البلبل ، قصيدة للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج

الأدب النبطي والفصيح







الْبُـلْبُـلُ

قصيدة مهداة إلى الدكْتُورِ/مُصْطَفَى الْهَرْمِيلِ
من ديوان أغنيات الصبا والرماد
للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أُلْقِيَتْ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ سَنَةَ (1992م ) بِمَرْكَزِ شَبَابِ مَحَلَّةِ مَرْحُومٍ بَعْدَ فَوْزِ الدكْتُورِ/مُصْطَفَى الْهَرْمِيلِ ، طَبِيبِ الأَمْرَاضِ النفْسِيَّةِ بِعُضْوِّيَّةِ مَجْلِسِ الشَّعْبِ 0




إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى الْقَصَائِدِ مِنْ عَلِ




وَأَطَلْتُ فِيهَا نَظْرَتِي وَتَأَمُّلِي


وَوَقَفْتُ أَلْحَظُ مِنْ سَمَائيَ حُسْنَهَا




وَأَعَدْتُ فِيهَا الطَّرْفَ بَعْدَ تَمَهُّلِي

فَرَأَيْتُ حُورًا قَدْ خَلَعْنَ ثِيابَهُنَّ




وَجِئْنَ قَدْ لاحَتْ خُيُــْوطُ الْمِغْزَلِ


فَغَزَلْتُهُنَّ قَصِيــدَةً عَصْمَــاءَ قَدْ




أَلْقَتْ عَصَاهَا فِي تَحَدٍ مُعْضِلِ

حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ النَّفِيرُ وَأَقْبَلَتْ




لَقَفَتْ ثَعَابِينَ الدَّعِيِّ الأَدْجَلِ


فَاعْجَبْ لِحَرْفٍ ظَلَّ يَرْقُصُ فِي دَمِي




مُسْتَبشِـــرًا وَمُرَحِّبًا بِالْمُقْبِلِ

حَتَّى إِذَا هَزَّ الْمَشَاعِرَ مُصْطَفَى




بِوَفَـــائهِ وَبَيَـــانِهِ الْمُسْتَرْسِلِ


جَرَتِ الْحُرُوفُ إِلَى الْحُرُوفِ وَعَانَقَتْ




نَجْمًا شَهِـدْنَاهُ بِلَيْلٍ أَلْيَلِ


فَاعْجَبْ لِنَجْمٍ قَدْ أَضَـــاءَ نُجَيْمَةً




فَأَضَاءَ نُورُهُمَــا دُجَى الْمُسْتَقْبَلِ


******

اللهُ يَا بَلَدِي وَقَدْ لاحَ السَّنَا




مِنْ وَجْهِهِ فَأَضَاءَ عَتْمَةَ مَنْزِلِي


اللهُ يَا بَلَدِي وَقَدْ قَطَرَ النَّدَى




مِنْ ثَغْرِهِ فَأَذَابَ سَلْسَلِ جَدْوَلِي

فَلْتَهْنَئِي عِنْدَ الْفَخَارِ بِمُصْطَفَى




وَتَرَفَّعِي بِالْمُصْطَفَى وَتَدَلَّلِي


فَغَدًا يَذُودُ عَنِ الْمَبَادِئِ مُصْطَفَى




وَيَصُونُ عِرْضًا هِينَ تَحْتَ الأَرْجُلِ

اللهُ يَا بَلَدِي وَقَدْ حَنَّ الْحَبِيبُ




إِلَى ثَرَاكِ مُتَيَّـمًا لَمْ يَبْخَلِ


وَأَتَاكِ يَفْتَحُ قَلْبَهُ مُتَبَسِّمًا




فَتَزَيَّنِي عِنْدَ اللِّقَا وَتَكـــــَحَّلِي

وَتَعَلَّمِي كَيْفَ الْوُصُولُ إِلَى السَّمَاءِ




وَكَبِّرِي فَوْقَ النُّجُومِ وَهَلِّلِي




*****

يَا مُقْسِمًا بِاللهِ صَوْتُــكَ فِي دَمِي




يَنْسَابُ بَيْنَ تَدَفُّقٍ وَتَزَلْزُلِ


أَقْسَمْتَ أَنَّكَ لَنْ تَخُـــونَ عُهُودَنَا




وَوَعَدْتَ أَنْ يَنْجَابَ قَيْدُ الْمُدْجِلِ

وَيَعُودَ نُورُ الصُّبحِ يُشْرِقُ مِنْ هُنَا




وَيَغِيبَ لَيْلُ الْخَائنِِينَ وَيَنْجَلِي


وَوَعَدْتَ أَهْلَكَ بِالسَّمَاحَةِ وَالنَّــدَى




وَبِأَنْ تَدُقَّ عَلَى الْجِدَارِ الْمُقْفَلِ

وَوَعَدْتَهُمْ بِالْمَكْـــرُمَاتِ جَمِيعِهَا




وَوَعَدْتَ أَنْ يَنْجَابَ طَعْمُ الْحَنْظَلِ


فَاسْمَعْ لأَهْلِكَ إذْ غَدَوْتَ وَكِيلَهُـمْ




وَانْظُرْ بِقَلْبِكَ لانْفِجَارِ الدُّمَّلِ

وَاخْفِضْ لَهُمْ كَي يَحْمِلُوكَ وَلا تَكُنْ




مِثْلَ الأُلَى كَانَ الْغُرُورُ لَهُمْ وَلِي


خَانُوا الْعُهُودَ وَلَمْ يَفُوا بِعُهُودِهِمْ




فَاسْتَوْجَبُوا غَضَبَ الْعَزِيزِ الأَوَّلِ

وَانْظُرْ هُنَاكَ فَذَاكَ بَاعَ ضَمِيرَهُ




وَانْقَادَ لِلأَوْهَامِ لَمْ يَتَعَقَّلِ


*****
وَلأَنْتَ أَعْرَفُ بِالنُّفُوسِ وَإِنَّمَا




حُبِّي لِشَخْصِكَ خَطَّ بَعْضَ تَأَمُّلِي


وَلَقَدْ تُفِيدُ قَصِيدَتِي فَلَقَدْ يُرِي




الأَعْمَى عِظَاتٍ لِلنَّبِيِّ الْمُــــرْسَلِ

وَلَرُبَّ حَرْفٍ هَزَّ شَعْبًا بَأْسُهُ




وَأَعَادَ لِلْمَسْلُوبِ حَــــدَّ الْفَيْصَلِ


فَاسْمَعْ لأَهْلِكَ حِينَ يَعْلُو صوْتُهُمْ




وَتَرَقَّبِ الأَمْـــطَارَ بَعْدَ الْهُطَّلِ

هُمْ بَايَعُوكَ عَلَى الْوَفَاءِ وَأَيْقَنُوا




أَنَّ الطَّهَارَةَ كَنْزُ مَنْ لَمْ يَسْفُلِ


فَانْظُرْ هُنَاكَ تَجِدْ رِجَالاً أَقْسَمُوا




أَلا يَبِيعُـــوا عَالِيًا بِالأسْــــفَلِ

حَتَّى الْعَجَائِزُ وَالنِّسَاءُ عَلَى الْمَدَى




قَدْ سِرْنَ خَلْفَ الْكَوْكَبِ الْمُتَنَقِّــلِ


هِيَ صَحْوَةٌ لِلْفَجْرِ أَضْحَتْ حُلْمَنَا




وَغَدَتْ مُبَارَكَةً بِخَيْرِ مُؤَمَّــــلِ


*****

يَا شَادِيًا بِاللَّحْنِ صَوْتُكَ هَزَّنِي




وَأَعَادَ فِي الأَسْمَاعِ شَدْوَ الْبُلْبُلِ


غَرِّدْ فَإِنَّ الْقَلْبَ غَابَ حَبِيبُــهُ




وَسَرَى وَحِيدًا فِي الظَّلامِ الْمُسْدَلِ

وَتَحَوَّلَ الأَحْبَابُ ثَمَّ خِيَــــانَةً




