الصائمه لله

الصائمه لله @alsaymh_llh

محررة برونزية

البدانة مرض العصر

علاج السمنة والنحافة

البدانة مرض العصر


--------------------------------------------------------------------------------

الجوع والشهية ومعاملُ الشبع
ما الذي يجعلنا نجوع وما الذي يجعلنا نشبع ونكفُّ عن الأكل رغم أنه ممتع ؟ إن من المؤكد أن آليةً حيويةً ما تتحكمُ في سلوكيات الأكل في الكائنات الحية وتعملُ على إشعار الكائن الحي بالجوع وتدفعه إلى الأكل عندما تنقص كمية المخزون من المواد الغذائية لأي سبب من الأسباب ، ومن المؤكد أيضًا أن هناك آلياتٍ حيويةً لإشعار الكائن الحيِّ بالشبع بحيثُ يتوقفُ عن الأكل عندما يتمُّ دخول كميةٍ من الغذاء تكفي لسد النقص الموجود في الغذاء أو الطاقة.




وبالرغم من وجود تلك الآلية الحيوية (غير المفهومة بالكامل بعد) تحدثُ البدانة في الإنسان وفي الحيوان، وإن كانت في الحالتين غالبًا ما تكونُ بسبب الإنسان بمعنى أن الحيوانَ لا تحدثُ زيادةٌ في وزنه إلا نتيجةً لمرضٍ عضويٍّ أو في تناغمٍ مع تغيراتٍ كبيرةٍ في طقس البيئة التي يعيشُ فيها (حيثُ يحتاجُ الشتاءُ القارص إلى مخزونٍ أكبرَ من الدهون)، أو بسبب ظروفٍ يضعه فيها الإنسان كأن نطعم فأر التجارب مثلاً أغذية السوبر ماركت البشرية فتكونُ النتيجةُ هي زيادة حجمه ووزنه إلى حد البدانة، أو أن نُدَمِّرَ جزءًا من مخه فنفسد عملية التنظيم الطبيعية التي يتمتع بها فيصاب بالبدانة، وكل النظريات التي تحاول تفسير أسباب حدوث البدانة تدور كلها في حقيقة الأمر حول ماذا يتحكمُ في الجوع وفي الشهية ، ولذلك فمن المهم التفريقُ بينَ مفهومي الجوع والشهية ، فالجوعُ هو الإحساسُ بالرغبة في الأكل نتيجةً لحاجةٍ فيزيولوجيةٍ للجسد بمعنى أن هناكَ نقصًا في أحد المواد الغذائية المهمة للجسد، وأما الشهيةُ فأمرها مختلفٌ لأنها تعبرُ عن الإحساس بالرغبة في الأكل نتيجةً لحاجةٍ نفسيةٍ متعلقةٍ إما بالرغبة في الاستمتاع بجانب من جوانب عملية أكل طعامٍ معينٍ كحلاوةِ طعمه أو جمال رائحته أو شكله أو غير ذلك، أو نتيجةً لوجود حالةٍ من الضيق أو الضجر أو الفراغ النفسي كما يحدثُ لدى كثيرين من المشتكين من البدانة وكذلك لدى كثيرين من مرضى اضطرابات الأكل المختلفة.

وأما كيفَ يكونُ التفريقُ بينَ الجوع والشهية ، فإن الطبَّ النفسيَّ يفرقُ بينَ أن نأكلَ استجابةً لاحتياجات الجسد الفيزيولوجية والتي تسمى بالأكل استجابةً للجوع ، وبينَ أن نأكلَ لا لأن أجسادنا تحتاجُ ولكن لأن نفوسنا تشتهي، بما في ذلك كل الأحاسيس اللذيذة المرتبطة بالطعام عندما يمرُّ على خاطر الواحد منا مثلاً مذاقُ ونكهة الشيكولاتة اللذيذة فيحسُّ بالرغبة في أكلها لهذا السبب دونَ أن تكونَ هناكَ حاجةٌ فيزيولوجية لذلك.

