د.مشبب القحطاني

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany

إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية

التحذير من النار : بمناسبة موجة الحر الحالية ..خطبة الجمعة 29/5

الملتقى العام

أما ابعد أيها المسلمون :

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ) البخاري.

أيها الإخوة في الله : وبمناسبة موجة الحر التي تجتاح المنطقة هذه الأيام ، أذكر بهذا الحديث العظيم ، والذي يرشدنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدة أمور منها :

الأول : أن النار موجودة الآن ، وهو أمر اتفق عليه أهل السنة والجماعة ، ولم يخالف فيه إلا من قدم عقله على شرع الله من أهل الأهواء ، وقد جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تدل على ذلك ، منها قوله صلى الله عليه وسلم ( إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ ) البخاري
فالنار موجودة الآن على وجه الحقيقة، والله أعلم بمكانها، ثم إنها تتكلم حقيقة كلاما لا يعلمه إلا الله، وتتنفس حقيقة بقدرة الله تعالى.. وهذه من أمور الغيب التي يجب أن نؤمن بها بدون أن نشغل أذهاننا فيها..بل المطلوب أن نؤمن بها كما جاءت ، ونعملَ بما تعنيه من مقاصد وتوجيهات..

ومعرفتنا بوجود النار أيها الإخوة نستفيد منه: أن النار قريبة منا وليست بعيدة، فلا يظن شخص أنها لم تخلق ، أو أنها تهويل لترك المعاصي ..بل هي قريبة جدا.. كما قال صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ ) البخاري.. ..

ومن فوائد معرفتنا بوجود النار وقربها منا أن يحرص المسلم على الحذر من الدخول فيها بقدر ما يستطيع ، وذلك باجتناب أسباب دخولها..فيضع النارَ بين عينيه ، فكلما هم بمعصية تذكر النار وعذابَها ، والجبارَ وغضبَه، فسرعان ما يترك تلك المعصية ، فإذا توفاه الله توفاه على الطاعة ..وهذا هو المطلوب منه..



الفائدة الثانية من الحديث : أن النار تتنفس في كل عام نفسين ، والنفس هو إخراج ما في الجوف من هواء ، فالحر الشديد ، والبرد الشديد يعتبر من هوائها ومن نفسها ..لان النار والعياذ بالله دركات تندرج بين اشدِ ما يكون من الحر ، واشدِ ما يكون من البرد..وهذا الحديث لا يلغي دور الشمس في شدة الحرارة ..بل دورها موجود ولكن المؤثر فعلا هو ذلك النفس الناري ..

والمسلم صاحبُ القلبِ الواعي عندما تمر عليه تلك الموجات المختلفة من الحرارة والبرودة ، يتذكر دائما حرَ جهنم وبردَها..فيكون بذلك مستعدا لها حذرا من الوقوع فيها..
بل إن بعض أهل القلوب السليمة إذا سمع بذكر النار ارتجف قلبه وخاف من الوقوع فيها . فزاده إيمانا وتسليما..واقبل على الطاعات زيادة في البعد منها..وربما مرض عدة أيام من جراء ذلك..

فهذا الحديثُ وغيرُه يجعل المسلمَ متيقظا دائما..ومعتبرا بما يدور حوله من أحداث ، مستفيدا من آيات الله العظيمة التي يشاهدها صباح مساء ، فينتج عن ذلك انه يعرف قدر نفسه وقدر خالقه ، فيلتزم بشرع تعالى ولا يحيد عنه سبيلا..

أيها الإخوة : إننا لو القينا نظرة على الواقع المشاهد من أحوال الناس اليوم فسنشعر بان هناك من الناس من لا يهتم بعذاب الله تعالى ولا يفكر فيه أصلا..بل إن بعضهم إذا ذكرت عنده النار قال لك .. " لماذا ترهبوننا وترهبون أولادنا ؟؟ ما عندكم إلا النار؟؟
نريد أن نعيش ، نريد أن نتمتع ، وانتم تريدون أن تنغصوا علينا عيشتنا .." وفي نفس الوقت تجد ذلك المستهزئ يتقلب في المعاصي ليل نهار ، ومع تركه لأولاده فريسة للإرهاب الفكري والنفسي بمصاحبتهم لأصدقاء السوء ، وبمتابعتهم للأفلام والقنوات الفضائية
..