حُبَّ الثَّــــرَاءِ وَلَسْتَ بِالْمُتَحَوَّلِ


غَرِّدْ وَرَدِّدْ فِي الْمَسَامِعِ عِزَّتِي




وَأَعِدْ عَلَى سَمْعِي وَسَمِّعْ عُذَّلِي

غَرِّدْ وَلا تَخْشَ الْبَنَادِقَ وَالرَّدَى




فَالْمَوْتُ لِلأَحْرَارِ خَيْرُ مُــؤَمَّلِ


غَرِّدْ فَإِنَّ الْحُرَّ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ




فَرِيسَـــةً لِشِبَـــاكِ صَيَّادٍ خَلِي

وَالْحُرُّ إنْ مَاتَتْ مَبَادِؤُهُ فَمَا




مَعْنَى الْكَرَامَةِ وَالإبَاءِ الْمُعْتَلِي


غَرِّدْ وَجَدِّدْ صَيْحَتِي حُــــرًّا وَلا




تَخْشَ السُّقُوطَ فَإِنَّمَا يَهْوَى الْعَلِى

5
848

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ليلى حمدي صطفى
لا يَزَالُ النَّخِيلُ يَحْكِي أَسْرَارَهُ لِلرِّيَاحِ

قصة قصيرة من مجموعة أميرة من كفر خضر

للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج

ـــــــــــــــــــــــــ

رَغْمَ جَفَاءِ الْبِنْتِ الْمُفَاجِئِ ـ ظَلَّ الصَّبِيُّ
الَّذِي يَسْكُنُنِي حَامِلاً سَيْفَهُ الْخَشَبِيَّ ، مُحَارِبًا
طَوَاحِينَ الْهَوَاءِ ، مُهَرْوِلاً وَرَاءَ السَّرَابِ ،
يَخْتَبِئُ وَرَاءَ أَشْجَارِ الْكَافُورِ فِي انْتِظَارِ مُرُورِ
سِرْبِ الْيَمَامِ 0


يَرْسُمُ ـ فِي الْعَاشِرَةِ ـ يَمَامَةً تُغَادِرُ عُشَّهَا
وَلا تَعُودُ ، مُسْتَلْقِيَةً فَوْقَ ظِلِّ سَحَابَةٍ تُمَارِسُ
عِشْقَهَا لِلرِّيَاحِ ، تَنْقُرُ سَطْحَ بُحَيْرَةٍ ،
نَاظِرَةً إِلَى وَجْهِهَا فِي خُشُوعٍ ، مُتَّكِئَةً عَلَى
غُصْنٍ يَتَدَلَّى فَوْقَ الْمَاءِ ، تُهَذِّبُ رِيشَ
جَنَاحَيْهَا ، كَطَاوُوسٍ ، تُحَلِّقُ فَوْقَ حُقُولِ
الْجَوَافَةِ 0


تَطُلُّ شَمْسُ الْبَارُودِي بِعَيْنَيْنِ عَسَلِيَّتَيْنِ تَغْمِزَانِ خَلْفَ اللَّوْحَةِ ، بَاسِمَةً كَزَهْرَةِ لَوْزٍ ، تُخْفِي حُزْنًا كَسَحَابِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ 0

فِي أَقْصَى يَمِينِ اللَّوْحَةِ يَتَحَفَّزُ رَجُلٌ فِي الْخَمْسِينَ يَحْمِلُ هِرَاوَةً فِي انْتِظَارِ مُرُورِ طِفْلٍ خَطَفَ السَّمَكَةَ مِنْ سَلَّتِهِ 0

فِي أَقْصَى الْيَسَارِ تَتَخَايَلُ بِنْتٌ فِي الْعِشْرِينَ تَعْقِصُ شَعْرَهَا ، نَاصِبَةً فِخَاخَهَا فِي عُرْضِ الطَّرِيقِ مُقْسِمَةً أَنْ تَصْطَادَ الطِّفْلَ حِينَ يَمُرُّ 0

