بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيم
إنَّ مِنَ عجائب هذهِ الدنيا أنَّهُ يَكثُر فِيها أهلُ التطبيل و التصفيق للرؤساءِ وَ الحُكومات فِي الدول التي تَحكُمها حُكومات مُستبِدَّة ظَالِمَة، تَنهَبُ خيرَاتِ الشَّعب، وَ تُصَادِرُ مُمتَلكَاته، وَ تحرِمه فيها مِنْ حُقوقه كـ إنسانْ فضلاً عَنْ كونِه مواطن،حتَّى لتكاد هذه الحكومات أن تحرِمه مِنْ تَنَفُسِ الهواء،وَ شُربِ الماء،فضلاً عَمَّا هُوَ أكبرُ وَ أهم مِنْ ذَلِك !..
وَ أبرَزُ مَنْ يَقعُ فِي هَذَا الأمر هُم ثَلَاثة أولُهُم "عالِم السوءِ"،ثُمَّ "المُنتَفِعينَ مِنْ المُستبد"، ثُمَّ "العَامَّة المُغفلون"و الصنف الثالث منهم يُطبِّلُ بِلا أجرٍ أو مَثوبة ،بل عليهِ تقعُ كُلَّ مُصيبة!..
أمَّا عَالِمُ السوء-أو عَالِمُ السُّلطان- فَإنَّهُ شرُّ الثلاثةِ "المُطبلين" ..!
لأنَّهُ مِنَ المفروض عليهِ كـ"رجُل دين" مُحاربة الظُّلم،وَ السعيِ إلى تَخليص النَّاس من "شرور" المُستبدين،و ليسَ الرُّكون إلى المُستبدين و نُصرتهم ،وَ مُعاونتهم على ظُلمِ المُستضعفين الذينَ لا يَملِكونَ ما ينتصرونَ بِهِ لأنفُسِهِم .."وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ"سورة هود-عليهِ السَّلام-..
فَهذا الصنف الخبيث الرديء المُنتَفِع مِنَ المُستبِد ،هُوَ سَببُ كُل بلاء يَحل بِالأُمم ذات "الدِّينْ" وَ مِنْ بَينِهَا أُمتنا الإسلامية،فما وَهنَتْ الأُمَّة الإسلامية إلَّا عندما سَكتَ بَعضُ العُلماء عن الظُّلم و الإستبداد،و أجَازَ البعضُ الظُّلم و القَهر والإستبداد لِهؤلاء الظالمين و المستبدين،وَ طبَّلَ لِسلاطين الجورِ و الظلم و الإستبداد،وَ هَؤلاء هُم الذينَ يفرحُ بِهم المُستبِد،و يرفعُ رُتبَهُم و رواتِبَهُم!،و هؤلاء هُم الذينَ يرضى المُستبِد عنهم فيُظهِرهم و كأنَّهُ لا يوجدُ عُلماء غيرهم،فِي حينِ أنَّ العُلماء الصادقين المُخلصين يقبعون في السجون،أو تحتَ الإقامةِ الجبرية ،وَ بِغضِّ النظر عن طريقة "إلجامهم" المُهِم أن لا يظهر لهم صوت،أو يلتف حولهم مُناصرين..
وَ هَذَا الصنف،يَستَغِل ثِقَة العَامَّة فِيه،كونَهُ "رَجُل دينٍ"،و يَعتَقِد العَامَّة أنَّ رَجُل الدينِ شخصٌ مُقدَّس لا يُخطئ و ليسَ عِندَه شَيءٌّ مِنَ "الهوى"،لَِذا فَهُو مَعَ الصَّواب و الصوابُ معه!..
بِالإضافة إلى ذَلِك فَعُلماء السوء،يُكثِرونَ مِنَ الأقوَال الَّتِي تُرهِبُ العَامَّة مِنهُم ،كَقولِ الإمامِ ابنُ عَسَاكِرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "لُحومُ العُلمَاءِ مَسمومة"،وَ هذا قولٌ حَق،يُريدُ بِهِ عُلماءُ السوء عِندما يقولونه بَاطِلاً،مَعَ العِلم بِأنَّ لُحومَ المُسلمين جميعهم مسمومة،عُلمائهم المُخلصين و عَامَّتِهِم وَ الأدلة عَلَى ذَلِك كَثيرة مِنهَا قولُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليِهِ وَ آلِهِ وَ سلَّم فِي حجَّةِ الوداع: « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ». صَحيحُ الإمام مُسلِمٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ..
