الجهاد في سبيل الله الحلقة (57)

ملتقى الإيمان

الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ( 57 )

تابع للمرحلة المدنية

فكان إسلام الأنصار ومبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم على حمايته ومقاطعة أعدائه منطلقاً لإقامة أول مجتمع إسلامي متميز على وجه الأرض بعد البعثة النبوية.

وأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة من مكة إلى المدينة، فخرجوا جماعات وأفراداً، تاركين أشرف بقعة على وجه الأرض، بها ديارهم وأموالهم وأهلوهم، طمعاً فيما عند الله تعالى من إعزاز دينه وإعلاء كلمته وإذلال أعدائه ورضاه عن أوليائه المؤمنين.

واستقبلهم إخوانهم الأنصار فآواهم ووفوا ببيعة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والتحمت الكتيبتان: كتيبة المهاجرين وكتيبة الأنصار، وأخذ دين الله ينتشر في أهل المدينة حتى أصبح ذكر الله وتوحيده والإقرار برسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يتردد في كل بيت وفي كل مكان، وبلغ الأنصار القمة في الإيثار وتحقيق الأخوة الإسلامية.

وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة إلا أن أذن الله له في الهجرة، وفي أثناء مدة انتظاره صلى الله عليه وسلم اشتد خوف مشركي قرشي من قاعدة تجمُّع المسلمين الجديدة، وأخذوا يتشاورون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من رأى حبسه حتى يموت، ومنهم من رأى إخراجه من البلاد ونفيه.

واستقر أمرهم بعد ذلك على قتله، كما قال تعالى لنبيه –بعد ذلك مذكِّراً له وللمسلمين بنعمته تعالى عليهم حيث أنجاه من مؤامراتهم-: ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، أو يقتلوك، أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) .

وخطَّط رسول الله صلى الله عليه وسلم لهجرته التي رافقه فيها أبو بكر الذي كان يتلهَّف للَّحاق بإخوانه المهاجرين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأذن له بالهجرة ليكون معه في أحرج المواقف المكية وآخرها، وهي الهجرة، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه بالنوم على سريره ليلة الهجرة، وخرج هو وأبو بكر رضي الله عنه، فاختفيا في الغار (غار ثور) ثلاثة أيام والمشركون يبحثون عنهما، وقد خصَّصوا مكافآت ثمينة لمن يقبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقه.

ولكن الله كان معهما، ومن كان الله معه فلا غالب له: ( إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه: لا تَحزنْ إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيَّده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، والله عزيز حكيم ) .

وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبله جند الله من المهاجرين والأنصار، وأحاطوا به إحاطة الهالة بالقمر، يأمرهم فيستبقون لتنفيذ أمره، وينهاهم فيجتنبون ما نهاهم عنه.

وبدأ صلى الله عليه وسلم يُرسي دعائم الدولة الجديدة التي لا يدري الناس في الجزيرة العربية، فَضْلاً عن بلاد فارس والروم وغيرهما من ممالك الدنيا، ما كانوا يدرون ماذا يكمن وراء تلك الدولة الناشئة من عواصف قصف لمعاقلهم وحصونهم، وسيوف حتف لرقاب طغاتهم وجبابرتهم، وأنوار هداية لشعوبهم.
1
367

هذا الموضوع مغلق.

سنوكة حنين
سنوكة حنين
شكرا للإفادة والمضي قدما فيها

بارك الله لك في صنيع أعمالك

وجزاك الله خير الاستفادة منها

مع خالص احترامي