يها المسلمون :
هل سمعتم عن التطبيع ، أعيد السؤال هل سمعتم عن عملية التطبيع ، البعض ربما سمع عنها ، والبعض ربما لم يسمع ، فدعونا نلقي الضوء على هذا المصطلح الجديد في هذه العجالة . التطبيع لغوياً هو : العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها،
وبمفهوم العلاقات الدولية، يعني، إنشاء علاقات بين دولتين لم تكن في الأصل موجودة ، بسبب عدم اعتراف إحداهما بالأخرى ـ وكانت أشهر تلك الحالات تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة التي لم تعترف ببكين حتى عام 1972. وقد يكون التطبيع أيضا هو إعادة علاقات كانت مقطوعة بين بلدين ، ويجرى تطبيعها أو إعادتها إلى حالتها الطبيعية دفعة واحدة ، أو على عدة مراحل.
حديثنا في هذا اليوم لن يكون حول احد أنواع التطبيع السابقة ، ولكنه سيكون حول نوع غريب وخطير من أنواع التطبيع ، التي ربما لم يشهد له العالم مثيلا من قبل . إن التطبيع الذي سوف نتحدث عنه بإذن الله في هذا ليوم ، هو التطبيع مع لصوص اليهود في فلسطين ، ودولتِهم المسماة بإسرائيل ،
أيها الإخوة في الله :إن معنى التطبيع في الصراع العربي الصهيوني يقصد به ( الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع ، والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض كدولة ذات سيادة ، وتحويل علاقات الصراع بينها وبين البلدان العربية والإسلامية إلى علاقات طبيعية ، وتحويل آليات الصراع إلى آليات تطبيع، وبالتالي التخلي عن مشروع مقاومة الاحتلال ، والانصياع لخدمة المشروع الصهيوني.) هذا باختصار هو التطبيع مع الدولة اليهودية ، والذي ينادي به البعض هذه الأيام .
أيها الإخوة ، ويمكن أن يعرف التطبيع ببساطة اشد: فيقال هو أن تعترف بحق اللص الذي سرق بيت أخيك وطرده هو وعائلته إلى الشارع، فتفتح له بيتك ليقوم بسرقتك وطردك فيما بعد. )
أيها الإخوة في الله: مما سبق يتضح لنا ، إن المقصود بالتطبيع ، أن تكون علاقتنا مع اليهود في فلسطين علاقة عادية جدا ، مثل أي دولة عربية أخرى ، وهذا من وجهة نظر المسلمين مستحيل جدا ، ولا يمكن أن يحدث بأي حال من الأحوال ،
ولذا فقد تنبه اليهود لهذا الأمر فاعدوا له عدته ، وكان تركيزهم في البداية على التطبيع الثقافي ، على أن تصل في النهاية إلى التطبيع الكامل . يقول الكاتب الصهيوني ألوف هارايفن ( إن هناك أربع عقبات صعبة أمام التطبيع وأهمها الموقف الثقافي والعقائدي للعرب وللإسلام تجاه "إسرائيل" واليهود، والحل يستدعي الاعتماد والارتكاز على ضرورة وجود برامج مركبة في المجال التعليمي الثقافي، بهدف تفتيت الملامح السلبية للجانب الآخر، وأن تقام برامج ذات موقف متزن ايجابي، وأحد الأسس الحيوية لبرنامج كهذا ، هو الفحص الشامل والتغيير الكامل للبرامج التعليمية ولكل ما في المدارس.) انتهى كلامه .
و جاء في تفاصيل الاتفاقيات السابقة مع العدوـ سواء كامب ديفيد أو وادي عربة ـ انه لا يجوز لأجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية إضافة إلى الكتب المدرسية ـ في هذين النظامين تداول الآيات القرآنية التي تحمل ذماً لليهود.
وفي مؤتمر التسامح الذي عقد قبل سنتين ونصف في المغرب العربي قال ديفيد ليفي وزير خارجية العدو حينها انه " من اجل أن يقوم التسامح بيننا وبين العرب والمسلمين ، فلا بد من استئصال جذور الإرهاب، وإن من جذور الإرهاب سورة البقرة من القرآن، ".
