تحقيق هذا الأمر بأن يكون هناك يوم محدد كل شهر لاجتماع أحد الكبار من الأقاربووفي هذا الملتقى يمكن أن يبيت هؤلاء الصبية مع بعض,ويقومون بتنفيذ برنامج ديني علمي ترفيهي تحت اشراف الكبار,مع ضرورة التأكيد على تحقيق الحب والتعارف فيما بينهم,وعدم إزعاج الآخرين...

مهما الليالي
مهما الليالي
الحنان غذاء النفس لأولادك



يكاد يكون الحنان غذاء للإنسان كالطعام والشراب يعطيه الصحة والنشاط ودفء الحياة.وهو ضروري للكبير والصغير على السواء ومن اي مصدر كان,من الصديق للصديق.ومن الأخ لأخيه.ومن الزوجة لزوجها.ومن الأم لأطفالها,وهذا المصدر الأخير هو أسمى انواع الحنان وأكثرها ضرورة.
وهذا هو موضوعنا في إيضاح نقطة هامة تتبعها الكثيروات من الأمهات.وهي الكف عن مد أطفالهن بالحنان بعد أن يكبروا.وسد ينبوع الحنان في وجوههم مع استمرار المحبة طبعاً بالشكل العملي المعروف في رعاية الأطفال وخدمتهم مهما كبروا.
ولو تحدثنا قليلاً عن الحنان لوجدنا أنه يختلف عن مظاهر الحب بالنسبة للطفل.فالحنان هو أن تشعريه بحبك وتغمريه بكلمات رقيقة حلوة فيها المعاني حبك الكبير الذي يجب أن يشعر به بالشكل التعبيري.
وليس فقط برعايته وخدمته.إذ أن هاتين الصفتين تصبحان كالحركات الأتوماتيكية التي تعبر عن شيء ولاتشعر الطفل بحبك الكبير بل فقط يراها واجباً مفروضاً عليك لاغير.
والطفل يرى الحياة جميلة متألقة ممتلئة بالبهجة,والفرح عندما تغمره أمه بدفقات الحب والحنان والتدليل المعتدل فيمتلىء قلبه بالرضا والاطمئنان سواء أكان من أبنائها الكبار أو الصغار.
وأما الأم التي تحجب حنانها عن أطفالها الكبار مقتصرة على الطفل الأصغر تغمره فيه بسخاء فإنها تجهل أن هذا يؤثرعلى نفسية الأطفال الكبار الذين مازالوا يحتاجون حنانها وما زال هذا الحنان يعني لهم غذاء ضرورياً كالطعام والشراب.إن الحنان هو غذاء النفس البشرية في كل مراحل العمر يسعد به الإنسان من أي مصدر كان حتى ولو كان من غير البشر أي من الحيوانات التي نربيها.فكم تسرنا الهرة التي نربيها وتتود الينا بحركات لطيفة,معينة.وكذلك الكلاب التي تحمي دورنا بإخلاص.واهم من هذا كله الخيول العربية الأصيلة التي تقف بجانب فرسانها عندما يصابون ويقعون ارضاً.وتظل تصهل الى أن يأتي من ينقذ الفارس دون أن تفارقه مهما احدقت بها الأخطار.
أقصد من هذا إيضاح أهمية الحنان.فهو كالبلسم السحري تستقيم به النفوس وتبتهج حتى ولو كان من أقارب أو أصدقاء فإن الكلمة الرقيقة الحلوة تنعش النفس وخاصة إذا كان مصدرها الينبوع السخي للحنان وهو الأم.ولو علمت الأم بأهمية حنانها هذا لما حرمت منه أطفالها الكبار وقصرته على الأطفال الصغار.ويكفي ان تلاحظ الأم من ينكبهم الحظ بفقدان امهاتهم منذ الطفولة المبكرة.كيف ينشأون معقدي النفوس ضعاف الشخصية مكتئبين تسيطر عليهم الهموم والحسرات في أغلب الأحيان إذا لم يهيىء القدر للطفل من تنوب عن أمه بالحنان الكامل والرعاية الحقة.
وأظن أن هذه اللفتة تكفي لتنبيه الأم الى واجبها نحو أطفالها الكبار لكي تمنحهم الحنان بسخاء.فبه تستقيم نفوسهم وتنشط شخصيتهم.وعلى الأم أن تنتبه أيضاً الى أنها تكاد تكون أكبر مصدر للحنان,لأن حنان الأب قد يحده الانهماك بالأعمال خارج المنزل,أما الأم فلا يجب أن يحد من حنانها شيء.ويجب أن تمنحه بسخاء الى جميع أفراد الأسرة كباراً وصغاراً بمن فيهم الزوج أيضاً.إذ أن الحنان كما قلنا هو غذاء لكل إنسان تستقيم به النفس ويبتهج القلب ويتردد صداه في الأسرة سعادة وهناء.

مهما الليالي
مهما الليالي
تصبحون على خير وإن شاءالله باجر إذا الله أحيانا نسمع أخبار حلوه عنكم

:27: