سأحدثك اليوم عن موضوع عجيب .. اسمه عجيب .. سلوك مريضه عجيب .. ربما سمعت به قبلاً و ربما لا ..
أياً كان الأمر فالموضوع لا يخلو من إثارة .. أو هكذا بدت لي ..
موضوع حديثنا اليوم هو مرض نفسي مرتبط بالغذاء !!! أرجوك ركز معي قليلاً فالموضوع ليس عسير الفهم كما ظننت ..
اسم المرض هو النهام Bulimia .. فما هو ؟؟
_ ما هو داء النُهام ؟ What is bulimia?
يدعى أيضاً bulimia nervosa ، و هو عبارة عن اضطراب من مجموع اضطرابات تناول الطعام .
يتصف هذا المرض العجيب بحالات من الإفراط الشديد في تناول الطعام bingeing ، يتبعها إتباع طرق غير ملائمة لضبط الوزن من قبل المريض ، مثل : الإقياء المحرض ذاتياً purging - الإفراط في تناول المدرات و الملينات - القيام بجهود شديدة جداً .
النهام مرض عصبي تماماً مثل القهم . و هو عبارة عن حالة أخرى سببها محاولة ضبط المدخول الغذائي .
هذه الحلقة التي يعتادها من المريض من الإفراط في تناول الطعام ثم تحريض الإقياء ذاتياً من الممكن أن تستحوذ على المريض بشكل يشبه الإدمان على العقاقير !!!
هذا الإضطراب النفسي يحدث لدى المريض عموماً بعد محاولات متنوعة غير ناجحة لدى المريض في ضبط وزنه .
أفهمت ما قرأت آنفاً ؟؟ لا بد أنك فعلت .. و لا بد أنك مندهش الآن .. لا تحدق في الشاشة هكذا !!
أتظنني بدأت بالهذيان أو أن هذا المرض الذي أحدثك عنه نادر لدرجة أنك لن تصادفه في حياتك يوماً ؟ أنت مخطأ إن ظننت ذلك .. فموضوع اليوم ليس ترفاً علمياً كما حسبت بل هو شائع لكن في بلاد الغرب .. ألا تنوي الاختصاص هناك ؟ لا بد أن يصادفك المرض إن فعلت ..
إن أحببت أن تتأكد إليك نسب الإصابة بهذا المرض في الولايات المتحدة ..
_ ماذا عن نسب الإصابة بهذا المرض ؟
هذا المرض يصيب حوالي 3% من النساء في الولايات المتحدة الأمريكية في مراحل معينة من حياتهن .. حوالي 6% من الفتيات المراهقات .. 5% من الإناث في فترة الحياة الجامعية يعانون من الإصابة بهذا الإضطراب النفسي .
حوالي 10% من المصابين بهذا المرض هم ذكور !
المرضى النهاميون Bulimics تحتمل إصابتهم بالإضطرابات الأخرى التي يرغمون فيها على تصرفات معينة و بالإضطرابات العاطفية و بالإدمان .
خلافاً للقهم ، المرضى المصابون بالنهام يعانون من تغيرات هامة في الوزن لكن نقص الوزن لديهم لا يكون شديداً أو واضحاً كما لدى مرضى القهم عادة .
إنذار هذا المرض على المدى البعيد إجمالاً أفضل من إنذار القهم . و نسب التحسن إجمالاً أفضل . لكن على أي حال يستمر العديد من النهاميون بالإحتفاظ بعادات غذاء غير طبيعية حتى بعد فترة التحسن .
هل الإفراط في تناول الطعام يعود لجوع عارم لدى المريض ؟ و بماذا يشعر المريض بعدها ؟
سر البوليميا يعود إلى علة أن النهاميين عادة لديهم تعلق بهذا الإضطراب ..
التناول المفرط للطعام ليس استجابة لجوع الأمعاء . بل هو استجابة لحالة الإكتئاب أو الشدة النفسية أو المشاعر الأخرى المتعلقة بوزن الجسم أو شكله أو الطعام .
عادة التناول المفرط للطعام Binge eating يؤدي إلى شعور بالاسترخاء و السعادة لكن سرعانما يُستبدل هذا الشعور بحس فرط ثقل ناجم عن الإفراط في تناول الطعام فتغيب حالة السعادة قصيرة الأمد .
عادة سيشعر المريض بحالة من الضعف أو نقص القدرة على التحكم بالنفس أثناء الإفراط في تناول الطعام و يكون الإقياء المحرض ذاتياً هو الطريقة لاستعادة ضبط النفس .
الأمر جد عجيب ... نوبات من إفراط رهيب في تناول الطعام لا يملك المريض خلالها التوقف عن تناول الطعام ... لكن المصيبة لا تتنتهي هنا .. المريض مهووس بشكله و وزنه .. فماذا سيفعل جراء ذلك ؟؟
_هل يمارس كل مرضى البوليميا نفس السلوك في محاولة منع كسب الوزن ؟
لا يمارس كل مرضى البوليميا عادة الإقياء المحرض أو سوء استعمال المدرات أو الملينات أو الحقن الشرجية ... فبعض المرضى قد يلجأون للصيام عدة أيام بعد حالة فرط تناول طعام .. آخرون قد يلجأون للتمارين المجهدة كطريقة لإعادة التحكم و التخلص من الوزن الذي يمكن أن يزداد لدى المريض خلال مرحلة الإفراط .