فِي وَسَطِ اللَّوْحَةِ يُقَرْفِصُ طِفْلٌ تَحْتَ ظِلالِ شَجَرَةِ كَافُورٍ ، مُخْتَبِئًا مِنْ لَسْعِ الشَّمْسِ فِي انْتِظَارِ مُرُورِ سِرْبِ الْيَمَامِ 0

اكْتَمَلَتْ أَجْزَاءُ اللَّوْحَةِ 000

يُخْفِيهَا فِي ذَاكِرَةٍ تَمْتَلِئُ كَمَيْدَانٍ فِي وَسَطِ
مَدِينَةٍ 000


يُفَتِّشُ حَارَاتِ الْقَرْيَةِ 000

يَبْحَثُ عَنْ وَجْهٍ تُشْبِهُهُ شَمْسُ الْبَارُودِي 000
مِنْ أُسْوَانَ إِلَى رَفَحَ ـ يَتَحَامَلُ مَشْدُوهًا وَرَاءَ عَيْنَيْهَا اللامِعَتَيْنِ 0


دَقَّ الأَبْوَابَ ، وَلَمْ يَيْأَسْ ، مِنْ أَقْصَى الشَّرْقِ إِلَى أَقْصَى الْغَرْبِ تَسْلُبُهُ رُوحَهُ 000

يَمْشِي مَأْخُوذًا تَحْتَ الأَمْطَارِ يَتَتَبَّعُ صَوْتَ
النَّدَّاهَةِ 0


عَلَى الأَرْصِفَةِ يُفَتِّشُ عَنْهَا ، وَفِي مَحَطَاتِ الْقِطَارِ ، وَوَرَاءَ مَوْجَةٍ تُغَادِرُ بَحْرَهَا ، وَفَوْقَ سَعَفِ النَّخِيلِ ، وَبَيْنَ عُيُونِ الصَّبَايَا ، لَعَلَّ وَجْهَهَا الْبَرِيءَ يَطُلُّ كَأَوَّلِ بَيْتٍ فِي قَصِيدَةٍ
هَارِبَةٍ 000


000000

000000

000000

يَسْتَسْلِمُ ـ فِي الْعِشْرِينَ ـ لِحُضْنِ امْرَأَةٍ
تُشْبِهُهَا 000


يَجْرِي مَذْعُورًا حِينَ يُخْرِجُ لَوْحَتَهُ مُقَارِنًا
بَيْنَهُمَا000


تَبْصُقُ عَلَى وَجْهِهِ 000

000000

000000

000000

فِي الثَّلاثِينَ يُدْرِكُ أَنَّ السَّرَابَ لا يَجِيءُ ،
وَأَنَّ الصَّحَارِيَ شَاسِعَةٌ لا يُدْرِكُهَا ، وَالرُّوحَ
تَغْرَقُ فِي الرِّمَالِ النَّاعِمَةِ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُقَاوِمَ
زَحْفَهَا ، وَالْمِيَاهَ شَحِيحَةٌ هَذَا الشِّتَاءَ ،
وَالأَمْوَاجَ لا تَبْلُغُ صُخُورَ الشَّاطِئِ
عِنْدَ الأَصِيلِ ، وَالنَّخِيلَ لَمْ يَعُدْ يَحْكِي أَسْرَارَهُ
لِلرِّيَاحِ 000


000000

000000

000000

الْبِنْتُ الَّتِي رَأَتْهُ مَغْمِيًّا عَلَيْهِ تَحْتَ
مِشْمِشَةٍ حَزِينَةٍ ـ كَسَرَتْ سَيْفَهُ الْخَشَبِيَّ ،
وَابْتَلَعَتْهُ فِي أَحْضَانِهَا كَحَقْلِ لَيْمُونٍ ـ فِي
مَوْسِمِ الْخَرِيفِ ـ يُسْقِطُ أَوْرَاقَهُ فِي الشُّقُوقِ
الظَّمْأَى ، ثُمَّ يَنْسَابُ جَدْوَلٌ بِالْحَيَاةِ ثَانِيَةً فِي عُرُوقِهِ النَّحِيفَةِ 0