فهولاء يخشى أن يكونوا من اللذين قال الله فيهم (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ(103)تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104)أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ(105)قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ(107)قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِي(108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(109)فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ(110)إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ )..

أيها الإخوة : أن نسيانَ النارِ وعدمَ ذكرها يدل على جهل عظيم ، وعلى قلب مريض ..وعلى عقل ناقص..وتفكير سقيم ..

إن العقلاء حتى من الكفار إذا سمعوا بمرض معدٍ ، أو بخطر عام على النفس أو البيئة أو الحياة ، فسرعان ما يكونون اللجان المتخصصة ، ويبذلوا جهدهم للتحذير من البلاء القادم ..ويحاولون توعيةَ الناس بخطره ويحذرون منه ..

إننا بحاجة إلى من يذكرنا دائما بالنار وأهوالها..والذنوبِ التي تؤدي إليها..حتى نلقى الله تعالى وهو راض عنا ..وهذا هو الحبيبُ إلى قلوبنا ..

أما ذلك الشخص الذي يلهينا عن ذكرها ..ويهون أمرها عندنا .. فلا ننتبه إلا وقد حضر الأجل ..فهذا هو عدوُنا ..وان كان من اقرب الناس إلينا…..وهذا الذي حذرنا تعالى منه بقوله ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلً .. يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا.. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا)..

إخوة الإيمان : إن الأمر ليس بالسهل كما يظن البعض ، إن أمر النار شديد جدا ، لا يمكن أن يتصوره بشر..لذلك قربه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً .. قَالَ فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا )*البخاري..

فتخيل يامسلم ..شدة حر نار الآخرة ..نار الدنيا تذيب الحديد كما نشاهد ، فكيف بنار الآخرة التي تعتبر أحر من نار الدنيا بتسعٍ وستين مرة ، تسعٍ وستين مرة ! اسأل الله تعالى أن يجيرنا منها..
ولتقريب الأمر وتوضيحه أيضا فقد بين صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهون أهل النار عذابا يوم القيامة ..فقال ( إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ ) مسلم
..

أيها الإخوة : ألا يحق لنا أن نحذر من النار .. ألا يحق لنا أن نجزع ..عندما نسمع تلك النصوص وغيرها خصوصا أن الله تعالى قد حذرنا بقوله (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى ) وبقوله سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأهلي نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ..

اسأل الله تعالى أن يجيرنا جميعا من النار ..وان يسلكنا مع عباده الصالحين الأبرار..انه سميع مجيب..

الخطبة الثانية :
الحمد الله رب العالمين ..وعد الجنة لمن أطاعه وتوعد النار لمن عصاه..واشهد ألا اله إلا الله وحد لا شريك له ..واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه..

أما بعد أيها المسلمون :

إن تقلب الأحوال الجوية من حر إلى برد يعتبر من نعم الله العظيمة على الناس .ولا يدركها إلا العالمون..

فالحر مثلا مع ما قد يتأذى منه الناس فهو نعمة عظيمة عليهم …. ففي موسم الحر مثلا : تنتقل الرياح من مكان إلى آخر بقدرة الله تعالى ، وهي بدورها تنقل اللقاح والسحاب ، وتنقي الجو وتلطف المناخ ، كما أن الحرارة تساعد على تكون التيارات البحرية التي لها دور كبير بإذن الله في تنظيم واستقرار الحياة البحرية..

إضافة إلى أن موسم الحر يعتبر موسما جيدا لكثير من المنتوجات الزراعية وبداية لبعضها..
فهذا قليل من كثير من فوائد موسم الحر..إذا فالحر ليس شرا على الناس بل هو خير لهم .. إذا علموا كيف يستغلونه في طاعة الله ..

