في زمن لا يمت إلى إنسانيتنا بصلة، يتجرد من قيمه ليمارس ما يحلو له ويقترف ما يطيب له
من إثم، تعجز العيون عن رؤية جماليات الدنيا، ولا تسمع الآذان سوى صخب الحياة، ووقع
أقدام مسيّرة تجذبها قوة مغناطيسية غامضة نحو دوامة لا تخرج منها حتى الممات، تتعطل
الحواس عن تذوق أي مثيرات، ويتوقف العقل عن تفسير ما يصل إليه عبر نافذة العالم وفق
منطق قد اعتاد عليه، فيترك وراء ظهره أبجديات جديدة من التعامل بين البشر لأسياد وضعوا
لها قواعدها ونحوها وصرفها، ودوّنوا تاريخها في صفحات لا يمكن قراءتها إلا من اليسار الى
اليمين، أو من أسفل الى أعلى.
تكاد الأنفاس تختنق من تلوث الكلام الذي تبعثره أهواء النفس، وتكاد القلوب تحترق عندما
تتسارع نبضاتها وتشتعل خوفاً أو استنكاراً أو خجلاً لهول ما يحدث، ليس لهذا خُلقنا وليس على
هذا عاهدنا الحياة حين أخرجتنا من ظلماتٍ ثلاث، وأخذت بأكفّنا الصغيرة نحو طريق واضح
المعالم، لا تتعثر فيه خطانا، ولا تحتار فيه عيوننا عند رؤية الصواب.
الكل هنا مشغول بذاته لا يرى من الكون سواها، يحاول تجميل صورتها القبيحة بمساحيق لا
تلبث أن تذوب مع حرارة أول كذبة، يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يلفّ نفسه بعباءة تستر
زيفه، أو قناع مستعار يغطي حقيقة وجهه.
وفي خضم هذا البحر المتلاطمة أمواجه، يجد الإنسان نفسه بعيداً عن عالم التمثيل، ليشعر
بغربته بين أبناء جلدته من بني البشر، فيبحر بمركبه بعيداً عن كل ما يحدث، ليعلن براءته
أمام ربه وأمام الأجيال القادمة، كونه لا يملك مقومات هذا الفن الذي يضمن له بقاءه، ويبحث عن ملاذ ينقذه من هذا المستنقع الآسن، الى ظل يركن إليه ولو برهة من الزمن يسترد فيها
أنفاساً صافية تغسل تلوث رئتيه من النفاق، أو لعله يجد ابتسامة حقيقية بريئة لا تصنعها
تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، فترفضه الأرض من باطنها الى ظاهرها، ويضيق به
الكون على اتساعه، فينادي وسط هذا الضجيج، فلا يجد أمامه إلا الرحيل الى دنيا من نوع
آخر، تفتح له ذراعيها، وتحتضنه بحنانها.. الى زهرة يستنشق أريجها، هي قلب أمه الذي لا
يذبل، فتعود له ابتسامته التائهة في زحمة العمل، ويسترد نقاء أنفاسه مع نور وجهها الذي
يشرق عليه كل صباح....
(فصباح الخير يا أمي..).
منـــــــقـــــــول
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
اختي الغالية شذور الذهب
جزاك الله خيرا
على مواضيعكِ المميزة التي دائما تسعدينا بها ..
موضوع مفيد بارك الله فيك..
وكما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :
تبسمك في وجه أخيك صدقة..
لما في ذلك من فوائد كبيرة..
تحياتي
اختي الغالية شذور الذهب
جزاك الله خيرا
على مواضيعكِ المميزة التي دائما تسعدينا بها ..
موضوع مفيد بارك الله فيك..
وكما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :
تبسمك في وجه أخيك صدقة..
لما في ذلك من فوائد كبيرة..
تحياتي
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خير على النقل المفيد ,,
وجعله الله في موازين حسناتك ,,,