وَ خَطَرُ هَذَا الصنف،هو أشدُّ الأخطَارِ عَلى الأُمَّة وَ عَلَى المِلَّة،وَ قَدْ حَذَّرَ الرَسولُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَ آلِهِ وَ سلَّمَ مِنهُم،كَمَا وَرَدَ فِي سُنَنِ الإمَام الترمِذي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِىُّ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِى حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَاصِمٍ الْعَدَوِىِّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ تِسْعَةٌ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ وَالآخَرُ مِنَ الْعَجَمِ فَقَالَ « اسْمَعُوا هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِى أُمَرَاءُ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَىَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَىَّ الْحَوْضَ ».لِلإستِزَادَة مِنْ الأحَادِيث الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الشَأن يُنظر لِكِتَاب"مَا رَوَاهُ الأسَاطِين فِي عَدَمِ المَجِيءِ إلَى السَّلَاطِين" لِلإمام الحَافِظ جَلَالُ الدِّينِ السيوطي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى..
وَ لِلإمَامِ ابنُ المُبَارَكِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَ قَدَّسَ رُوحَهُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيم-،أبيَاتٌ فِي ذَمَّ عُلمَاءِ السوء الرَّاكِنينَ إلى حُكَّامِ السوء،كَقَولِهِ:
وَهَلْ بَدَّلَ الدِّيِنَ إلَّا المُلُوكُ ، وَ أحبَارُ سُوءٍ وَ رُهبَُانُهَا؟..
وَ بَاعُوا النُّفوسَ فَلَمْ يَربَحُوا ، وَلَمْ تَغلُ فِي البَيعِ أثمَانُهَا..
لَقَدْ رَتَعَ القَومُ فِي جِيفَةٍ ، يَبِينُ لِذِي العَقلِ إنتَانُهَا!..
وَ عَلَى ذِكرِ الإمَام عَبدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى،
فَقَدْ أُثِرََ عَنِ الفُضَيلِ بن عِيَاض عَابِدُ الحَرَمَينِ أنَّهُ قَالَ:
سُئِلَ ابنُ المُبَاركِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- : مَنِ النَّاسْ؟،
قَالَ: العُلَمَاء.
قِيلْ: فَمَنْ المُلوك ؟،
قَالَ: الزُّهَاد.
قِيل: فَمَنِ السَّفَلَة؟،
قَالَ: الَّذِي يَأكُل بِدِينِه..!
أمَّا الصنف الآخر مِنَ "المُطَبِّلين"،فَهُم المُنتَفِعينَ -غَير رِجَالِ الدِّين- مِنَ الحُكوماتِ الظالِمَة أو الحُكَّام الظَّلَمَة..
كَالشُّعرَاءِ ،أو أصحَاب المنَاصِب الحُكوميَّة،أو المُقرَّبِينَ مِنَ الحَاكِم كَـ أفرَاد القبيلة التي ينتمي إليها الحَاكِم ،أو أفرَاد الحِزب الذي يَنتَمِي إليه وَ فِي بَعضِ الأحيان المَذهب الَّذي يَنتَمِي إليهِ الحَاكِم ،أو مَا شَابَهَ ذَلِك ..
وَ هَؤلاءِ لَا حَرَجَ عَليهِم فِي "التطبيل"،لأنهم أصحَابُ مَصلَحة فَهُم يعيشون عَلَى أموَالِ الحَاكِمِ الظَّالِم ،أشبَهُ مَا يَكُونون بِعبيدٍ لهُ،وَ العبدُ وَ مَا مَلَكَ لِسيِّدِه ،
وَ أنَّى لِلعبدِ أن يَنتَقِدَ سَيِّدَهُ؟!!..