أيها الإخوة : إن أخطار التطبيع الثقافي ستقود إلى تدمير مقومات الأمة، والذي معناه ابتداءً التخلي عن كل ما يحويه المخزون الثقافي من النصوص التي تصنفهم أعداءً، إلى السماح للفكر اليهودي والصهيوني بالتمدد باتجاه كل القطاعات ، وكأنه إحدى حالات الفكر السائدة التي يحق لها الظهور في عالمنا بشكل عادي،
ومن هنا فإن الدعوات الصهيونية إلى التسريع في انجاز التطبيع الثقافي مع العالم العربي يشكل اليوم أكبر عملية تحدّ ليس فقط للعقل العربي والإسلامي فحسب، بل للوجدان والقيم التي تنبثق من الدين الذي يكوّن الشخصية العربية الإسلامية.
فالصهاينة بحكم خبرتهم في التعاطي مع تشكيل الرأي العام، يدركون أبعاد هذه الخطوط، ويعرفون أن إحراز أي تقدم على هذا المسار ، إنما يعزز التحرك على الجبهات السياسية والأمنية والاقتصادية لخدمة المشروع الصهيوني التوسعي.
فخسارة المعارك العسكرية أو السياسية ـ على سبيل المثال ـ يمكن أن تعوض مهما طال الزمن أو قصر ، إذا ما كانت الأمة محافظة على عقائدها وقيمها وثقافتها، ولكنها إذا خسرت هذه المعركة الحضارية أصبحت نظرتها إلى الحياة والكون نظرة متأمركة ومتصهينة، وأصبحت قيمها الأخلاقية والحياتية ومقوماتها الحضارية والثقافية المختلفة تنمّ عن هذا الاتجاه ، وهذا ما لا يمكن تعويضه ولو خلال عشرات السنين. وهذا هو بالضبط ما حصل للعلمانيين والليبراليين في بلادنا ،
وعليه فإن مسألة التطبيع تتعدى مخاطر الاحتلال العسكري ومخاطر النهب الاقتصادي والسيطرة السياسية، فهذه كلها عرفتها مختلف شعوب الأمة العربية والإسلامية، واستطاعت بعد فترة من الزمن أن تتخلص منها، لأنها كانت تمسّ السطح ، ولم تستطع أن تمسّ المكوّن العقائدي الحضاري.
أيها الأحباب : ولمعرفة حجم ولون وتفاصيل الأضرار التي تنجم عن التطبيع الثقافي مع العدو والانفتاح على المجتمع الصهيوني المحتل ، فإن ذلك يقتضي دراسة المظاهر الاجتماعية الفاسدة في "إسرائيل" من الانحطاط الخلقي إلى تعاطي المخدرات، إلى تفشي الأمراض الجنسية، إلى شيوع ألوان الفن المبتذل، إذ من المؤكد أن تتسرب هذه الظواهر السلبية المنحطة إلى مجتمعاتنا العربية والمسلمة ، دون أن يعي مسئولوها مدى الأخطار التي قد تترتب على مثل هذا الاحتكاك المتبادل ، والذي تفوق مخاطره التطبيع السياسي والاقتصادي. وليس هذا مبالغة في المخاوف فدلائل التخريب الأخلاقي والثقافي قد بدأت بالفعل من جراء التفاعل والاحتكاك بين المجتمعين الصهيوني والمصري ـ كمثال ـ وتسرب المفاسد الاجتماعية الإسرائيلية إلى هذا الشعب العربي المسلم ومنها: 1) ـ توغل النساء اليهوديات المشبوهات تحت واجهة السياحة وتبادل الخبرات الفنية والثقافية ، مما أدى إلى ازدياد عدد الزيجات المختلطة بين شبان مصريين وفتيات إسرائيليات ، إضافة إلى العلاقات المحرمة بين الجنسين . 2) ـ تزوير نسخ من القرآن الكريم ، ونشر بعض المقالات والكتب التي تدعو إلى التسامح مع اليهود ، ومحاولة نشر ذلك في الدول العربية . 3) ـ نقل البذور والأسمدة المشعة ، ونقل الإيدز الذي أحدث ضجة كبيرة في مصر ، وغير ذلك من المنتجات الخطيرة.
