soso*

soso* @soso_34

عضوة نشيطة

التقوى و التوكل

ملتقى الإيمان

السؤال...

لقد قرأت في كتاب الله العزيز: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه" وإن شاء الله تكونون من المأجورين.
سؤالي هو: كيف تتحقَّق تقوى الله؟
وما الشروط التي يجب أن أتَّبعها كي أصبح تقيَّة، ويجعل الله لي مخرجا؟
وما التوكُّل على الله؟
وكيف يكون؟
لي سؤالٌ أخيرٌ أيضا: كيف أصبر على مصائب الدهر؟
كيف أشعر باليقين حين أتَّجه الله بإجابة الدعاء، حيث إنَّني قرأت في حديثٍ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سئل عن الدعاء، قال بأنَّه لا يجد همًّا في الدعاء، ولكن في اليقين إجابة الدعاء؟
أرجو أن أجد لديكم الجواب الشافي الذي يثلج صدري!!


الـــجواب الشيخ عبد الحميد البلالي:

لقد سألت عن خمس مسائل، كلِّ واحدةٍ منها تحتاج إلى مجلَّدات، ولذلك فسوف أركِّز في إجابتي على أهمِّ هذه الأسئلة، ألا وهو سؤالك عن التقوى وشروطها، حيث إنَّ الآية المشهورة في سورة الطلاق تحتوي على قاعدةٍ إيمانيَّةٍ كبيرة، إنَّها قاعدةٌ ربَّانيَّةٌ لا تخطئ أبدا، فإذا ما تحقَّق شرطها الأوَّل تحقَّق الثاني دون إبطاء، حيث يقول الحقُّ فيها: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب".

ما التقوى؟

التقوى هي الحماية، والحماية إمَّا أن تكون من الأخطار الخارجيَّة أو الداخليَّة، والأخطار كثيرةٌ ومتنوِّعة، وأشدُّها خطراً تلك التي تمنع الإنسان من دخول الجنَّة، وتكون سبباً لدخوله النار، وأَولى أجزاء الإنسان بالحماية هو قلبه، حيث إنَّه إذا صلح وسلم من الأخطار صلح وسلم سائر الجسد، حيث يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"متَّفقٌ عليه.
يقول حجَّة الإسلام الغزالي: "العبادة شطران، اكتساب: وهو فعل الطاعات، واجتناب: وهو تجنُّب السيِّئات، وهو التقوى، وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب، يصومون نهارهم ويقومون ليلهم، واشتغل المنتبهون أولو البصائر بالاجتناب، إنَّما همَّتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى، والبطون عن الفضول، والألسنة عن اللغو، والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم".

صفات المتَّقين وشروط التقوى:

إنَّ للمتَّقين صفاتٌ كثيرةٌ تحميهم من نار جهنَّم، يجاهدون أنفسهم بها ومن أبرز هذه الصفات:

- استواء الظاهر مع الباطن:

أو هو الإخلاص في أحد صوره الجميلة، فالمخلص الذي يريد وجه الله لا يفرِّق في ذلك عندما يكون خالياً أو أمام الناس، حيث يستوي عنده الظاهر والباطن، أمَّا أولئك الذين يتظاهرون بالتقوى أمام الناس، وإذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها، فأولئك يفضحهم الله في الدنيا والآخرة، ويسلبهم الله نور الإيمان الذي يظهر جليًّا على وجوه أولئك المخلصين، ويكون أثره كالمغناطيس يجذب القلوب إليهم، بينما يتباعد الناس عن أولئك المتظاهرين، وينادي الإمام ابن القيِّم هذا المتظاهر بالتقوى متعجِّبا: "سبحان الله، ظاهرك متجمِّلٌ بلباس التقوى، وباطنك باطيةٌ لخمر الهوى، فكلَّما طيَّبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته فتباعد منك الصادقون، وانحاز إليك الفاسقون" (الباطية هو الإناء الذي تشرب فيه الخمر).
إنَّهم يتظاهرون بالتقوى ولكنَّ قلوبهم مملوءةٌ بحبِّ غير الله، وقد اتَّخذوا أهواءهم آلهةً من دون الله، وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح.
2_ تقديم العمل على المظاهر:
إنَّهم يعلمون حقَّ العلم بأنَّه ما من آيةٍ في القرآن الكريم ذكرت الإيمان إلا وقرنته بالعمل، ويعلمون بأنَّه لن يُنجِي العلم من غير عمل، ولا المظاهر من غير عمل، فإنَّ الله لا ينظر إلى القلوب، وإذا عمرت القلوب بحبِّ الله دفعها للعمل، وإذا ما عمل الإنسان طفح أثر العمل على الجوارح، وكان إمام التابعين الحسن البصريِّ يؤذيه رؤية ذلك الصنف من الناس الذين يهتمُّون بمظاهرهم على العمل، ويظنُّون أنَّ ذلك من التقوى، فقد رأى يوماً فرقد السنجيَّ وعليه جبَّة صوف، فأخذ بجبَّته ثمَّ قال: "يا بن فرقد -مرَّتين أو ثلاثة– إنَّ التقوى ليست في الكساء، إنَّما التقوى ما وقر في القلب، وصدَّقه العمل والفعل".

3- الاهتمام بتقوية القلب:
إنَّهم يتَّجهون أوَّلاً لتقوية القلوب، فالقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، ولا يصلح الظاهر حتى يصلح الباطن، وما أجمل ما كان يقول الواعظ يحيى بن معاذ: "عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثمَّ تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكرانٌ بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلَّك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو بادرت هواك".
فما كمال العقل إلا بمعرفة أهمِّيَّة الوقت، والمبادرة قبل انقضائه بقيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعته فيما لا يرتفع إلى السماء.

4- الاهتمام بالعلم والعمل:
فالتقوى هي العاصمة من القواصم، ومن كلِّ فتنةٍ عاصفة، ولا يمكن أن تثبت حقيقة التقوى من غير علمٍ وعملٍ وإخلاص، وقد نصح التابعيُّ الجليل والزاهد البصريُّ الكبير طلق بن حبيب أتباعه باتِّقاء الفتن بالتقوى فقال: "اتَّقوها بالتقوى"، فقيل له: صف لنا التقوى، فقال: "العمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نورٍ من الله، مخافة عذاب الله".
ونور الله هو العلم، ورجاء ثواب الله أي ابتغاء وجه الله بالعمل، والإخلاص له، دون رجاء الثواب من غيره من المخلوقين، وترك المعاصي بالعلم مخافة عذاب الله وليس مخافة البشر أو بانتظار ثنائهم.
ومن اتَّصف بهذه الصفة، وهذا العمل المكمِّل للعمل، وابتغاء وجه الله في ذلك فإنَّه يكون في مأمنٍ من الفتن، وإنَّما يقع في الفتنة من جهل، وقلَّت مخافته من الله تعالى، وابتغى غير وجه الله في عمله.

5- تنقية الطمع والغضب:
وهي من أبرز صفات المتَّقين، حيث إنَّهم يمارسون التوحيد الخالص لله تعالى، ولا يُدخِلون إلى قلوبهم أحدٌ غيره، كما قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وجعلها رسولنا صلى الله عليه وسلم سنَّةً في افتتاح كلِّ صلاة، عندما رغَّبنا بأن نقول: "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين".
وبالتالي يكون كلُّ ما يقومون به نقيًّا إلا من الله تعالى، سلوكهم وقلوبهم ومعاملاتهم، وممَّا يذكره بكر بن عبد الله المُزنيِّ عن المؤمن أنَّه: "لا يكون تقيًّا حتى يكون نقيَّ الطمع نقيَّ الغضب".
فلا يغضب إلا لله تعالى، ولا يطمع بشيءٍ من زينة الدنيا، وإنَّما يقصر طمعه لما عند الله من النعيم، فكلَّما رأى من جواذب الدنيا شيئاً تذكر أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، وكلَّما أغضبه شيءٌ من أمور الدنيا، تذكَّر أنها لا تستحق أن يغضب لها وهي زائلة، فهو في تنقيةٍ دائمةٍ لغضبه وطمعه وسلوكه ومعاملاته، حتى يبقى على التوحيد الخالص لله تعالى.

6- محاسبة النفس:
يقول التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".
، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر".

يجعل له مخرجا:
فإذا ما حقَّق المؤمن الشرط الأوَّل للمعادلة بتحقيق التقوى في نفسه، حقَّق له الشطر الثاني من المعادلة، بأن يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.

