
في كثير من الأحيان نسمع عن هذه المفردة " التسامح "
فهي كلمة تخرج من أفواه العديد من الناس ، كما أن البعض
قد يستعذب نطقها! إلاّ أن السؤال المحيـّر هو :
هل نحن جميعاً نعمل وفق هذه المفردة ؟ بمعنى آخر ، هل نحن كمسلمين
نعمل بهذه الفضيلة الأخلاقية والقيمة الإنسانية التي دعت إليها فطرة
الإنسان وعقله ، كما دعا إليها الدين الإسلامي في الكثير من نصوصه
وآثاره ، وجميع الرسل الذين أُرسلوا بالحق ؟
إقرأ معي هذه الآية الكريمة التي تحدثت عن ابني آدم .. قابيل وهابيل ..
}إذ قرّبا قُربانا فتُقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما
يتقبل الله من المتقين ، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك
لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين {
فما كان من قابيل إلاّ أن قتل أخاه ، ليصبح بعمله هذا مرتكب لأول جريمة
قتل في التاريخ ...
أثناء قراءتنا لهذه الآيات نشيد بموقف هابيل المتسامح ونشجب موقف
قابيل الدموي العنيف .. ولكن ، ماذا لو كنا نحن في موقفٍ كهذا ؟
هل سنُجيب كما أجاب هابيل أم سنُشمر عن أيدينا للقتال كما فعل قابيل ؟
أعتقد بأننا سنُشمر عن أيدينا للقتال ، خاصة إذا كنا في موقف قوة ، بالرغم
من أن القرآن أنزل للتطبيق وحكى لنا القصة لنتمثل دور هابيل لا دور قابيل ..
نعم ، قد يحفظ الكثير منا عن ظهر قلب مواقف رسولنا الكريم
محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - مع أعدائه والتي تجلت فيها
أسمى صور التسامح ، فمن منا ينسى موقفه المتسامح مع ( وحشي )
قاتل عمه حمزة ؟
ومن منا ينسى موقفه مع مشركي مكة عندما فتحها ؟
لكن السؤال هنا : هل نتمثل نحن مواقفه الشريفة ونحاول الإقتداء به ؟
قد نقرأ أيضاً للشاعر مقولته الرائعة التي يقول فيها :
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى ... وفارق ولكــن بالتي هي أحسن
وقد يتغنى بعضنا بهذه المقولة ، إلاّ أنه عندما يجد من يعتدي عليه ، سواءٌ
كان ذلك الاعتداء باللسان أو باليد أو.. فلا يتردد المعُتدى عليه بالرد بالتي
هي أشد وأقسى! وعندما يفارق من هم كانوا بالنسبة إليه أشرف الناس
يغادرهم وهو يتحدث عنهم كنصابين ودجالين !!!!
كما أنه قد يقرأ المرء أبيات ( الشافعي ) التي يقول فيها :
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ ... وأكره أن أكون له مُجيبا
يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلماً ... كعودٍ زاده الإحراق طيبا
لكن ، ما الذي يحدث للواحد منا عندما يسمع كلمة نابية من شخصٍ ما ؟
ما الذي يحدث عندما يرد عليه أحد السفهاء بقبح ٍ؟
هل هو في مثل هذه الحالة يكره أن يكون مجيباً للسفيه ، أم أنه سيرد
عليه بأقبح مما سمع ؟ وفي حالة ازدياد سفاهة السفيه ، هل سيزداد
الحليم حُلماً ، أم ماذا ؟
وقد يردد شخص ثالث ، ما قاله ( الشافعي ) أيضاً حول الصديق ، عندما أنشد :
سامح صديقك إن زلت به قدمُ ... فليس يسلمُ إنسـان من الزللِ
والمشكلة التي يقع فيها البعض أنه وبمجرد أن تزل قدم صديقه ، كأن يتفوه
بكلمة جارحة في حقه وربما بدون قصدٍ تراه مزمجراً غضباناً
بعد أن كان قطاً وديعاً !
وربما سمعتم عن أشخاصٍ استخدموا سلاح القطيعة والجفاء لأصدقاء
أعزاء عليهم ولسنين طوالٍ بسبب سوء فهم بينهم أو بسبب زلة
لسان عفوية خرجت من أحدهم ...
فالكثير من الناس في حالة الغضب يتناسى هذه المفردة ( التسامح ) بالرغم
من ترديده لها طوال الأوقات الهادئة التي يمر بها خصوصاً إذا كان في
موضع الواعظ ! كأن يكون مدرساً في فصلٍ دراسي ، أو خطيباً في مسجد
أو كاتباً في صحيفة ، أو …
وهذه حقيقة موجودة في الكثير من المجتمعات ، فهم يتحدثون عن التسامح
ليلاً ليمارسوا العنف صباحاً !! يؤمنون بالتسامح نظرياً ويكفرون به عملياً !!
تراهم يقولون مالا يفعلون !
فلماذا يحدث ذلك ؟
لماذا نعيش - نحن المسلمين - بهذه الكيفية ؟
متى سنعمل وفق ما نقول ؟
أين نحن من قوله – تعالى - :
} خذ العفو وأمر بالعرف ، وأعرض عن الجاهلين {
وللإجابة عن هذا السؤال يجب علينا أن نعترف أننا أصبحنا لا نمتلك روح
التسامح لسببٍ أساسي وهو : غياب القدوات
فأين هي القدوات التي تمثل التسامح في مجتمعاتنا حالياً ؟
فالمدير الذي يترأس مجموعة من الموظفين ، هل يتعامل معهم بمبدأ التسامح
في حالة حدوث الخطأ من بعضهم ، أم ماذا ؟
والمدرس الذي يفترض أن يكون قدوة لطلابه ، هل يتعامل معهم وفق هذا
المبدأ عندما يخطئون في حقه ، أم يلجأ للعصا ؟
علماء الدين الذين يفترض فيهم أن يكونوا قدوات للناس من حولهم ، هل
يتسامحون ويعذر كل منهم الآخر في حالة الاختلاف ، أم يلجأ كل واحد
منهم لسلاح التشهير والإسقاط ؟
فلأننا نفتقد للقدوات التي تمتلك لهذه الروح في مجتمعاتنا أصبحنا غير
متسامحين ، ومن المسلمات أن النتيجة تتبع أخس المقدمات ! وأنك لا تجني
من الشوك العنب !
فكيف نطلب من الطالب أن يكون متسامحاً وهو يرى بأم عينه ، أباه متعصبا !
كيف نريد منه أن يكون متسامحاً وهو يرى مدرسيه وقد أصبحوا أعداءا ؟
لكي نعيش هذه المفردة الجملية في حياتنا نحتاج إلى ممارستها عملياً طوال
الأوقات ، في البيت ، في المدرسة ، في العمل ، في السوق ، وفي كل مكان
وليجعل كل شخصٍ منا من نفسه قدوة في التسامح ، مع زوجته ، مع أولاده
مع أصدقائه ، مع معارفه ، مع جيرانه ، مع طلابه ، مع مخدوميه ،
مع محاوريه …
أخيراً ، ينبغي أن نؤمن بالتسامح كقيمة داخل ذواتنا لا أن نحمله كشعار
أجوف فوق صدورنا ، وبهذه الكيفية ربما نتفيأ من ظلال هذه الشجرة
الباسقة الوارفة الظلال ..
نعم ، قد نكون قاب قوسين أو أدنى من أولئك الذين تحدث عنهم
القرآن الكريم بقوله :
} والكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين {

اننا نحتاج التسامح في حياتنا
لتكون على قدرا كببر من الشفافية
واهم من ذالك ان يتواجد القدوة الصالحة
والمجتمع المتسامح
جزيل الشكر على موضوعك
دمتي بسعادة
ولالالاهنتي