وَ هُم أحرَصُ مِنْ غَيرِهِم عَلى بَقَائِهِ فِي الحُكم لأنَّهم مُنتَفِعينَ مِنه،و "لَحمُ أكتَافِهِم مِنْ خَيرِه"..!
الصنفُ الثَّالِث وَ هُم العَامَّة المَسَاكِينْ المُغَفَّلِينْ،الَّذِينَ قَالَ فِيهِم المُفَكِّرُ الإسلاميُّ الرَّاحِل السَيِّد عَبد الرَحمَنْ الكَوَاكِبي المُتَوَفِّي سَنَة 1320هـ فِي كِتَابِه "طَبَائِعُ الإستِبدَادِ وَ مَصَارِعُ الإستِعبَاد" مَا نَصُّه: "وَ من هُم العوَام ؟،هُم أولَئكَ الَّذِينَ إذَا جَهِلوا خَافوا، وَ إذَا خَافوا استَسلَمُوا، كَمَا أنَّهُم مَتَى عَلِمُوا قَالوا،وَ مَتَى قَالوا فَعَلوا.
العَوَام هُم قُوةُ المُستَبِد وَ قُوته ،بِهِم عَليهِم يَصولُ وَ يَطول ؛ يَأسِرهُم، فيتَهلَّلونَ لِشوكَتِه!؛ وَ يَغصِبُ أموَالَهُم،فَيحمَدونَهُ عَلَى إبقَائهِ حَيَاتِهِم ، وَ يُهِينهم فَيُثنونَ عَلى رِفعَتِه!؛ وَ يُغرِي بَعضَهُم عَلى بعض،فَيَفتَخِرونَ بِسيَاسَتِه؛وَ إذَا أسرَفَ فِي أموَالِهِم ، يَقولون كريماً!،وَ إذَا قَتَلَ مِنهُم وَ لَمْ يُمَثِّل،يَعتَبِرونَهُ رَحِيمَاً ؛ و يسوقهم إلى خَطَرِ الموتِ،فَيُطيعونَهُ حَذَرَ التوبيخِ؛ وَ إنْ نَقَم عَليهِ بَعَض الأُباةِ قَاتَلَهُم كَأنَّهُم بَغاة"ا.هـ ..
إنَّ هَؤلاءِ العوَام المُغَفَّلين الجُهَّال الَّذينَ يُطَبِّلونَ بِلا أجرٍ أو مَثوبة،قَدْ أذهَبَ الخوفُ كَرَامتهم ،وَِ الجَهلُ عُقولَهُم ..
فَبِالإضَافةِ إلى خَوفِهِم مِنَ الحَاكِمِ الظَّالِم وَ قول كَلِمة الحَق أمامه ،هُم مَخدوعِينَ بِعالِمِ السوءِ الَّذي يأمُرُهُم بِطَاعةِ الحَاكِم طَاعةً مُطلَقة!،
حَتَّى لو تَعَدَّى الحَاكِم عَلى العِرضِ وَ المَال فَتَجِبُ طَاعتُهُ طَاعةً مُطلَقَة..
أخيراً،
حَتَّى نَتَخَلَّصَ مِن الظُّلم ،يَنبَغِي عَلينَا ألَّا نَخَافَ مِنَ الظَّالِم،
و حَتَّى نَلحق بِرِكَاب المُتَقَدِّمين،عَلينَا أنْ نُحَرِّرَ عُقولَنَا مِنْ أقذَارِ عُلَمَاء السوءِ ..
وَ هَل خَرَجَتْ أوروبا مِن ظَلَام الجَهلِ وَ الظُّلمِ إلَّا بهذين الأمرين؟..
« سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ »..
بقلم أحد الكتاب المتميزين ..
نفع الله به ..
ملاحظه : ما كتب أعلاه في قمّة الروعه .. فلا تضيع عليك الخير الكثير ولا تغلق الصفحه حتى تتم قراءته ..
أختكم
..:: شهد ::..

شهد 2 @shhd_2_1
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️