فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

* التكافل الإجتماعي في الإسلام *

الأسرة والمجتمع


الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى في بناء المجتمع
ولبنة من لبناته ..
وهي تُعدّ صورة مشرقة لما سيكون عليه المجتمع الكبير
وذلك حين تتمثل في كلّ منها روح التكافل ..
حين يعاون أفرادها بعضهم بعضاً ، ويشد بعضهم أزر بعض..
ويرتبطون بينهم بروح المودة والتعاطف
ويشعرون بانتمائهم إلى المجتمع الكبير وحاجتهم إليه
وإلى التأزر والتماسك به ..
ولئن ترابطت اللبنات .. استقام البنيان وصمد في وجه عوامل الهدم ...
يقول الرسول الكريم :
( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )




فجوهر التكافل في الإسلام إذن هو:
رعاية وحماية وعناية ومساندة ومعاضدة ..
بين أفراد المجتمع الإسلامي .

قد يظن البعض أن معنى التكافل هو الإحسان وأداء الزكاة والصدقة ..
أو بذل المساعدات المالية للمحتاجين ..
ولكن في الحقيقة أنه ( نظام كامل ) أكبر من ذلك كله..
وما آشكال المساعدات المالية إلا جزء من معنى التكافل الإسلامي.

كل فرد منا من موقعه في المجتمع يستطيع أن يحقق معنى التكافل ..
ولرب سائلة : وكيف يكون ذلك ؟
أقول لكِ :
يكون بالإحسان فيما تؤديه من عمل .. في أي مجال مهما كان حجمه ..
فثمرة عمل الواحد تعود إلى الجماعة ..
يقول الرسول الكريم :
( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه )

فالتكافل :
نظام إعداد وعمل وإتقان وإنتاج تنشأ عنه الكفاية الذاتية.




جاء رجل يسأل النبي أن يعطيه من مال الصدقة ..
نظر اليه صلى الله عليه وسلم .. فرآه رجلاً قادراً يستطيع العمل
فلم يمنحه مالاً ، وإنما أعطاه فأساً ، وأمره أن يذهب فيحتطب بها
فيبيع مااحتطب فيعيش به ..
بين له الرسول الكريم قيمة العمل وهداه إليه .

وبذلك قرر التشريع الإسلامي مبدأ حق العمل للقادر ..
وحقه على الدولة أن تيسر له وسيلة العمل وأداته..
وفرض الإسلام أيضاً على الأغنياء أن يقوموا بفقرائهم .
ليحصل التوازن في المجتمع .

أمّا تعهد الدولة للعاجزين عن العمل ، والضعفاء ، والعاطلين ، والفقراء ..
فقد أعلنها رسولنا الكريم :
( من ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ)
( من ترك كلاًّ - أي ذرية ضعافاً - أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه )

وهذا الإعلان يعني مسؤولية شاملة من الدولة الإسلامية عن كل فرد لايقدر على
ممارسة دوره الطبيعي في الحياة .



الكفاف والكفاية ~

ازدهر دور الإسلام في عصوره الأولى في تحقيق معنى التكافل ...
فقوي مجتمعه ... ورسخ بنيانه ..
فما كانت نظرة الإسلام للتكافل المادي تتوقف
على توفير حدِّ (الكفاف ) للمحتاجين،
ولكنها تعدت ذلك إلى تحقيق حدِّ (الكفاية )
والفرق واسع بين : الكفاف .. والكفاية ..
وفي هذا يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
( كرِّروا عليهم الصدقة، وإن راح على أحدهم مائة من الإبل).





شمولية التكافل ~

والتكافل يشمل صوراً. كثيرة تتمثَّل ..
بتقديم العون والحماية والنصرة والمواساة،
وذلك إلى أن تُقضى حاجة المضطر،
ويزول هَمُّ الحزين،
ويندمل جرحُ المصاب،
ويبرأ الجسدُ كاملاً من الآلام والأسقام.

إن التكافل الاجتماعي في الإسلام مبني على مبدأ مقرر في الشريعة ،
وهو مبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع ،
يقول الله تعالى :

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .) سورة التوبة / ٧١


فالإنسان في التصور الإسلامي ، لا يعيش مستقلا بنفسه ، منعزلا عن غيره ،
وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية ،
بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة ، وفي شؤون المجتمع.

ومن أعظم مظاهر التكافل الاجتماعي ماقام به الأنصار نحو إخوانهم المهاجرين
حيث ارتضوا أن يقسموا كل مايملكون بينهم وبين إخوانهم ..
ولكن هذا الإيثار البطولي الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً ..
قوبل بعفة نادرة من المهاجرين ..



كفالة السكن في مجتمع المدينة ~

*حينا هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ..
عمل على ربط المجتمع الإسلامي وتوحيده، وتقوية الجبهة الداخلية ..
مابين المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم ومتاعهم خلفهم في مكة ..
وبين الأنصار الذين هم سكنة المدينة ..
فدعا صلى الله عليه وسلم إلى التكافل المادي والمعنوي بين المسلمين ،
ففتحت دور الأنصار أبوابها وقلوب مالكيها لوفود المهاجرين في سبيل الله،
واستعدت لاستقبالهم رجالاً ونساءً وأطفالا،
إذ أصبح المسكن الواحد يضمّ المهاجر والأنصاري لا فرق بينهم،
يتقاسمون اللقمة الواحدة والمال والمكان والمسؤولية الإسلامية،

ومن هذه المنازل المستقبلة:

/ منزل مبشّر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء: ضمت عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ومن لحق به من أهله وقومه وابنته حفصة وزوجها وعيّاش بن ربيعة.

