احلى جودي

احلى جودي @ahl_gody

محررة فضية

التقويم الذاتي

الملتقى العام

التقويم الذاتي


--------------------------------------------------------------------------------

محمد بن بتاع البلادي

دخل الفتى الصغير إلى احد محلات التسوق في بالم بيتش فلوريدا ... جذب صندوقاً إلى أسفل كابينة الهاتف...وقف فوق ذلك الصندوق لكي يصل إلى أزرار الهاتف و بدأ بإجراء اتصال هاتفي...

شد ذلك التصرف انتباه صاحب المحل فبدأ بالاستماع إلى المحادثة التي يجريها ذلك الفتى الصغير. قال الفتى: «سيدتي أيمكنني العمل لديك في تهذيب عشب حديقتك» ؟ أجابت السيدة: «شكرا .. لدي من يقوم بهذا العمل «.

قال الفتى : « سأقوم بالعمل بنصف الأجرة التي يأخذها ذلك الشخص» .

أجابت السيدة بأنها راضية كل الرضا عن عمل ذلك الشخص و لا تريد استبداله. هنا أصبح الفتى أكثر إلحاحا فقال: « سيدتي.. سأنظف أيضا ممر المشاة و الرصيف أمام منزلك، و ستكون حديقتك أجمل حديقة في المدينة كلها « .. و مرة أخرى أجابته السيدة بالنفي القاطع ... ابتسم الفتى ابتسامة عريضة .. فشكر السيدة .. و أقفل الهاتف. تقدم صاحب المحل- الذي كان يستمع إلى المحادثة – إلى الفتى الصغير و قال له: لقد أعجبتني همتك العالية، واحتراما لهذه الهمة فاني أعرض عليك فرصة العمل لدي في المحل. أجاب الفتى الصغير : «شكرا لعرضك الكريم سيدي ، ولكني لا استطيع». دهش صاحب المحل من رفض الفتى لهذا العرض المغري.. وهو الذي كان قبل قليل يستجدي تلك السيدة للعمل لديها.. فقال للفتى بدهشة : هل استطيع أن اعرف سبب رفضك العمل لدي ؟ قال الفتى وعلامات السرور لاتزال بادية على محياه :

لأنني أعمل بالفعل لدى تلك السيدة التي كنت أتحدث إليها.. غير أني فقط كنت أود التأكد من حسن أدائي للعمل الذي أقوم به.. ما أحوجنا لمثل هذا التقويم الذاتي وبشكل دائم.. إذا كنا نريد أن نكون من الأشخاص الذين يطورون أنفسهم ويحاسبونها على أخطائها.. لا بد أن نجيد أسلوب الحديث مع أنفسنا.. أن نتعرف على لغتها الخاصة.. أن نعرف دواخلها.. أن نعطيها شيئاً من وقتنا، حتى نصل إلى حالة من الراحة الذاتية، فإذا لم نفهم أنفسنا كيف نتوقع من الآخرين أن يفهموها؟. إن تقييم الذات ليس بالأمر الهين .. فهو يتطلب منا أولا أن نكون موضوعيين تجاه أنفسنا، أي أن نوازن بين إحساسنا المبالغ فيه نحو تضخيم الذات والشعور بالكمال .. وبين تضخيم الأخطاء.. إذاً فنحن مطالبون أن ننظر لأنفسنا بتجرد وحيادية.. دون أن نبرر لهذا الفعل أو ذاك، وبدون أن نعطي لأنفسنا الأعذار التي قد نبخل بها على الآخرين أو المبررات التي قد لا نقبلها من أي شخص آخر. يقول نيلسون مانديلا في كتابه ( رحلتي الطويلة من أجل الحرية ) عندما نقل من سجن بريتوريا إلى جزيرة روبن ( وهو منفى أكثر من كونه سجنا) : «كان السلاح الوحيد الموجه ضدي هو السجن الانفرادي ولكنني قلبت هذا السلاح من أن يكون ضدي إلى أن يكون معي ، كنت وحيداً.. وفي المنفى ليس معك غير نفسك وكأنك تنظر إلى نفسك في مرآة.. بدأت أتأمل حياتي وطفولتي وقضيتي التي أناضل من أجلها ، انكشفت لي أشياء كثيرة عن شخصيتي لم ألاحظها إلا عندما جلست لوحدي». إن أفضل طريقة لمكاشفة النفس هي ما كان يفعله الفيلسوف الشهير (سقراط) مع الناس ومع نفسه ، فقد كان يسأل نفسه في كل شيء لماذا اعمل كذا أو لماذا أنا خائف من كذا ؟ أو من أنا ؟؟ فبهذه الطريقة تستطيع أن تعرف من أنت بالضبط ..بشرط توفر عاملين مهمين.. الأول القبول بالصعود في رحلة مكاشفة الذات ومحاسبتها.. والثاني أن يكون لديك الجرأة لتقبلها كما هي.. وتذكر أن الناس جميعهم لديهم ذنوب وعيوب.. فهل تحب أن ترى نفسك.. أم أنك من أولئك الذين ينزعجون حين يرون صورتهم في المرآة؟.
0
364

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️