أيها الإخوة : وان من أخطر الوسائل الخبيثة للتطبيع الثقافي ، وإرساء دعائم التطبيع والتجسّس وإفساد النخب العلمية والثقافية، تأسيس "المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة" و الذي قام بتوسيع الاتصالات والعلاقات مع مراكز البحث العلمي في مصر (الرسميّة منها والأهلية)، مع التركيز على مسألة جمع المعلومات الدقيقة عن عناصر بنية المجتمع المصري، وتحويل تلك المعطيات والدراسات إلى "الموساد" وإلى دوائر صنع القرار في "إسرائيل" لاستخدامها في تخريب المجتمع المصري، وتدمير أسسه ومقومات وحدته الوطنية،
ومن خلال متابعة ماتنشره الصحف والمجلاّت المصريّة، يتبيّن لنا أن "المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة" ركّز جهوده خلال الأعوام الماضية للحصول على معلومات أكثر عن طلبة كلية العلوم والهندسة في جامعات مصر، لمعرفة آخر ما توصل إليه الطلبة النابغون من اختراعات جديدة، وهناك عشرة ملفات عن عشرة اختراعات وضعها "مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة" تحت الميكروسكوب، ووجّه بشأنها رسالة إلى السفير "الإسرائيلي" بالقاهرة كتب فيها، وقد تحقق من شراء أكثر من اختراع فريد من اصحباه بمبالغ باهظة ، وتشجيعهم على السفر لأمريكا أو لدولة يهود .
إضافة إلى ما سبق فقد قام المركز بتبني مئات من المحاضرات والملتقيات والندوات، التي تدور في إطار هذه الخطّة الإستراتيجية الصهيونية، الرامية إلى تهويد تاريخ مصر وثقافتها وحضارتها، وترسيخ المزاعم الصهيونية، التي تحاول إقناع العالم "بدور اليهود، . وتأثيرهم الكبير"؛ في الحياة الاجتماعية والثقافية والحضارية للمنطقة العربية. والكلام على هذا المركز وأمثاله يطول وفيه من العجائب والغرائب الشيء الكثير،
أيها الإخوة في الله : إنها عينات محدودة من كوارث التطبيع، وإذا كانت حالياً محدودة ببلد أو أكثر ، فإنها ستتسع بعد أن يوقع عدد آخر من الحكام على مثل هذه الاتفاقات الخبيثة الفاسدة ن نسال الله تعالى أن يكفينا شرها ، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا ، والشكر له سبحانه شكرا شكرا ، واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ،صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين ،
أما بعد : أيها الإخوة في الله : ومع كل ماحصل من جهود لنشر ثقافة التطبيع ، إضافة إلى «هرولة» بعض الأنظمة الحاكمة العربية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. والتي زعم وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم أنها بلغت العشر دول حتى الآن ، . رغم هذا كله فان هناك رفض شعبي لأي وجود إسرائيلي على الأرض العربية.حيث بدأت الشعوب تشهر سلاح مقاومة التطبيع ، الذي هو ليس أكثر من رد فعل تلقائي لدى الأفراد والأسر في مواجهة كل ما يستهدف عقائدها وقيمها.
أيها الإخوة : إن الدوائر الأميركي والصهيونية تدرك تماماً أن عملية التزوير الكبرى التي يراد أن تؤسس عليها طموحات المعتدين، لا يمكن أن تنجح ولا يمكن أن تستمر إلا على أنقاض التماسك النفسي والوجداني في الأمة، وهذا بالذات هو باعث قلقهم، ودليلنا ما هو ماثل اليوم. عشرون عاماً على الاتفاقيات ولا يزال التطبيع ينحصر بين الفئات الحاكمة ، والمشروع الصهيوني في المنطقة، ومجاله لا يزال يقتصر على العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، فأسطورة الحاجز النفسي الناشئة من المكوّن العقائدي للفرد في هذه الأمة، هي التي ما زالت تقف سداً منيعاً في مواجهة سيل الدهاء والمكر الصهيوني، وهذا ما يمكن أن نقرأه أيضاً في نموذج آخر على أرض فلسطين.
فبعد خمسة وثلاثين عاماً كاملة من الاحتلال الإسرائيلي والقمع وطمس الهوية وجهود الاحتواء ، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، في مخيم جنين وسائر البلدات، عاجزاً عن أن يجني ثمار عدوانه،
خمسةٌ وثلاثون عاماً ولد في ظلها جيل كامل لا يعرف سوى واقع الاحتلال والتهويد، لكن هذا الجيل باعترافهم جاء أشد مقتاً لهم وجرأة عليهم، بحيث أن كل ما تملكه الصهيونية من أدوات ، عجزت عن قهر إرادة شعب صغير في بقعة صغيرة.
