
والبرُّ.. هذه الكلمة باؤها مثلَّثة.. ومعنى ذلك
أي أنَّ هناك بَرٌ، وبُرٌ، وبِر، فالبُرُّ هو القمح.. والبِرُّ هو الإحسان.. والبَرُّ هو اليابسة في الأصل، أما البَرّ إذا كان إسماً من أسماء الله الحُسنى هو بالفتح، أي فاعل البِرّ، والبِرّ هو الإحسان، أي المحسن
فسّره الإمام الخطابي بقوله: "البر هو العطوف على عباده, المحسن إليهم, عمّ ببره جميع خلقه, فلم يبخل عليهم برزقه, وهو البرُّ بأوليائه, إذ خصهم بولايته, واصطفاهم لعبادته, وهو البرُّ بالمحسن في مضاعفة الثواب له, والبر بالمسيء في الصفح, والتجاوز عنه".
وذكر الإمام البيهقي في كتابه الأسماء والصفات عن الحليمي قوله: " معناه الرفيق بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر, ويعفو عن كثير من سيئاتهم، ولا يؤاخذهم بجميع جناياتهم, ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها, ولا يجزيهم بالسيئة إلا مثلها، ويكتب لهم الهمّ بالحسنة، ولا يكتب عليهم الهمّ بالسيئة".


أنواع البر الإلهي:
إذا تأملنا مقاصد هذا الاسم الإلهي العظيم ودلالاته، تبيّن بجلاءٍ أن برّه سبحانه وتعالى بخلقه على نوعين:
البرّ العام: وهو الإحسان الإلهي الذي وسع الخلائق كلّها في البرّ والبحر، والسماوات والأرض، وما من مخلوقٍ إلا وقد أسبغ عليه نعمه وإحسانه ظاهراً وباطناً، فهيّأ له رزقه وقوته، وكساه الجمال وأحسن خلقه، وأعطاه ما ينفعه ودفع عنه ما يضرّه، بحسب ما تقتضيه حكمته، ومن دلائله قوله تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء} (الأعراف:156)، وقوله تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل:53)، وقوله سبحانه: { الذي أحسن كل شيء خلقه} (السجدة:7).
البرّ الخاص: وتعني ما خصّ به المؤمنين المتقين دون غيرهم، بتوفيقهم إلى الطاعة وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وتثبيتهم على الاستقامة، والأمن والطمأنينة النفسيّة، والعفو عن السيئات، ومضاعفة الحسنات: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} (الأعراف:156)،
وغيرها من الخصائص التي أكرمهم بها، أما في الآخرة فقد خصّهم بالجنة وبرؤيته سبحانه وتعالى: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (يونس:26)، ويالهما من نعمة.
آثار الإيمان بهذا الاسم:
أولاً: إدراك أن الخالق سبحانه وتعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة:185)
ومن التيسير الحاصل لهم مجازاتهم بالعمل اليسير الأجر الكثير، وإثابتهم بمجرّد النيّة الصالحة، وفي المقابل: غفران السيئات ومحوها بالأعمال الصالحة: { إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود:114)، ومجازاة السيئة بمثلها، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (من هم بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها، كتبت له عشرا إلى سبع مائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب، وإن عملها كتبت) رواه مسلم.
ثانياً: إمهال الخالق للمذنبين وستره لعيوبهم، قال سبحانه وتعالى: { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا} (الكهف:58)،
فينبغي على العبد أن يعرف بره سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية، مع كمال رؤيته له، ولو شاء لفضحه بين خلقه، وإذا اشتغل العبد بمطالعة هذه المنة وتذكّرها واستحضارها، قوي تعلّقه بالله وازداد إيمانه، وهو أنفع له وأكمل من الاشتغال بالجناية، وشهود ذل المعصية

فالبَرُّ.. في حقِّه تعالى أي فاعل البِرِّ والإحسان

*************************
وقد بلغ بر الرب بأوليائه في الدنيا أن لو أقسم عليه أحدهم للبى له طلبه وما حنثه في يمينه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ) .
كذلك الله سبحانه وتعالى يكشف لعبده المؤمن يوم القيامة عن كلِّ شيءٍ ساقه له في الدنيا من متاعب، لا شكَّ أنَّ هذا الإنسان يذوب من شدَّة الامتنان إلى الله عزَّ وجلَّ.
﴿ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾
أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّة:

اسم البَر ورد في القرآن مرَّةً واحدة في سورة الطور:
﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾
﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ ﴾
هم في الجنَّة الآن ويتحدَّثون عن ربِّهم
﴿ نَدْعُوهُ ﴾
في الدنيا.
﴿ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾
أي بَرٌ رحيمٌ بنا في الدنيا والآخرة.
ورد مشتق هذا الإسم في سورة مريم، في قوله تعالى:
﴿وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14)﴾
(سورة مريم)
وفي السورة نفسها ورد على لسان سيدنا عيسى:
﴿وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32)﴾
(سورة مريم)
معنى ذلك أنَّ الإنسان إذا أراد الله تأديبه في حياة أمِّه ربَّما كان بعضُّ هذا التأديب لأمِّه. لذلك ورد في الأثر القدسي أنَّه إذا ماتت الأم
قال الله سبحانه وتعالى:
(( عبدي ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، فاعمل صالحاً نكرمك لأجله.))