ما المخرج؟

تعدَّدت أقوال أهل التفاسير في هذا المخرج، وإن كانت جميعها تحتمل معاني المخرج الكثيرة، التي يستحقُّها من اتَّقى الله تعالى، ومنها:
أ- النجاة من الكربين، وهو ما رواه ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما بقوله: "ينجيه من كلَِّ كربٍ في الدنيا والآخرة".
ب- القناعة، وهو ما قاله عليُّ بن صالح: "المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه".
ج- النجاة من النار إلى الجنَّة، قاله القلبيّ.
د- مخرجاً من النهى: قاله الحسن البصريّ.
هـ- من كلِّ شدَّة، وما قاله ابن خيثم: "من كلِّ شيءٍ ضاق على الناس".
و- من العقوبة.
ز- من شبهات الدنيا.
ح- الكرب عند الموت.
ط- الفرح يوم القيامة.


التوكُّل:

أمَّا التوكُّل على الله، فهو تفويض أمر العبد كلِّه لله، مع يقينه بأنَّ الله هو المتصرِّف بالأمور كلِّها، والاعتقاد الجازم بذلك، بشرط أن يبذل الأسباب المطلوبة منه كبشر، ولكن لا يركن إليها، ولا يربط التوفيق والنجاح بها، وينسى صاحب الأسباب وميسِّرها.

والفرق بين التوكُّل والتواكل، أنَّ المتوكِّل هو الذي يبذل الأسباب ثمَّ يتوجَّه إلى الله بالمساعدة والتوفيق، وهو معتقدٌّ مستيقنٌ بأنَّ الله سيقضي حاجته، ولا يسند الفضل إلا لله.
بينما المتواكل لا يبذل من الأسباب شيئا، ويريد قضاء حاجته من الله.

أمَّا الأمور المعينة على الصبر فهي:
1_أن تعتقدي بأنَّ ما أصابك مقدَّرٌ من الله.
2- وأنَّ الله له حكمة في ذلك.
3- وأنَّك تؤجرين عن هذه المصيبة.
4- ويكفِّر من سيِّئاتك.
5- ويرفع درجاتك.
6- وأنَّ العبد ليس له أن يعترض على سيِّده.
7- أن تتذكَّري بأنَّ وراء هذه المصيبة خير، وذلك بتذكُّرك قول الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم"
8- إنَّه تحذيرٌ من الله، سببه معصيةٌ أو تقصير، ولأنَّ الله يحبُّك فإنَّه يبتليك كي تكتشفي خطأك ومعصيتك.
9- الابتلاء علامةٌ من علامات حبِّ الله للعبد.
10- أن تتذكَّري بأنَّ هناك من هو أكثر منك بلاء.
11- أن تتذكَّري أنَّ الله صرف عنك بلاءً أعظم ممَّا أنت فيه.
12- أن تتذكَّري بأنَّ الله أبقى لك من النعم أكثر ممَّا أخذ منك، ويكفي أنَّه أبقى لك العقل والسمع والبصر والشمَّ وبقيَّة الجوارح.


اليقين بالدعاء:


وبالنسبة لليقين بالدعاء، فإنَّه مطلوبٌ من كلِّ مسلمٍ أن يستيقن بأنَّ الله سيجيب دعاءه، حيث قال في كتابه الكريم: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، وقال: "وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذيّ: "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة"، وقال صلى الله عليه وسلم بأنَّ الله ينزل في الثلث الأخير من الليل في السماء الأولى، ويقول: "من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟"متَّفقٌ عليه.
فالشعور باليقين عند الدعاء جزءٌ من الإيمان بقدرة الله، وأنَّه لا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو الذي بيده ملكوت السماوات وما بينهما.

أمَّا بالنسبة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فالمشهور عنه أنَّه قال: "لا أحمل همَّ الإجابة، بل أحمل همَّ الدعاء، فإذا فتح الله عليَّ بالدعاء، جاءت الإجابة".
والله أعلم.
14
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خلود 000
خلود 000
استغفر الله
خلود 000
خلود 000
استغفر الله
سكر وردي
سكر وردي
موضوع راااااائع
جزاك الله خير
ملكت الشوق
ملكت الشوق
الله يكتب اجرك وينفع بك
بارك الله فيك
عاصبه راسها
عاصبه راسها
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم