🔺 لمَ علينا أن نحذر من التنافس على الدنيا؟
(الحذر): هذه الكلمة خطيرة جدًا تحتاج منك إلى وعي؛ لأنَّ الدُّنيا لن تقول لك احذرني أنا الدُّنيا، والتَّنافس فيها أمر خطاف، يخطف قلب العبد دون أن يشعر، يأتيه التَّنافس من جهة لا يشعر بها؛ بل قد يأتي التَّنافس في الأماني، كأن يتمنى أن يسكن في مكان يعرف النَّاس رُقيّه؛ لأجل أن يأتي النَّاسَ انطباعٌ معين عنه فور تسميته لحيّه الذي يسكن فيه، وكذلك ما تراه من كذب الشَّابات بعضهن على بعض بسبب التَّنافس، وكل ذلك سببه أنَّ الدُّنيا خطافة تأخذ الإنسان.
ونلاحظ أن النَّبي حذَّر أصحابه من انفتاح الدُّنيا والتَّنافس فيها وهم خير الخلق بعد الأنبياء رضي الله عنهم أجمعين؛ فمن باب أولى أن يكون خوفنا على أنفسنا أشد، والمعنى أن لا نبقى في أمان، سواء كنَّا أصحاب أموال أو لم نكن، فلا يظن من لا يملك المال أنّه بمنأى عن الدُّنيا وفتنتها، فهذا غير صحيح؛ لأنَّ الدُّنيا ليست مجرد أموال؛ إنّما الدُّنيا فيها المظاهر، فيها المرتبة العلمية، فيها المكانة الاجتماعية، فيها الفخر حتى بالأفكار؛ فكثير من النَّاس يفخرون بأفكارهم وذكائهم وبكونهم يفهمون أكثر من غيرهم، والشَّيطان يحتال على الإنسان في التَّنافس، حتى وصل بهم إلى أن يجعلوا التَّفاخر في أمور الدِّين؛ فتراهم مثلًا قد خرجوا يحجُّون لله؛ ثمَّ بعد عودتهم يتفاخرون بأنواع الحملات التي حجّوا فيها، وبأسماء الفنادق التي أقاموا فيها تلك الأيام المعدودات التي يفترض أن يكونوا فيها مخبتين لله العظيم، فالتَّنافس على الدُّنيا له صور متعددة لا يمكن أن تحصر، هذا بالإضافة إلى أن نفسَك التي بين جنبيك تأخذك للدُّنياوأنت لا تشعر أنها دنيا، والخطير أن أكثر موطن يلتبس عليك الأمر فيه يكون في أعمال الآخرة،ومثال ذلك:
أن نجتمع لعمل صالح نريد به التَّقرب إلى الله، ثمَّ في وسط العمل تظهر النَّفس وتريد أن تتميز، تريد أن يُثنى عليها، فنحارب كي يظهر اسمنا في العمل، ونُغرّ بكلام الذين يوهموننا أن هذا طبيعي، وأنَّه من تقدير الذَّات، أو مثل هذا الكلام الذي يهون علينا مسألة جرّ الدُّنيا لنا من رقابنا، فهذا وإن كان عملًا صالحًا في أصله؛ لكن مجرد إرادة ظهور النَّفس حوَّل الأمر إلى دنيا، وأصبح العمل في صورته الخارجية عملًا للآخرة وفي صورته الدَّاخلية هو عمل لإظهار النَّفس، ليس خالصًا لوجه الله، ولهذا أتى التَّحذير من الدُّنيا؛ فهي غرّارة، لن تنطق لك وتقول أنا دنيا؛ إنّما عليك أنت أن تكون حريصًا متلمسًا لمقاصدك، وأن تحذر من الدُّنيا أن تجرّ قدمك بأمر مكشوف أو غير مكشوف، ولذلك من كلام بعض السَّلف: "لا أخاف من الشَّيطان أن يغرني بذنب ظاهر؛ إنّما أخاف أن يلبّس عليّ ذنبًا غير ظاهر"، يعني أن تأتي مسألة كأنَّها عمل صالح للآخرة وفي حقيقتها هي دنيا، لذلك مسألة التَّنافس خطيرة.
مقتبس من اللقاء الخامس من الرقاق.
الاستاذه اناهيد السميري
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️