ولكن كيفَ يحسُّ الشخصُ عادةً بالجوع ؟ أي ما هيَ الأعراضُ التي تعني أن الجسد في حاجةٍ فيزيولوجيةٍ للطعام ؟ فرغم أن كل واحدٍ يعتقدُ أنه يعرفُ الجوع فإن الإجابةَ عن سؤال ما هيَ أعراض الجوع ؟ تحتاجُ إلى بعض التفكير لأن بعضنا في الحقيقة لم يجرب ذلك الشعور كثيرًا (اللهم إلا في أوائل رمضان من كل عام)، كما أن الأهم هو أن كل إنسانٍ تقريبًا يعبر له جسدهُ عن الجوع بطريقةٍ تخص ذلك الجسد ! ومعنى ذلك أن التعرفَ على أعراض الجوع بالنسبة لكل شخص بعينه سيحتاجُ بعض التدريب من ذلك الشخص لنفسه، ومن المهم أن نعرفَ أن الجوعَ شعورٌ متدرجُ الشدة أي أنهُ ليسَ من المشاعر التي توصفُ بأنها إما موجودةٌ كليةً أو غير موجودةٍ كليةً أي ليس كل شيءٍ أو لا شيء، فمن الممكن أن يحسَّ الشخص درجاتٍ عديدةً من الجوع ، وبالرغم من ذلك فإن من الممكن أن نجمع بعض الأعراض الشهيرة دونَ أن يفترضَ أنها قابلةٌ للتعميم ، وهذه الأعراض هيَ :
-1- قرقرةُ البطن ، الشعور بفراغ في المعدة، شعورٌ غير محددٍ بعدم الراحة في منطقة المعدة أيضًا ،
-2- نقص القدرة على التركيز، وربما الصداع، أو الدوخة والشعور بخفةِ الرأس ،
-3- النزق (العصبية) وسهولة استثارة المشاعر ،
-4- الشعور بالتعب وربما الرعشة الخفيفةُ أيضًا ،
-5- الانشغال المفاجئ بالأكل وما يتعلقُ به.

بعضنا لا يعرفُ هذه الأعراض ، وبعضنا لم يعرفها إلا أثناء اتباعه لأحد برامج الحمية المنحفة، وهيَ الحالةُ التي يستجيبُ فيها لهذه الأعراض بعكس الاستجابة الطبيعية فلا يأكل وإنما يقاوم هذه المشاعر باعتبارها ستفسد برنامج الحمية ، والخلاصةُ أن أغلبَ الناس لا يعرفونَ كيفَ تعبر لهم أجسادهم عن الجوع، إما لأنهم لا يعطونَ أجسادهم فرصةً للجوع أو لأنهم من كثرة ما تعودوا تجاهل هذه المشاعر لم تعد تصل إلى وعيهم كما هو الحال في معظم حالات اضطرابات الأكل والحمية، ولذلك فإن من يريد منا أن يتفهم لغةَ جسده فيما يتعلقُ بالأكل سيحتاجُ إلى بعض التدريب، وخاصةً فيمن حدثَ ارتباطٌ شرطي عندهم بينَ الشعور بالرغبة في الأكل وبينَ العديد من الأفكار السلبية مثل أنني فاشلٌ في الحفاظ على جسدي أو في ضبط ذلك الجسد أو أنني أضرُّ نفسيَ بالأكل أو أنني لم أفعل شيئًا أستحقُّ أن آكلَ بعده أو أنني لو بدأتُ الأكل فلن أستطيعَ التحكم في نفسي بوقف الأكل في الوقت المفروض.

وما يزالُ هناكَ سؤالٌ يحتاجُ إلى إجابةٍ بعد ذلك ، وهو كيف يفرقُ الشخص بينَ إشارات جسده التي تنمُّ عن الجوع وتلك التي تنمُّ عن الشهية ؟ والواقعُ أن التفريقَ صعبٌ جدا خاصةً في حالة الجوع، لأن أحد أعراض الجوع كما ذكرت منذ قليل هو الانشغال المفاجئُ بالأكل وما يتعلقُ به ، وأنا هنا أقصد أفكارًا وتخيلاتٍ وغيرها من العمليات المعرفية وهذه هيَ الشهية أصلاً، إذن فأسهل الطرق للتفريق بينَ الجوع والشهية هيَ أن نفرقَ في غياب الجوع، لأن وجود الجوع يجعلُ وجود الشهية أمرًا طبيعيا في الكثير من الأحيان، كما أن إشارات الجسد التي تزول بتناول أي طعامٍ تختلفُ عن إشاراته التي لا تزول إلا بتناول طعامٍ بعينه فالأولى إشارات جوع والثانيةُ إشاراتُ شهية، وأعود مرةً لأخرى لأؤكد أن لكل جسد ونفس طريقتهما في التعبير عن الجوع وعن الشهية وأن خير من يستطيعُ فهم الجسد إذا درب نفسه هو صاحبُ ذلك الجسد.
ولابد من التذكير بأن البدانةَ في عالمنا أصبحت مشكلةً عالميةً في كل بقاع الأرض تقريبًا، صحيحٌ أن المعدلات أعلى في البلاد الغربية أو البلاد الغنية التي تستوردُ شكل الحياة الغربية ، لأنها تملكُ ثمنَ استيرادها ، من المعدلات في بلدان العالم الفقيرة ، إلا أنَّ الفروق في المعدلات قد أخذت في التناقص بشكل كبيرٍ في العقود الأخيرة، والمهم هنا هو أن معدلات البدانة في تزايد مستمرٍّ على مستوى العالم، بل أن دراسةً حديثةً لمنظمة الصحة العالمية (WHO,1997) قد بينت أن عشرين بالمائة من الأوروبيين وخمسةً وثلاثين بالمائة من الأمريكيين يعانون من البدانة حيثُ كانت منسبات كتل أجسادهم فوق 25 كجم / المتر المربع، وأما المقاس المتوسط الشائع للملابس Average Dress Size فهوَ في تزايدٍ مطردٍ في الكثير من بلدان العالم ، ففي بريطانيا مثلاً زاد المقاس المتوسط الشائع للملابس من 12 عام 1960 إلى 16 في السنوات الأخيرة، وفي مقابل ذلك نمت صناعات ضبط الوزن بشكلٍ سرطاني في جميع أنحاء العالم أيضًا.

والحقيقةُ أن أحدًا لا يستطيعُ أن ينكرَ أن للثورة الصناعية في مجال الغذاء دورًا في تيسير وإتاحة الطعام السهل، ورغمَ البراءةِ التي تبدو بها منجزات صناعة الغذاء المعاصرة فإن الحقيقةَ التي تغيبُ عن الكثيرين أو ربما اعتبروها أمرًا واقعًا أو تطورًا طبيعيا لا يحتاجُ إلى مناقشة ، هذه الحقيقةُ هيَ أن الهدف من صناعة الغذاء ليسَ الهدفَ البريء الذي قد يصدقهُ الطيبون، وإنما الهدفُ كهدف كل صناعةٍ هو الحصول على الربح بالطبع، وفي هذا الإطار أصبحت صناعةُ الغذاء معنيةً بكميات المبيعات، وببساطةٍ شديدةٍ نسألُ السؤال التالي : ماذا يتوقعُ أن يزيدَ من حجم مبيعات منتج غذاءٍ مصنعٍ ما ؟ وتجيء الإجابةُ بنفس البساطة : أن نجعلَ طعمهُ أحلى وأكلهُ أمتع وحبذا لو قللنا من قدرته على إحداث الشبع!

ولعلها عند هذه النقطة الأخيرة تكمنُ المصيدة التي وقعَ فيها العالم الحديث، فهناكَ الآن حديثٌ عن إحداث ما يشبهُ الإدمان بسببِ المأكولات الصناعية المخلقة من النشويات والسكريات والملح، كم أن من المعروف علميا أن غذاءً طبيعيا كالبطاطس (والذي يحتوي في صورته الطبيعية على كل ما يحتاجهُ الجسد من غذاء حتى أنهُ يمكنُ للإنسان عمليا أن يعيشَ عليها) وأما البطاطس المقشرةُ سلفاً والمقطعةُ سلفًا والمقليةُ سلفًا والتي تكادُ تكونُ مأكولةً سلفًا ! فإنها بلا معامل إشباع وتكادُ تكونُ بلا محتوى غذائي تقريبًا رغم أنها أغلى ثمنا كما هو معروف وهناكَ عدةُ ملاحظاتٍ لابد أن نشير إليها قبل الدخول في النظريات الخاصة بموضوع : مسؤولية من تكون البدانة ؟ :

أولى هذه الملاحظات : هي أن العديد من الأطعمة الصناعية كالبسكويت والفطائر المخلطة والشيكولاتة والحلوى بأنواعها المختلفة كثيرًا ما تشعرنا بالجوع (وليسَ الشبع) بعد أن نأكلها، وحبذا بالطبع لو كانَ الجوع لها هيَ نفسها ، فهكذا يكونُ المنتجُ الغذائي رائعًا بكل المقاييس بالنسبة لمنتجيه وبائعيه وربما لمستهلكيه الغافلين !