كَشَجَرَةِ سَنْطٍ يَتَشَبَّثُ بَاللَّحْظَةِ ، يَشْهَقُ مُرْتَابًا ، كَغَرِيقٍ فِي عُرْضِ الْبَحْرِ يَلْتَقِطُ أَطْوَاقَ نَجَاةٍ ، لَكِنَّ اللَّوْحَةَ لَمْ تَغْرَقْ 0

000000

000000

000000

بَعْدَ انْتِظَارِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ظَلَّ قَابِضًا عَلَى بَقَايَا
حُلْمِهِ كَجَمْرَةٍ تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ـ
يُعَاوِدُ الْجُلُوسَ تَحْتَ ظِلالِ كَافُورَةٍ يَتِيمَةٍ فِي
انْتِظَارِ مُرُورِ سِرْبِ الْيَمَامِ لَعَلَّ وَجْهَهَا الْجَمِيلَ يَطُلُّ مِنْ وَرَاءِ السَّرَابِ 0


ليلى حمدي صطفى
مَا زَالَتْ سَوَاقِي الرُّوحِ تُعَاوِدُ أَشْوَاقَهَا الرِّيَاحُ

قصة قصيرة من مجموعة أميرة من كفر خضر

للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج

ـــــــــــــــــــــــــ

اعْتَادَ أَنْ يُطْلِقَ سَاقَيْهِ بَيْنَ الْحُقُولِ الْمُمْتَدَّةِ بَيْنَ شَاطِئِ الْمَلاحَةِ الْمُحِيطِ بِالْقَرْيَةِ وَشَرِيطِ السِّكَّةِ الْحَدِيدِ كُلَّمَا تَذَكَّرَ عَيْنَيْهَا الْعَسَلِيَّتَيْنِ تَلْمَعَانِ كَبَرِيقٍ خَاطِفٍ فَوْقَ اللَّوْحَةِ 0

لَيْسَ يَدْرِي لِمَاذَا كَانَ يَسْتَسْلِمُ لِلسَّيْرِ نَحْوَ كَفْرِ
خَضْرٍ كُلَّمَا ازْدَادَ الْحَنِينُ ، وَآلَمَهُ الدُّمَّلُ الْقَدِيمُ الْغَائِرُ بَيْنَ الضُّلُوعِ ، وَدَقَّ الْقَلْبُ الْكَسِيرُ كَطَائِرِ الطَّنَّانِ يَتَهَاوَى فَاقِدًا السَّيْطَرَةَ عَلَى جَنَاحَيْهِ مُخْرِجًا أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ 0


بَعْدَ عُبُورِ الْجِسْرِ الْخَشَبِيِّ يَتَخَطَّى قَرْيَتَهُ ، مُنْحَنِيًا لِلْيَمِينِ لِيَتَوَسَّطَ الْمَمَرَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الشَّاطِئِ وَحُقُولِ الذُّرَةِ 000

قَدِيمًا كَانَتْ تَأْخُذُهُ حُقُولُ الْقُطْنِ الْمُتَرَامِيَةُ خَلْفَ الْجِسْرِ ، وَتُدْهِشُهُ اللَّوْزَاتُ الْبَيْضَاءُ ، تَتَفَتَّحُ فَوْقَ أَعْوَادِهَا كَأَثْدَاءِ الصَّبَايَا تَنْبُتُ فِي الصُّدُورِ الْمُرْتَعِشَةِ كَحُرُوفٍ أُولَى يَتَهَجَّاهَا رَضِيعٌ 0

فِي مَوْسِمِ الدُّودَةِ يَتَجَمَّعُ أَنْفَارُ الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ فِي خُطُوطٍ طُولِيَّةٍ تَتَوَازَى ، يُتَابِعُ خُطُوَاتِهِمُ الثَّكْلَى خَوْلِيٌّ يَحْمِلُ خَيْزُرَانًا غَلِيظَةً يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ، وَيَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ 0

يَخْتَلِسُونَ النَّظَرَاتِ ، مُلْتَقِطِينَ اللُّطْعَةَ تِلْوَ اللُّطْعَةِ فِي مِخْلاةٍ مُمْتَلِئَةٍ 000

تَبْتَسِمُ زَهْرَةُ لَوْزٍ 000

تَهْتَزُّ الأَوْرَاقُ نَاضِرَةً ، وَتَنْسَابُ الْمَسَاقِي فِي بَهْجَةٍ إِلَى رَوَاتِبِهَا الظَّمْأَى 000

يَسْقُطُ طِفْلٌ فِي مَجْرَى قَنَاةٍ 000

تَحِنُّ الْحُقُولُ إِلَى ظِلالِهَا الْقَدِيمَةِ 000

يَفْتَحُونَ صَهَارِيجَ الرُّوحِ 000

تَتَدَفَّقُ سَاكِبَةً حَنِينَهَا لِحُقُولِ الْفُولِ
الْخَضْرَاءِ 000


يَحُطُّ فَوْقَهَا ـ فِي شَقَاوَةٍ ـ أَبُو قِرْدَانٍ 0

000000

000000

000000

عِنْدَ الْحَصَادِ ، تَشْتَعِلُ الْحُقُولُ بِابْتِسَامَاتِ الصَّبَايَا الْمَاكِرَاتِ عِنْدَمَا يَسْقُطُ عُصْفُورٌ فِي مَصْيَدَةِ الْفِئْرَانِ 000

يَضْرِبُ بِجَنَاحَيْهِ ـ فِي ارْتِبَاكٍ ـ مُحَاوِلاً الْخُرُوجَ مِنَ الْفَخِّ الْمُحْكَمِ ، لَكِنَّهُ يَسْقُطُ ثَانِيَةً لا مَحَالَةَ فَوْقَ لَوْزَةٍ نَاعِسَةٍ 0

يَمْتَزِجُ الْعَرَقُ الْمِسْكِيُّ تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ
الْحَارِقَةِ ظُهْرًا بِضَحِكَاتٍ تَعْلُو صَافِيَةً ، تَشُقُّ فَدَادِينَ الْقَرْيَةِ 0


000000

000000

000000

الْحَيَاةُ بَسِيطَةٌ 000

وَالنَّاسُ طَيِّبُونَ 000

وَالأَرْوَاحُ كَانَتْ تَتَلاقَى عَلَى كِسْرَةِ خُبْزٍ وَعُودِ جَرْجِيرٍ أَخْضَرَ 0

000000

000000

000000

أَرْبَعُونَ عَامًا مِنْ عُمْرِهِ الْقَصِيرِ فَرَّتْ
مُسْرِعَةً ، وَهُوَ لا يَمَلُّ الْمَسِيرَ سَامِعًا
هَمْسَهَا آتِيًا مِنْ وَرَاءِ حُقُولِ الزَّيْتُونِ ،
مُؤْمِنًا أَنَّهَا سَتَفِي يَوْمًا بِالْمَوْعِدِ ، وَتَتَجَلَّى
فِي كَمَالِهَا ، وَتَأْخُذُهُ بَعِيدًا نَحْوَ حُلْمِهِ
السَّحِيقِ 000


000000

000000

000000

فِي الطَّرِيقِ إِلَى كَفْرِ خَضْرٍ تَتَمَدَّدُ سَاقِيَةٌ حَزِينَةٌ
تُرَجِّعُ أَشْوَاقَهَا فِي حُنُوٍّ دَافِئٍ 000
تَنْقُرُ ـ مِنْ بَقَايَا الْقَطَرَاتِ الْمُتَدَفِّقَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا ـ عَصَافِيرُ الرُّوحِ سَاعَةَ الْغُرُوبِ 0


000000

000000

000000

عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ رَآهَا جَالِسَةً كَحُورِيَّةٍ تُلْقِي بِالشُّصِّ فِي أَعْمَاقِ الشَّاطِئِ فِي انْتِظَارِ مُرُورِ سَمَكَةٍ تَبْتَلِعُ حَبَّاتِ الْقَمْحِ الْمَبْلُولَةَ 0

