التعصب ظاهرة إنسانية.. أما العنف فيظل جريمة ( من أجمل ما قرأت في تفسير الحدث )

الأسرة والمجتمع

التعصب لأمر ما (او الـ Fanatisme) حالة إنسانية معروفة في علم النفس وتحصل في اي مجال فالتعصب كما قد يكون للدين والمذهب قد يكون للقومية والاشتراكية والعشائرية والطبقة الاجتماعية بل قد يتجه لأمور بسيطة كالتعصب لناد رياضي او موسيقى معينه او نجم مشهور او مدرسة فنية او كاتب دون غيره!!. اما التعصب بمعناه الديني الحديث فمفهوم مسيحي يهودي وضع في القرن الثامن عشر كإشاره لتزمت المفكر اليهودي زيلوت (ومن اسمه اشتق مصطلح Zelotisme). بل اننا هذه الايام نعيش طفرة من التعصب المسيحي (في امريكا) والتطرف القومي في اوروبا - رغم التركيز الاعلامي على التطرف الاسلامي فقط!-. ويجب ان لانخلط هنا بين التعصب والتطرف.. فالتطرف هو المرحلة الثانية للتعصب و"موقف" يلغي الاحتمالات البديلة.. أما المرحلة الثالثة فهي "الخطيرة" حيث يصل الحماس بالمرء الى محاولة تطبيق مايراه بالعنف والقوة!. @ والمتعصب كفرد شخصية نرجسية لاتقبل نقصها فتسقطه على الآخرين (ثم تهددهم به).. كما انه لايعترف بالحل الوسط ولا يؤمن بوجود هامش لنزوات البشر أو أخطاء المجتمع.. تراكم سنوات من التذبذب والحيرة جعلته يرتاح لفكرة وصوله للحل المطلق فيبدأ بتخطئة المجتمع ويعتبر نفسه مرجعاً لكل حميد. وحين تتوفر فيه معطيات العنف يستقطع من الدين او التراث مايناسبه ثم يعرضه كحل نهائي يستحق ان يضحي الآخرون من اجله. غير ان المتعصبين بهذا التصرف يتجاهلون المرجع ويحمّلون الجزء مهمة الكل ولايجتذبون في النهاية الا من يشبههم. وهم بهذه الانتقائية يشوهون الاصل ويسيئون للجوهر الذي قد يكون في اصله نبيلا.. فالديانة المسيحية مثلا تحولت على ايدي المتعصبين الى مجازر صليبية وحروب دينية قتلت الملايين وفي التاريخ الاسلامي نماذج معروفة لتطرف الخوارج والقرامطة والحشاشين وجماعات التكفير - حيث حمامات الدم والانقلاب على الداخل بطريقة لم تشاهد زمن الرسول ولا الخلفاء الراشدين!. @ ونحن أول من يعترف ان مجتمعنا لا يخلو من الاخطاء والفساد؛ ولكن اللجوء الى العنف متجاوزين كل الوسائل - لا يختلف عمن يضرب وجهه بمطرقة ليقتل (ذبابة).. ومن العجيب أن يشيع هذا التصرف بين "صغار السن" والفئات الاقل تعليماً في حين تجد السماحة وتقبل الآخر لدى العلماء والمتبحرين.. أليس عجيباً أن تجد مراهقا يكفّر الامة ويرى نفسه مرجعا للفتوى في حين يعترف عمر بن الخطاب بنقصه البشري ويقول لرعيته "اعقل الناس اعذرهم للناس".. أليس محزنا أن يكون التشدد هو معيار العلم في حين يقول سفيان الثوري "العلم هو الرخصة من عالم ثقة اما التشدد فيحسنه كل احد"!.. المحزن في مسألة التطرف انها حين تتلبس مجموعة ما تؤدي الى هزيمتهم على كافة الاصعدة. فالتمحور حول الذات والايمان بالرأي المطلق يعزلهم عن الواقع ويعميهم عن إمكاناتهم المحدودة. تراهم يعيشون في حالة انتحار لذيذة ويترقبون باستمرار طيراً أبابيل او خسفا يقضي على اعدائهم. حماسهم للقضية يجعلهم يتجاهلون قوة الخصم - وان المواجهة تتطلب حدا أدنى مقداره {إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين}!!. ان أول خطوة لمحاربة التعصب هو تعريته لصغار السن واستيعابه كظاهرة إنسانية يحظر تحولها للعنف. فمجرد تعريته وكشفه ينقل المرء الى وعي بالواقع - مهما كان مرا - ويتيح له الموازنة بين الممكن فعليا والمأمول نظريا. أما الخطوة الثانية فهي العودة الى السيرة النبوية النقية (التي اختطفتها سير المحدثين والمتشددين) والتركيز على التعامل الانساني اللطيف الذي أبداه المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل المواقف. أما الخطوة الثالثة فيجب ان توازي في حجمها انتقال التعصب الى "المرحلة الثالثة".. حيث العنف جريمة؛ والجريمة تتطلب الضرب بيد من حديد!.


------------

للكـــــاتب المميز
فهد الاحمدي ( جريدة الرياض - حول العالم )
2
504

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

*بشائر الفجر*
*بشائر الفجر*
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
جزاك الله خيرا اخي
اخو هند

موضوع مفيد وطرق عملية للتخلص من هذه الظاهرة ...

والسلام عليكم
ماوية
ماوية
جزاك الله خير على النقل المفيد