
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
لقد جاء الاسلام ليحرر الانسان من التبعية الجاهلية ، ويرسخ معالم التبعية العلمية ، ويقضي على كل تعصب جاهلي في الفكر والسلوك ، فيعيش الانسان المسلم حرا في كرامته ، وحرا في اختياراته في إطار الاسلام وتعاليمه ، دون أن يسلم نفسه لمن يقوده مثل الشاة تقاد إلى حتفها ، وهذه الاستقلالية التي رسخها الاسلام هي التي كان يعيبها على الكافرين الذين يقولون ( إنا وجدنا آباءنا على ملة ، وإنا على آثارهم مقتدون ) ، وهي التي عاب فيها النصارى الذين ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم إربابا من دون الله ) ، حين لا ينظر الانسان إلى الكون والانسان والحياة إلا من خلال ثقب فكر فلان أو علان ، والله تعالى قد منحه العقل النافذ ، والبصيرة الناقده ، والرؤية التي سلبها البهيمة التي تهيم بلا هدف ولا غاية ..
إن أشد ما ابتليت به الأمة في هذا الزمن هو ضمور الولاء للاسلام والدين ، وتضخم الولاءات لغيره ، حين يقدّم الانسان رؤية الاشخاص الذين يتحيز إليهم على غيرهم لا بمعيار العلم والنص وقواعد الشريعة وكلياتها ، بل بمعيار الحزب او الجماعة او الفئة او الشلة ، ضاربا بكل القواعد التي درسها عرض الحائط ، متشبثا بقوم قد يرفضونه او يطردونه من جنتهم في أي لحظة ، وحينها يعض أصابع الندم على اسلامه عقله لغيره ، واعطاءه الاخرين فرصة احتكاره وتسييره بعد إن حرره الله من رق الأفكار والاشخاص ، وجعله مسلما منيبيا لله وحده لا شريك له .
إن السلامة من " التصنيف " و " التحيز " تجعل الانسان ينظر إلى الحياة بنظرة عدل وانصاف وسلامه صدر ، فيكون كالنحلة التي تتجول في الفضاء الزاهي بحثا على رحيق طيب ، فيعيش في الفضاء الرحب الواسع ، بعيدا عن ضيق المناهج ، وعطن التحزبات التي تقضي على فكرالانسان وعقله ، وهذا كله لا يعني الغاء التعاون على البر والتقوى ، والعمل الجماعي الذي يثمر نهضة للأمة ، بل يقضي على إهدار كرامة الانسان وعبوديته لغير الله تعالى ..
إن " الاستقلالية " في التفكير لا تعني قطع الإنسان العلائق بالاخرين ، بل تعني استقلاله في الاختيارات النهائية في الافكار ، بعد إن يناقش فيها أهل العلم والفكر والعقل والرأي ، حتى يصل من خلال التأمل والاستنباط وشحذ الذهن واستفراغ الجهد والطاقة إلى رأي يراه صوابا ، دون أن يكون لهؤلاء تأثير على هذا الاختيار ، حينها يتنفس الصعداء ، لأنه مستعد أن يتراجع في أي لحظة عن هذا القول إذا استبان له ضعفه ، خلافا لمن هو مبرمج الرأي ، فلا يتراجع عنه حتى يتراجع عنه فلان ابن فلان .. والله المستعان ! وفق الله الجميع لما يحب ويرضى