لِلْوَهْلَةِ الأُولَى قَفَزَتْ حِكَايَاتُ جَدَّتِهِ اللَّيْلِيَّةُ عَنْ عَرُوسِ الْبَحْرِ ، وَالنَّدَّاهَةِ 000

انْتَابَتْهُ قُشَعْرِيرَةٌ تَبْلَعُ شَهِيقَهُ فَلا يَكَادُ يُخْرِجُ
الزَّفِيرَ 000 أَوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ 0


ـ رُبَّمَا كَانَتْ عَرُوسَ الْبَحْرِ تَتَخَفَّى فِي ثِيَابِ صَبِيَّةٍ تَسْتَدْرِجُنِي ، ثُمَّ تَخْطَفُنِي لِلأَبَدِ بَيْنَ عَيْنَيْهَا ، وَلا أَسْتَطِيعُ مِنَ النِّيلِ خُرُوجًا 000

ـ تَقَدَّمْ يَا رَجُلُ لا تَخَفْ !

ـ لَكِنَّهَا وَحِيدَةٌ فِي هَذَا اللَّيلِ الْحَزِينِ حَيْثُ
تَخْرُجُ الْجِنِّيَّاتُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ تَخْتَارُ مَنْ
تَشَاءُ ، وَتَذْهَبُ بِهِ إِلَى جَزَائِرِ الْمُحِيطِ حَيْثُ
لا يَعُودُ إِلَى الدِّيَارِ 000


ـ التَّرَدُّدُ يَا عَزِيزِي أَيْبَكُ !

000000

000000

000000

أَمْسَكَ بِزِمَامِ رُوحِهِ وَاقْتَرَبَ فِي رِفْقٍ وَنَظَرَ إِلَى الْغَمَّازَاتِ تَتَلأْلأُ فَوْقَ صَفْحَةِ الْمِيَاهِ 0

ـ شُدِّي الآنَ 000

لَقَدْ أَمْسَكْتِ بِهَا 000

أَحْسَنْتِ 000

الْتَفَتَتْ كَشَجَرَةِ نَبْقٍ طَالِعَةٍ بَيْنَ حُقُولِ
الْخَسِّ 000


انْزَلَقَتْ قَدَمَاهُ إِلَى أَمْوَاهِ الْبَحْرِ 000

تَمَاسَكَ فِي صَخْرَةٍ نَاعِسَةٍ عَلَى الشَّطِّ 000

مَدَّتْ يَدَهَا 000

أَمْسَكَهَا فِي لُطْفٍ 000

خَرَجَ إِلَى الشَّاطِئِ ، لَكِنَّ الشُّصَّ تَعَلَّقَ فَي
الأَهْدَابِ000


ـ هَلْ أَنْتَ بِخَيْرٍ ؟

ارْتَفَعَتْ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ كَالطُّوفَانِ 000

انْسَابَتْ أَسْئِلَةٌ حَائِرَةٌ لا يَعْرِفُ كَيْفَ تَكُونُ
إِجَابَتُهَا 000


ـ هِيْهِ أَيْنَ أَنْتَ ؟

ـ مُسْتَحِيلٌ أَنْ تَتَحَقَّقَ الْمُعْجِزَةُ ، وَتَكُونَ نُبُوءَاتِي الْقَدِيمَةُ صَادِقَةً 000

ـ مَاذَا تَقُولُ ؟

أَخْرَجَ اللَّوْحَةَ مِنْ جَيْبِهِ 000

تَأَمَّلَ مَلامِحَ وَجْهِهَا 000

عَيْنَيْهَا الْعَسَلِيَّتَيْنِ كَفَرَاشَتَيْنِ تُحَلِّقَانِ فَوْقَ
الْمُحِيطِ 000