وثانيةُ هذه الملاحظات : هيَ أن خلطةَ الدقيق والحليب والسكر وقليلٍ من الملح، هيَ نفسها مع اختلاف النوعيات بالطبع نفس الخلطة المستخدمة في التسمين في مزارع الحيوان، لأن هذه الخلطةَ تسببُ بطبيعةٍ فيها نوعًا من التوق أو الاشتهاء من خلال ما تحدثهُ من تغيراتٍ كيميائية في الجهاز العصبي في الدماغ لم يدرك العلمُ كل تفاصيلها بعد ، ولكنها من الأهمية الآن بحيثُ دفعت الكثيرين إلى الحديث عن إدمان الأكل "أو بالأحرى إدمانُ أكل أصناف الغذاء المعالجة صناعيا لأنها تسببُ ذلك الإدمان"

وثالثةُ هذه الملاحظات : هيَ أن في هذه الخلطة على ما يبدو ما يتعارضُ مع إشعارنا بالشبع، أو مع إقناع مراكز الشبع الدماغية بأننا أكلنا ما يكفينا ! فغالبًا ما تكونُ هذه المنتجات الغذائية المصنعةُ منخفضةَ الدرجات على مقياس الشبع.

وفي تجربةٍ فريدةٍ من نوعها قامت مجموعةُ بحثٍ من جامعة سيدني الأسترالية بدراسةٍ على مجموعةٍ من الطلاب حيثُ تناول كل منهم ما يعادل 240 سعرًا حراريا من غذاء معين، ثم طلب منهم تقييم إحساسهم بالجوع كل ربع ساعة لمدة ساعتين بعد ذلك، وكان مسموحًا لأيٍّ منهم بالذهاب إلى سفرةِ الطعام وتناول ما يشاءون دون قيود تحت ملاحظة الباحثين، واتخذَ الباحثونَ الخبز الأبيضَ مرجعيةً لتقييم معامل الشبع لطعام ما فكان معامل الشبع للخبز الأبيض 100% ، وقارنت الدراسةُ ما بينه وبين 37 صنفًا من أصناف الغذاء المختلفة بحيثُ يعتبرُ معامل شبع غذاء ما عاليًا إذا زاد عن 100% ويعتبرُ ذلك النوع من الغذاء مشبعًا بمعنى أنهُ أكثرُ إشعارًا بالشبع من الخبز الأبيض!

وقد بينت نتائج هذه الدراسة أن أقل معاملات الشبع كانت من نصيب البسكويت والكورن فليكس، ورقائق البطاطس المقلية ، كما بينت الدراسةُ أن معظمَ الأغذية التي حصلت على أعلى معاملات شبع (أي التي تجاوزت 120%) كانت أغذيةً في صورتها الطبيعية، وأنه كلما زاد محتوى طعامٍ معينٍ من الألياف والبروتينيات والماء كلما كانَ إشعارهُ لنا بالشبع أكثرَ وأطولَ زمنًا، ونستطيعُ أن نستنتجَ من ذلك أنهُ كلما زادت معالجة المواد الغذائية صناعيا كلما قلت قدرتها على إشعارنا بالشبع ، وهذا استنتاجٌ خطيرٌ في الحقيقة ، لأنهُ يعني بالنسبة لمنتج الأغذية المصنعة أنهُ سيبيع أكثر بينما يعني لنا أننا سنتناول غذاءً أقلَّ فائدةً من الناحية الغذائية وأكثرَ احتواءً على السعرات الحرارية غير اللازمة ، وهذا هو ما تترجمهُ أجسادنا إلى البدانة ، وهو ما يفسرُ أيضًا زيادةَ معدلات البدانة على مستوى العالم، مع إضافة تأثير الوسائل التكنولوجية التي تجعل المجهود البدني أقل بكثيرٍ مما كان في الماضي أي أن الإنسان الحديث قد وضعَ بينَ فلقي الرحى، فمن ناحيةٍ نطلبُ منهُ مجهودًا بدنيا أقلَّ مما يجب ، ومن الناحية الأخرى نطعمهُ أغذيةً تُسْمِنُ ولا تغني من جوع !

منقووووووووووووووووووووووووووول
0
382

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️