أم دحومي الحلو

أم دحومي الحلو @am_dhomy_alhlo

عضوة شرف في عالم حواء

"التذمر" لفضيلة الشيخ سلمان العودة .. مقال رائع

ملتقى الأحبة المغتربات




أحد أصدقائي كان يوماً عرضة لبعض الضغوط الرسمية، تمنى معها أن يكون مجهولاً طليقاً، لا يعرفه أحد ولا يسأل عنه.

ثم توثقت صلاته ببعض أولي الأمر، فصار يتذمّر من كثرة الاتصال، وسيل الأسئلة، والتمنيات التي هي توجيهات لابد من تنفيذها في نهاية المطاف.

ثم تراخت الصلة ؛ فصار يعتب على التجاهل والنسيان، وكأنني لست من أهل هذا البلد, ولا أحد يسأل عني، ولا أحد يدري أين ذهبت ومتى عدت !

داعية نشط يشكو من الناس الذين افترسوا وقته، واستنفدوا طاقته، وألَحّوا في الطلب، ما بين سائل ومعجب، وصديق ومريد وقريب، هذا لشفاعة، وذاك لمسألة، وثالث لنصيحة، ورابع وخامس.
حتى إذا هدأت عنه الرِّجْل وخف الزحام؛ بدا عليه القلق وصار يتساءل : أين الناس ؟

انشغالك عنوان أهميتك، وأن يكون لديك مواعيد عدة متزاحمة، وبرامج كثيرة، ولديك أكثر من جوال، ومحمول، والعديد من البشر يتصلون ويطلبون اللقاء ؛ يشعرك بأن لحياتك معنى، حتى إذا تمادى الشغل بدأ الضيق والتبرم ؛ هؤلاء شغلوني حتى عن نفسي وأهلي..!
وحينما يصادف وقت فراغ أو إجازة ويخلو المرء بنفسه وأسرته بعيداً عن ضغوط الارتباط الاجتماعي؛ يتسلل الملل إلى نفسه، ويشعر بثقل الوقت ووطأته، وهو من دون عمل يعانيه، ومن ترك عادته فقد سعادته !


حين يجلس الأب مع أولاده وبناته، ويتكرر اللقاء، ويطول اللبث ؛ يتضجر من الإزعاج وصراخ الأطفال، ويتململ من كثرة الطلبات، ويحس أن الاجتماع جعل العلاقة تفتر ؛ فإذا ذهب بعيداً تذكّرهم بشوق، وسالت دموعه، وحن إلى لثغة الصغار وضحكهم، بل وحتى صراخهم وبكاؤهم يصبح أمنية جميلة !


حين تكون طالباً في مرحلة ما ؛ تحسّ بثقل الدراسة، وتنتظر الإجازة الصيفية، وتحسب الأيام والليالي متى أتخرج ؟ ومتى أنتهي من الدراسة، وأصبح موظفاً أو أباً أو تاجراً أو..
فإذا تخرج حنّ إلى أيامها ، وردد ذكرياتها باغتباط، وتمنى لو تعود الأيام السالفات !


حين تدق طبول الحرب، وترتفع وتيرة المخاوف؛ يتذمر الناس من القادم المجهول، ويضيقون ذرعاً إزاء العجز عن فعل شيء مؤثر في مجريات الأحداث، وهم لا يملكون حولاً ولا طولاً، فإذا بسط السلام جناحه وطال الهدوء، وامتد الاستقرار إلا من منغصات يسيرة هنا أو هناك، بدأت بعض النفوس تتضجر من الرتابة والأيام المتشابهة والحياة العادية.

أحد الشباب مُولع بالمطر، هو في أول الذاهبين لصلاة الاستسقاء، وأحد المتابعين لأخبار السيول، ومن عشاق الربيع والصحراء، يطبّق سنن الغيث بدقّة، « مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ » رواه البخاري ومسلم..
يخرج من دون غُترة؛ ليبل المطر رأسه, وهو يقول « حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى » رواه مسلم.
فإذا زاد المطر قال : « اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا » رواه البخاري ومسلم.

اتباعاً للسنة وإن كان في داخل قلبه لا يزال يطمع بالمزيد !


سافر مبتعثاً إلى بلد غربي، وما هي إلا أيام وليالي حتى بدأ ينتظر الشمس بفارغ الصبر، ويشعر بالضيق حين يصحو فيجد الجو غائماً أو مطيراً.. وصار يردد:
الشمس أجمل في بلادي من سواها
و الظلام
حتى الظلام - هناك أجمل
موجة البرد تصنع الشوق للشمس ولو كانت حارقة، وشدة الحر تجدد اللهفة للبرودة.
وفي الحديث في مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: « ابْنُ آدَمَ إِنْ أَصَابَهُ الْبَرْدُ قَالَ حِسّ وَإِنْ أَصَابَهُ الْحَرُّ قَالَ حِسّ » وحس: كلمة يقولها مَن إذا أصابه ما مضّه وأحرقه..

هل المرء يريد الوسط ؟
كلا.
بل هو يريد التبدل والتنوع، شاب يريد أن يكبر، وكبير يود لو يصغر.

صغير يطلب الكبرا......... وشيخ ودّ لو صغرا

وخال يشتهي عملاً....... وذو عمل به ضجرا


ورب المال في تعب..... وفي تعب من افتقرا


وذو الأولاد مهموم......... وطالبهم قد انفطرا


ومن فقد الجمال شكى... وقد يشكو الذي بهرا


ويشقى المرء منهزماً.... ولا يرتاح منتصرا


ويبغي المجد في لهف.... فإن يظفر به فترا


شكاة مالها حكم... سوي الخصمين إن حضرا



ولعله في النهاية لا يعرف ما يريد، أو لا يريد أن يعرف.
ولذا جاء في صفة الجنة :
(خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) (الكهف:108)
وكأن الخلود مظنة الملالة في لزوم حال واحدة، فكان من البلاغة الاحتراس بأنهم لا يطلبون تحولاً عنها، أما أحوالها فلهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون، فكلما تاقت النفس لشيء من الأحوال أو الأشكال أو المتع تحقق لها.
وهكذا في الزواج والعزوبة..
وفي الثراء والكفاف..
وفي الصحة والمرض..

(إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ).
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(العنكبوت: من الآية45).

http://islamtoday.net/salman/artshow-28-124479.htm
20
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

♫ عزف الإنكسآر 爻
مقآل رائع ..
يعطيك العافيه ام دحومي:26: ..
((*جوااااااانا*))
نقل موفق .. جعله الله في موازين حسناتك
tutah
tutah
أنا كل ما أشوف إسم الشيخ أدخل على طول والله اننا نحبك في الله يا شيخ وشكرا صاحبة الموضوع
*لـبنى*
*لـبنى*
جزاك الله الجنة
umaymen
umaymen
روعه الموضوع وهذا حال الانسان دائما يبحث عن الشي اللي فاقده