والمسلم الواعي يتعامل مع الحر بايجابية ، فلا يتعرض لما يؤذيه ، مع محاولة اتقائه بقدر ما يستطيع ،ولا يسب الحر ولا يلعنه ..كما يفعل الجهلة..فسب الحر أو الرطوبة أو أيِ ظاهرة كونية يعتبر سبا لخالقها..ولكن المسلم يشكر الله تعالى ثم يتفكر ويعتبر
..فمثلا :

عندما يستعد لاستقبال موسم الصيف بتهيئة المكيفات وشراء الملابس الصيفية ..أو عندما يذهب إلى مكان بارد .. يتذكر حالَ أهل النار ..فيتذكر جو النار وهوائَها ..وملابسَ أهلها وطعامَهم وشرابَهم ،وصراخَهم وبكاءهم ..يتذكر تلك الأحوال حتى يحذر من السير على طريقهم ..وفي نفس الوقت يتذكر أحوال أهل الجنة وما اعد الله لهم من الخيرات والنعيم المقيم فيحرص أن يكون منهم..

أيها الإخوة : إن المسلم عندما يتذكر هذه الأهوال ..لا يظن أن عيشَه سيتكدر ..وسينزوي في المسجد لا يخرج منه ..ابدأ والله ..فهذه شبهة شيطانية ..

إن هذا التذكر يجعله يفكرُ التفكيرَ الصحيح ، ويزنُ الدنيا بالميزان الحق ..كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ..لقد عرفوا الآخرة أكثر مما عرفها من بعدهم . ومع ذلك كانوا يتزوجون ويأكلون ويشربون من طيبات الدنيا ..وكانوا يبيعون ويشترون ويضحكون ويمزحون.. ويتمتعون بما سخر الله لهم ..ولم يمنعهم تذكر الآخرة من التمتع بخيرات الدنيا ..هذا أمر يجب على المسلم أن يدركه جيدا..

والأمر الأخير ..هو إن شدة الحر في الجزيرة العربية بشكل خاص يعتبر مزيةٌ لسكانها ..عليهم أن يعرفوها ويقدروها حق قدرها..

غيرنا أيها الإخوة إذا وصلت الحرارةُ في بلادهم إلى أربعين درجة تضطرب أحوالهم ، فنسمع عن نشوب الحرائق في الغابات ، ووفاة عشرات الأشخاص ..بل قد نسمع هذه الأخبار في درجات اقل من ذلك ..
ونحن في هذه الجزيرة تصل الحرارة إلى أكثر من ذلك ولا نتأثر وقد وصلت درجة الحرارة في المنطقة الشرقية قبل فترة إلى أكثر من خمس وخمسين درجة في الظل ..ومع ذلك فأمورنا تسير بشكل طبعي ..بل أن أكثرنا لا يعلم عن ذلك..حتى الآن.

أيها الإخوة انه هذه نعمة ومسؤولية ..أما كونها نعمة فواضحة..وأما المسؤولية فهوا أن لنا دورٌ عالمي في نشر هذا الدين في إرجاء المعمورة .. فالواحد منا يمكنه أن يعيش في أي بلد دون أن يتأثر بالظروف المناخية.. فهذا دليل على أن رسالتنا عالمية .وأننا مهيئون لنقلها إلى الناس كافة..

فهل أدركنا هذه الحقيقة وهذه الرسالة ؟؟.

هل استغليناها لنشر رسالتنا الخالدة في أرجاء المعمورة ؟؟ ..

أم إن العكس هو الصحيح ..اترك الإجابة لكم
..

واذكر نفسي وإخواني بأهمية الصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة .. خصوصا أن الله تعالى أمرنا بذلك فقال سبحانه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما..)
7
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

alondra
alondra
ربي يجزيك الف خير على الموضوع الرائع
ربي يجعله في ميزان حسناتك
ربي يجيرنا من عذاب النار
الف شكر
شوكولاته
شوكولاته
جزاك الله كل خيرعلى هذا الموضوع القيم وجعلها الله في موازين حسناتك ..

واسأل الله ان يجيرنا عذاب النار ويرزقنا الجنة ..

اللهم آآآآآآآآمين..
ألم السنين
ألم السنين
جُزيتَ خيرا أخي الفاضل

لاحَرمنا الله وإياك الأجر وجعله الله بموازين حسناتك

اللهم قِنا النار وحرها وارزقنا الجنه

اللهم آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين
شــــــــــ الورد ــــــــــذى
أخــ خالدـــت
جزاك الله أخي خير الجزاء وحرمنا الله على النار وادخلنا خير الجنان