/ منزل خُبيب بن أساف : نزل بها طلحة بن عبيد الله بن عثمان وأمه وصهيب بن سنان.
/ منزل أسعد بن زرارة من بني النّجار: قيل نزل بها حمزة بن عبد المطلب.


/منزل كلثوم بن الهدم: نزل بها أنسة وأبو كبشة.
/ منزل سعد بن خيثمة: وكان يسمّى بيت العزاب ونزل بها الأعزاب من المهاجرين.

/ منزل عبد الله بن سلمة: نزل بها عبيدة بن الحارث وأمّه سخيلة،
ومصبح بن أثاثة بن عبّاد بن المطلب، والطفيل بن الحارث،
وطليل بن عمير، والحصين بن الحارثي نزلوا جميعاً على عبد الله بن سلمة بقباء.


/منزل منذر بن محمد بن عقبة:
نزل عنده الزبير بن العوام، وزوجه أسماء بنت أبي بكر،
وأبو سبرة بن أبي رهم وزوجته أم كلثوم بنت صهيب.

/منزل بني عبد الأشهل والمحتضن هو سعد بن معاذ بن النعمان:
نزل بها مصعب بن عمير وزوجته حمنة بنت جحش.
/ منزل بني النجار والمحتضن هو أوس بن ثابت بن المنذر :
نزل بها عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.



مثل عن المؤاخاة التكافلية ~
هذه قصة المهاجرعبد الرحمن بن عوف ..
الذي كان له باع طويل ومهارة في التجارة بمكة .. فكانت تجارته رابحة دوماً
وعندما قدم إلى المدينة مع من قدم من المهاجرين ..
لم يكن مهع شيء من المتاع ..
وحين آختار النبي صلى الله عليه وسلم لكل مهاجر أخاً من الأنصار يكفله ..
آخى بين عبد الرحمن و سعد بن الربيع الأنصاري،
وكانت عند الأنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله،
فقال بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك،
دلني على السوق. فأتى السوق فربح .
ثم تزوج أنصارية .

هذه المقاسمة وهذا التكافل الاجتماعي كان من أهم العناصر
التي مهدت لإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته المهاجرين
معه وبعده ..
إقامة طيبة تنبض بالأثرة على النفس وودّ الأخوة الصادقة المؤمنة.





كلمة أخيرة ~


إن رسولنا الكريم سلك منهجاً فريداًمتكاملاً لم يكن له وجود من قبل ..
في سبيل بناء الفرد المسلم والجماعة المسلمة ...
ووصل به إلى تكوين مجتمع عزيز قوي، وأمّة خير ماأخرج للناس
أساسها صلة الناس بربهم المبنية على عقيدة التوحيد ...
وأن المؤمنين بهذا الدين وهذه العقيدة أخوة :
( إنّما المؤمنون إخوة )
وعلى أساس هذه العقيدة كان التفاني في الطاعة والصلاح وبذل الخير
وإيثار الغير والتراحم والتكافل ..
فلنتمسك بهذا المنهج ، ونستنير بهديه ..
لتحقيق إنسانية المسلم في المجتمع ..وخلافته في الأرض .
15
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

..نور الروح..
..نور الروح..
ما شاء الله تبارك الرحمن!
دائماً رائعة و مميزة غاليتي بفكرك و أسلوبك..
موضوع قيم للغاية و أتى في أوانه فعلاً..
نفع الله بك وبقلمك و جزاك الله الجنان..
منوش أم شعر منكوش
  • ماشاء الله
  • الله يجزاك خير.
صفاء-الروح
صفاء-الروح
يا له من.دين
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
ما شاء الله تبارك الرحمن! دائماً رائعة و مميزة غاليتي بفكرك و أسلوبك.. موضوع قيم للغاية و أتى في أوانه فعلاً.. نفع الله بك وبقلمك و جزاك الله الجنان..
ما شاء الله تبارك الرحمن! دائماً رائعة و مميزة غاليتي بفكرك و أسلوبك.. موضوع قيم للغاية و أتى في...
مرحباً بنور أول البزوغ ..
أشرقت كلماتك ..
وزهى حرفك ..
وأجزل الله لك العطاء ..
بوركتِ ياروح ..!
المحامية نون
المحامية نون
الغالية فيض ...ما أشد الحاجة في هذا الزمان الى قوة ...الترابط الاخوية وان يؤثر أحدنا اخيه على نفسه ...بعد ان تفككت العلاقات ولم تعد كما كانت ... واتخيل لو طبقت المجتمعات جميعاً هذا المبدأ لما اصبح على وجه الأرض شخصاً محروم وتسود العدالة و والمساواة. ..طرحك مميز وموضوعك قيم حقاً ....اسعدك الله واثابك خيراً. .......