مما تقدم، ندرك أن الحركة ضد التطبيع لا بد أن تصبح أحد أهم أسلحة المقاومة الإسلامية الشاملة، وأن فعالية دور الأسرة في هذا المجال يكمن في تطوير التفاعل الشعبي ، وتحويله إلى احتضان حقيقي لقضايانا المصيرية والهامة. وإن مقاومة التطبيع من هذا المنظور هي عملياً تحصين الأمة من الاختراق ، وعدم السماح للخطة الصهيونية الأميركية بهز ثوابت الأمة أو تغيرها ،
فالتحرك الحيوي الفاعل على مستوى الأسرة ـ كمثال ـ وحده كفيل بإحباط المخططات الصهيونية الخبيثة ، التي تستهدف مجتمعاتنا وثقافتنا الأصيلة وزعزعة إيماننا الوثيق بقيمنا الأخلاقية وثوابتنا الدينية،
ونحن جميعا باستطاعتنا أن نتعاون مع زوجاتنا والمربين من حولنا بما يلي : 1 ـ إقامة سياج واقٍ ومنيع داخل الأسرة، لا يمكن أن تخترقه مكائد أو إغراءات أو اتفاقات ، فنحن مطالبون بالدفاع عن هذا الحصن تحت أقصى الظروف ، وذلك بتوعية الأبناء بأعداء الأمة في السابق واللاحق ، وغرس عقيدة الولاء للمؤمنين ، والبراءة من الكفار والمشركين في أذهان أبنائنا وبناتنا ، وهذا مما دعا إليه القرآن الكريم بنص قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا : لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ، بعضهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فانه منهم ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين )، فالعدو لا يمكن أن يتحول إلى صديق ، مالم يدخل في ديننا ويصبح واحدا منا ، يقول تعالى ( فان تابوا وأقاموا الصلاة فإخوانكم في الدين )
2 ـ إيجاد نمط حياة مقاومة التطبيع ، ينطلق من واقع الهجمة ومخاطر التطبيع التدميرية التي تهددنا جميعاً ، إضافة إلى مقاطعة الشركات الداعمة لليهود، .
3 ـ تعميم ثقافة مقاومة التطبيع بشتى الوسائل ، إذ لا بد أن يعي كل شخص في المجتمع ( أن من يمارس التطبيع هو شريك حقيقي في كل جريمة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي والوحشية الصهيونية في حق أرضنا وامتنا وديننا. )
4 ـ الاستفادة الفردية مما توفره تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة ، وخصوصاً الانترنت في المعركة الإعلامية مع العدو، بنشر حقائق اليهود ، وخبثهم ، وتوعية الناس إلى مخاطرهم ، وأهدافهم الخبيثة ، وإخطار التطبيع خصوصا الثقافي ، وغير ذلك من أنواع المشاركات الهادفة .
5 ـ حماية الأبناء من أخطار وسائل البث المرئي والمسموع مهما كانت قوتها. فإذا كان التطبيع الذي تسعى إليه الحركة الصهيونية هو الدخول إلى بيوتنا بلا استئذان وبلا رقابة ، وصولاً إلى إنهاء المقاطعة وتحقيق التطبيع عبر السموم الفكرية التي تسمح للصهيونية بالعبث والتخريب في فكر الأجيال وأخلاقياتهم التي تربو عليها،
فإن هذا الأمر يدعونا إلى النهوض لتوجيه جهودنا سواء منها الفردية أو الجماعية كمؤسسات ومنظمات أهلية نحو مواقع المسؤولية والفوز بحمل الأمانة وخوض غمارها. هذا ما تسير في هذا اليوم عن عملية التطبيع ، والتي تهدف في النهاية مع بناء الشرق الأوسط الديمقراطي التي تدعو إليه الحكومة الأمريكية هذه الأيام .
اسال الله تعالى ان يرد كيدهم في نحورهم ويكفينا شرورهم ، انه هو السميع المجيب .
د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany
إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
د.مشبب القحطاني
•
جزاك الله خير اختي بنت التوحيد ونفع الله بالجميع
جـــــــــزاك ألله كــــــل خــــــــــير أللهم يامقــــــــلب ألقلوب ثــــــبت
....... قـــــــــلوبنا علــــــــــى دينــــــك.........
وجـــــــــعلنا مــــــــقبلين لـــــــك غـــــــير مد برين
يـــــــــــارب
....... قـــــــــلوبنا علــــــــــى دينــــــك.........
وجـــــــــعلنا مــــــــقبلين لـــــــك غـــــــير مد برين
يـــــــــــارب
الصفحة الأخيرة