شَفَتَيْهَا النَّارِيَّتَيْنِ كَحَبَّةِ كَرْزٍ ذَابَتْ فِي عَسَلٍ
مُصَفَّىً 000


وَجْنَتَيْهَا الْبَاسِمَتَيْنِ كَوَرْدَتَيْنِ نَابِتَتَيْنِ فِي
الضُّلُوعِ 00


ـ أَنْتِ هِيَ ، بَلْ هِيَ أَنْتِ 000

أَوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ عَقْلَهُ 000

يَلُفُّ حَوْلَهَا مُتَأَمِّلاً جَسَدَهَا الرَّقِيقَ كَفَرْعِ
بُرْتُقَالٍ 000


فِي حَذَرٍ يُلامِسُ رُوحَهَا 000

يَتَوَجَّعُ 000

تَتَوَجَّعُ 000

يَرْتَفِعَانِ 000

تَتَوَهَّجُ كَنَجْمَةٍ لامِعَةٍ فِي لَيْلَةِ صَيْفٍ
صَافِيَةٍ 000


يَتَوَحَدَانِ كَلَوْنَيْنِ امْتَزَجَا فِي لَوْحَةٍ
سُرْيَالِيَّةٍ 000


يَمْتَزِجَانِ 000

فِي الطَّرِيقِ إِلَى كَفْرِ خَضْرٍ يُرَاقِبَانِ ـ فِي ارْتَيَاحٍ ـ دُخُولَ الْقِطَارِ مَحَطَّةَ طَنْطَا 0
ليلى حمدي صطفى
لا تَـقْـرَبِي

قصيدة من ديوان أغنيات الصبا والرماد

للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج
ــــــــــــــــــــــــــــ


لا تَقْرَبِي فَالْمَوْتُ مِلْءُ حَيَاتِي




وَعَلَى الْغُصُونِ الْبَاكِيَاتِ نُعَاتِي


أَمْضِي وَفِي قَلْبِي شُعُورٌ غَامِضٌ




وَأَعُودُ مِِلْءَ جَوَارِحِي آهَاتِي

وَأَبِيتُ أَكْتُبُ فِي الْمَسَاءِ قَصِيدَةً




بِمِدَادِ قَلْبٍ دَائِمِ الْحَسَرَاتِ

حَتَّى أَغِيبَ عَنِ الْوُجُودِ كَأَنَّنِي




قَدْ ذُبْتُ فِي قَلَمِِي وَفِي كَلِمَاتِي

وأَفِيقُ ثَانِيَةً ، فَأَرْسُمُ صُورَتِي




مُسْتَسْلِمًا لِلدَّمْعِ وَالْعَبَرَاتِ

فَيَطُلُّ وَجْهُكَ مِنْ جَدِيدٍ بَاسِمًا




فِي رِقَّــةٍ كَالْبَدْرِ فِي ظُلُمَاتِي

لَكِنَّهُ طَيْفٌ يَطُلُّ فَيَخْتَفِي




خَلْفَ السَّحَابِ مُخَلِّفًا صَرَخَاتِي
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

فَأَغُوصُ فِي دَمْعِي كَئِيبًا شَارِدًا




مُتَهَدِّمًا فِي الأَعْظُمِ النِّخِرَاتِ
تَايِيسُ أَنْتِ حَبِيبَتِي لَكِنَّنِي




وَكَمَا تَرَيْنَ مُحَطَّمُ النَّايَاتِ


حُزْنِي جِمَارٌ فِي الضُّلُوعِ حَرِيقُهَا




لَيلِي طَوِيلٌ شَائِكُ الطُّرُقَاتِ

لا أَسْتَطِيعُ مِنَ الْحَبِيبَةِ قُبْلَةً




خَوْفًا وَفِي قَلْبِي عَظِيمُ شَكَاتِي

فَلْتَبْعِدِي عَنِّي فَإِنِّيَ رَاحِلٌ




لا تَقْرَبِي فَالْمَوْتُ مِلْءُ حَيَاتِي



مناير العز
مناير العز
لقد دمجت مواضيعك

لأنها أولا قصائد لشاعر واحد

ثانيا تم التنبيه على التزام قوانين الواحة ولم تلتزميها
ليلى حمدي صطفى
شكرا لكل الأصدقاء الأعزاء على مرورهم الكريم ولطفهم الذي ليس له حدود ، مع خالص تحياتي وتقديري .