بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، كثر الحديث عن أسلحة الدمار الشامل، وبخاصة البيولوجية والكيماوية منها، واستنفرت الولايات المتحدة لدى انتشار رسائل الجمرة الخبيثة، التي اسفرت عن مقتل اشخاص، وتهافت الناس على شراء الاقنعة المضادة للغازات والمواد البيولوجية رغم تأكيد الخبراء ان هذه الاجهزة لن توفر الحماية للاميركيين في حال وقوع اعتداء واسع النطاق بالاسلحة البيولوجية والكيماوية.
والان تشكل الاسلحة البيولوجية والكيماوية الخطر الاكبر الذي يتهدد البشرية نظرا لسهولة حملها ونشرها ولضخامة التأثير الذي تحدثه، والحقيقة ان هذه الاسلحة ليست بالشيء الجديد على العالم، فقد سبق استخدامها في حروب عدة، واسفرت عن قتل عشرات بل مئات الألوف من المدنيين والعسكريين، ولاتزال اثارها بادية على الاشخاص الذين كتب لهم ان يبقوا على قيد الحياة لكي يكونوا امثلة حية على هذه الاسلحة التي لاترحم.
هناك قصص كثيرة تروي المآسي الانسانية التي صنعتها الاسلحة الكيماوية والبيولوجية منها ما شق طريقه الى وسائل الاعلام فعرف الناس عنه، واغلبها ظل طي الكتمان ولم يصل الى وسائل الاعلام العالمية بسبب تعتيم فرضته هذه الدولة او تلك.
في السابع والعشرين من عام 1994 وفي ليلة صيفية عادية، كانت عائلة كونوس تشاهد التلفزيون في غرفة المعيشة وفجأة وفي غضون لحظات من انتشار غاز الاعصاب كانت الكلاب في المنزل قد ماتت وسوميكو «الزوجة» قد دخلت في غيبوبة.
لم يكن رجال الشرطة في ماتسوموتو باليابان قد شاهدوا شيئا كهذا، واتهموا زوج سوميكو، يوشيوكي بتسميمها والعشرات من الاشخاص الاخرين في الحي بمواد كيماوية منزلية، ولكن اصر على انه بريء وانه يحب زوجته، وفي العشرين من مارس 1995 وعلى بعد مئة ميل عن ماتسوموتو، ادى وضع غاز السارين في خمسة قطارات للانفاق في طوكيو اثناء الرحلات الصباحية الى مقتل 12 شخصا وارسال الآلاف الى المستشفيات، وسرعان ما استقرت المسئولية على طائفة اوم شنريكيو، التي سبق لها ان حاولت وفشلت في التسبب بعمليات قتل جماعي باستخدام جراثيم الجمرة الخبيثة والتسمم الغذائي، وكان اطلاق الغاز في ماتسوموتو اول نجاح لها.
ولاتزال سوميكو تعاني من الشلل التام، فقد خضعت لعلاج في المستشفى من ذات الرئة اضافة الى الغيبوبة والشلل التام، وفي كل يوم يذهب اليها زوجها يوشييوكي ويتحدث اليها وكله امل في ان تستعيد وعيها في يوم من الايام لكي يستعيدا ذكرياتهما الجميلة والايام السعيدة التي قضياها معا.
وحتى عندما يتم استخدام التطعيم ضد الاسلحة البيولوجية، فأن النتائج قد تكون عكسية كما جرى مع الجنود الاميركيين الذين جرى تطعيمهم ضد الجمرة الخبيثة في عام1998. ومن هؤلاء روندا ويلسون، التي كانت تعمل قائدة لاحدى الطائرات المروحية في سلاح الجو الاميركي قبل ان يقوم البنتاغون، وانطلاقا من خوفه من خطر الحرب الجرثومية المتنامي بتحصين جميع عناصر الجيش ضد الجمرة الخبيثة، وتقول روندا بهذا الخصوص: «تم ابلاغنا بأن نغلق افواهنا وان نمد ذراعنا»، وبعد الجرعة الاولى، توقف الحيض لديها وبحلول موعد الجرعة الثالثة من اصل ست جرعات، كانت قد فقدت ثلث وزن جسمها بسب عجز في المعدة، ومع تنامي اعداد الضحايا الناجمة عن اللقاح، ومن ضمنها ست حالات وفاة، بدأ الجنود يرفضون اخذ اللقاح، وقد استقال حتى الان 400 شخص او حوكموا امام محاكم عسكرية.
وفي ايران، يعيش ساسان سفافيان الذي كان يعمل متطوعا في سيارة اسعاف في عام 1983، عندما تعرض لهجوم عراقي بغاز سام مرتين، ويقول ساسان واصفا ما حدث: «كانت الضفادع والطيور ملقاة على الارض وقد فارقتها الحياة، كان حلقي ينزف دما، وظهرت على جسدي تقرحات مليئة بالدم، لم يكن لدينا اقنعة للغاز، ولم نتلق تدريبا لمواجهة مثل هذا الامر».
وفي روسيا، تقف اولغا فياتكينا 80 عاما متكئة على عكاز، وتحدق بقبر حجري يحتضن رفات ابنها الوحيد الكسندر الذي دفنته هنا في عام 1979 كان يبلغ من العمر حينها 27 عاما، وكان واحدا من 68 ضحية معروفة من ضحايا أسوأ حادثة استنشاق للجمرة الخبيثة في العالم، فلقد وقع على الارض في الشارع على بعد عدة مبان عن المبنى رقم 19، في مدينة سفير ديلوسك، حيث كان الجيش السوفييتي ينتج جراثيم الجمرة الخبيثة كجزء من برنامج الاسلحة البيولوجية للاتحاد السوفييتي.
وتقول اولغا متذكرة ذلك اليوم: لقد كتبوا «تعفن الدم» كسبب للوفاة في شهادة الوفاة، ثم سمعنا اشاعات تقول ان السبب كان الجمرة الخبيثة، كنا انا وزوجي خائفين جدا، وكان ابني قد قضى الليلة التي سبقت وفاته معنا في المنزل، وقد رفض الاشخاص في «معرض الجثث» تجهيز الجثة، فقمنا نحن بذلك بأنفسنا، وحتى هذا اليوم، لم يخبرنا احد بأن الجمرة الخبيثة هي التي قتلته، وكل ما فعلوه هو انهم اعطونا 40 روبلا، وانا استخدمتها في شراء ثوب لحضور الجنازة.
تشترك القصص التي ذكرت في شيء واحد، وهو ان ابطالها هم ضحايا اسلحة الدمار الشامل وان السلطات المسئولة في بلادهم لم تخبرهم بأن ما حصل لهم انما هو بسبب استخدام غير مشروع لاسلحة فتاكة، وما ينطبق على هؤلاء ينطبق على عشرات الالوف غيرهم من ضحايا القنابل النووية في اليابان وضحايا العامل البرتقالي في فيتنام وضحايا الغاز السام في حلبجة شمال العراق وعمال مواقع الاختبار في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة والولايات المتحدة.
البيان

سيدة الوسط @syd_alost
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️