التمارين مفرطة الجهد تتداخل عادةً مع النشاطات اليومية الإعتيادية و قد تحدث في أوقات غير ملائمة أو وضعيات غير مناسبة و قد يستمر المريض بمزاولتها على الرغم من المرض أو الأذية .
أنت مستغرب الآن أليس كذلك ؟ هل تود معرفة سبب هذا الإضطراب ؟
_ ما الذي يسبب البوليميا ( النهام ) ؟ What causes bulimia?
تماماً كما في داء القهم ، لا يوجد إلى الآن سبب قاطع للبوليميا !! بسبب تعقيد هذا المرض يستمر الباحثون في مجال العلوم الطبية و النفسية في البحث عن آليته ..
يبدأ تبدأ البوليميا بشكل عام بعدم إقتناع الشخص بجسمه . في الحقيقة قد يملك المريض وزناً أقل من المثالي لكنه عندما ينظر في المرآة فإنه يأخذ انطباعاً مشوهاً مخالفاً للحقيقة و يشعر بأن وزنه أثقل من الحقيقة !!
في البداية ، يؤدي هذا الإنطباع بالمريض إلى إجراء حمية .. و باستمرار الشعور بأن حجم الجسم أكبر من الحقيقة تتصاعد الحمية لتؤدي في النهاية إلى الممارسات النهامية لدى المريض .
في بعض الحالات الطبية أو العصبية من الممكن أن يحدث لدى المريض سلوك أكل عشوائي لكن الصفة النفسية الضرورية لدى مريض البوليميا و التي هي التركيز المفرط على شكل و وزن الجسم غير موجودة إلا في هذا المرض .
على سبيل المثال :
فرط تناول الطعام هو سلوك شائع لدى مرضى الإكتئاب ، لكن على أي حال هؤلاء المرضى لا يهتمون بالسلوكيات التي تؤدي للفقد غير المناسب للوزن و لا يوجد لديهم التركيز المفرط على وزن الجسم و حجمه و شكله كما هو الحال لدى مريض البوليميا .
الأسباب العضوية للبوليميا يتم تقصيها ، هناك إمكانية لكون البوليميا و باقي الإضطرابات الغذائية متعلقة بالشذوذ في مستويات النواقل الكيميائية العصبية ضمن الدماغ و بشكل أكثر تحديداً الناقل العصبي ( السيروتونين ) .
وجدت دراسات أخرى على مرضى مصابين بالبوليميا تغيرات في نسبة الإستقلاب تنقص من الشعور بالإكتفاء و الشبع . و شذوذ في التنظيم العصبي الصماوي ( العملية التي يتداخل بها الجهاز العصبي مع إنتاج الهرمونات و المواد الشبيهة بالهرمون )
تخيل أنك الآن في عيادتك ... قدم إليك مريض مصاب بالبوليميا .. هل تظن التشخيص سهلاً لهذه الدرجة ؟؟
_ كيف يُشخّص البوليميا ؟ How is bulimia diagnosed?
تماماً كما في القهم anorexia ، الإنكار و السرية تعقد من مسألة التشخيص .. عادة لا يقدم المرضى لعيادة الطبيب حتى تحدث مشكلة طبية أو نفسية جديّة مرافقة .. البوح الحقيقي بالتصرفات هو هام و حرج لوضع التشخيص الصحيح ..
لأسهل عليك الأمر .. هاك البنود التي لو وُجدت لدى المريض فهو مصاب بالبوليميا حتماً ..
هناك خمسة بنود أساسية لوضع تشخيص البوليميا :
1- حالات متكررة من الإفراط في تناول الطعام binge eating .. تتصف بالأكل مدة ساعتين كاملتين لكمية من الطعام أكبر حتماً من الكمية التي يأكلها الناس الطبيعيون في نفس الفترة من الزمن و تحت ظروف مشابهة .
2- الإحساس بنقص القدرة على التحكم بالنفس خلال النوبة ، أو الشعور بعدم القدرة على التوقف عن الأكل .
3- بالإضافة إلى الإفراط في تناول الطعام ، يوجد بالترافق معه سلوك غير مناسب لمنع كسب الوزن نتيجته .. هذا السلوك قد يتضمن إقياء محرّض ذاتياً أو سوء استعمال الملينات و المدرات و الحقن الشرجية و الأدوية الأخرى أو االصيام أو القيام بجهد شديد جداً ..
4- كلا الأكل المفرط و السلوك المرافق يجب أن يتكرر مرتين أسبوعياً على الأقل لمدة ثلاث أشهر و يجب ألا يحدث بشكل خاص خلال فترات الإصابة بالقهم .
5- أخيراً ، هذا السلوك يحدث بسبب تخيلات غير واقعية لشكل الجسم و وزنه .
المرض نفسي كما ذكرت لكن اختلاطاته تتجاوز الحالة النفسية ... هناك اختلاطات فيزيائية جسدية .. كيف يحدث ذلك ؟؟
_ ما هي الإختلاطات الطبية التي قد تحدث بسبب البوليميا ؟ What medical complications can bulimia have?
الإختلاطات التي تنجم عادةً عن البوليميا تعود للإفراط في الطعام و الإقياء المحرض ذاتياً المتواليين و المستمرين .
* الإقياء المحرّض ذاتياً قد يؤدي لاختلاطات فموية : التعرض المتكرر لمحتويات الحمض المعدي من الممكن أن يؤدي لتآكل ميناء الأسنان و يزيد النخر السني و يخلق حساسية للطعام الحار أو البارد - التوذم و التقرح في الغدد اللعابية بسبب الإقياء المتكرر .
* المري و القولون هي المناطق الأكثر تأثراً بسلوكيات البوليميا : الإقياء المتكرر قد يؤدي لتشكل تقرحات أو انثقاب أو تضيق المري .. قد يحدث قلس معدي مريئي أيضاً .
* كما في القهم و باقي اضطرابات التغذية ، قد تحدث اضطرابات طمثية بسبب سوء التغذية أو اضطرابات الوزن المترافقة مع البوليميا .
هناك أيضاً عدد من الإختلاطات المعوية و الجهازية ..
* سوء استعمال المدرات قد يؤدي لسوء توزع السوائل في الجسم ( وذمات ) .. الاستعمال المستمر للملينات قد يؤدي للاعتماد عليها و تضطرب عادات التغوط .. نقص وظيفة القولون الاعتيادية قد تحتاج لتداخل جراحي في بعض الحالات .. سوء وظيفة القولون قد تحدث بعد أسابيع من سوء استعمال الملينات ..
*سوء استعمال المدرات و الملينات قد يضع مريض البوليميا في خطر كبير لحدوث اضطرابات شوارد الجسم الأمر الذي قد يودي بالحياة أحياناً .
* الاختلاطات الأخرى قد تؤثر على الجنين الذي تمارس والدته الحامل ممارسات البوليميا المغلوطة !
ماذا عن علاج مريضنا المسكين ؟؟
_ كيف يعالج البوليميا ؟ How is bulimia treated?
يمكن للمعالجة أن تجرى من قبل الطبيب العام أو الخبير النفسي أو الطبيب النفسي .
المعالجة الناجحة للبوليميا متعددة الجوانب و تتضمن المقاربات الطبية و النفسية الصحيحة ..
antidepressant الأدوية المضادة للاكتئاب :
لوحظ مدى فائدتها في علاج البوليميا .. دراسات عديدة أكدت فائدة العلاج بـ fluoxetine و هو دواء ينتمي لفئة مثبطات عودة التقاط السيوتونين الإنتقائية selective serotonin reuptake inhibitor = SSRI
الأنواع الأخرى من مضادات الإكتئاب لوحظت فعاليتها أيضاً في علاج المرض مثل the monoamine oxidase inhibitors=MAOIs و مضادات الإكئاب ثلاثية الحلقات و buspirone ... كلها تنقص من النهم و الإقياء لدى مرضى البوليميا .. لكن على أي حال يبقى SSRIs هو الخيار الأول في العلاج بسبب أمانها النسبي و قلة تأثيراتها الجانبية .
أدوية أخرى في نطاق البحث لفائدتها : topiramate و serotonin antagonist و ondansetron .
بعض المرضى يحتاجون للاستشفاء بسبب الاختلاطات الطبية و النفسية الحاصلة لديهم و آخرون يحتاجون لاتباع برامج خارج المشفى .
= الهدف الآني للعلاج هو استقرار حالة المريض الفيزيائية للحفاظ على حياة المريض .
= الأهداف الأولية للعلاج يجب أن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المريض الفيزيائية و النفسية بهدف استعادة صحة المريض البدنية و إعادة النظام الغذائي السليم له .
= الهدف الأبعد للعلاج هو أن تكسب المريضة الثقة بنفسها و أن تحيا حياة صحية جسدياً و نفسياً و عاطفياً .
= استعادة الصحة الفيزيائية و العقلية قد يحتاج وقتاً و النتائج تكون تدريجية .
ها قد انتهينا .. أتمنى أنك استمتعت و وجدت شيئاً من الفائدة في موضوعي هذا ..
كلي أمل إن كنت قد فعلت ألا تنساني من دعوة صالحة في ظهر الغيب .. علّ قلباً صافياً يدعو لي صاحبه بصدق يكون لي منجاة يوم يتوقف العمل و يبدأ الحساب ..
الفارسة السرية @alfars_alsry
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الفارسة السرية :مشكوره على ردك عزيزتيمشكوره على ردك عزيزتي
اللهم عافنا من هذا المرض وعافي امة محمد صلى الله عليه وسلم
الصفحة الأخيرة
بس اول مرة اسمع فيه