الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته الحلقة (62)
فرض القتال على المسلمين
كانت المرحلة الأولى من مراحل القتال – الذي هو جزء من الجهاد في سبيل الله – هي الإذن والإباحة، كما مضى.
أما المرحلة الثانية، فهي فرض القتال على المسلمين، كما قال تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثَقِفْتُموهم، وأخرجوهم من حيثُ أخرجوكم، والفتنة أشدُّ من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاءُ الكافرين، فإن انتهَوا فإن الله غفورٌ رحيم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكونَ الدين كله لله، فإن انتهَوا فلا عدوان إلا على الظالمين. الشهرُ الحرام بالشهر الحرام والحرماتُ قِصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين )) .
وللعلماء في هذه المرحلة رأيان:
الرأي الأول:
أن الله تعالى فرض على المسلمين أن يقاتلوا أعداءهم الكفار إذا بدأ هؤلاء بقتال المسلمين فقط، مستدلين بأدلة من نفس هذه الآيات.
أولاً: قوله تعالى: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم )) أي الذين يبدءونكم بالقتال.
ثانياً: قوله تعالى: (( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) والمراد بالاعتداء المنهي عنه على هذا الرأي أن يبدأ المسلمون بقتال الكافرين الذين لم يقاتلوهم.
ثالثاً: قوله تعالى: (( فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم )) أي إذا انتهى الكافرون من قتال المؤمنين.
رابعاً: قوله تعالى: (( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ))
وفي الجملة فالآيات تدل بظاهرها على وجوب رد العدوان الذي يبدأ به الكافرون على المؤمنين، وعلى هذا فقد كان القتال فرضاً على المسلمين في حالة بدء الكفار بقتالهم، ومحظوراً عليهم بالنسبة لمن سالمهم ولم يقاتلهم.
ويبني أهل هذا الرأي عليه أن هذه المرحلة – التي كان محظوراً فيها قتال من لم يبدأ المسلمين بالقتال – نُسخت بالآيات التي نزلت بعد ذلك، وهي صريحة في الأمر بقتال الكفار حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون، كما في سورة التوبة، وعلى هذا الرأي الربيع وابن زيد وابن القيم، فتكون مراحل القتال عندهم أربعاً:
الأولى: حظره على المسلمين عندما كانوا في مكة.
الثانية: إباحته لهم في أول الأمر بالمدينة.
الثالثة: فرض عليهم بالنسبة لمن بدأهم بالقتال.
الرابعة: فرضه عليهم مطلقاً وهي المرحلة الأخيرة.
الرأي الثاني:
أن فرض القتال كان عاماً في قتال الكفار، من بدأ منهم بالقتال ومن لم يبدأ، فكل من كان في حالة من يقاتل المسلمين يجب قتاله، لأن الأصل فيهم عدم المسالمة، بل المقاتلة والفتنة، ولا يقفون عن هذا الأصل إلا إذا عجزوا، وذلك لا يقتضي كف المسلمين عنهم حتى يعدوا العدّة وتقوى شوكتهم على المسلمين.
والدليل على عدم مسالمتهم قوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا) .
ويفسر أهل هذا الرأي الاعتداء المنهي عنه، بتجاوز المسلمين القادرين على القتال من الكفار إلى غيرهم ممن لا يقاتلون ولا يعينون على القتال، كالنساء والصبيان والشيوخ والرهبان الذين انقطعوا للعبادة، فإن قتال هؤلاء لا يجوز كما ورد النهي عنه في نصوص أخرى ستأتي في مكانها. ويفسرون الانتهاء في قوله: (فإن انتهَوا فإن الله غفور رحيم) وقوله: (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) بترك الكفر والدخول في الإسلام، أو إعطاء الجزية والكفّ عن محاربة الله ورسوله.
وعلى هذا الرأي لا يوجد نسخ، وإنما زيد حكم الجزية الذي لم تتعرض له سورة البقرة، في سورة التوبة.
وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وعمر بن عبد العزيز، واختاره ابن جرير الطبري وابن كثير في تفسيريهما.
وتكون مراحل القتال ثلاثاً فقط:
الأولى: الحظر عندما كان المسلمون في مكة.
الثانية: الإباحة في أول الأمر بالمدينة.
الثالثة: فرضه مطلقاً
والظاهر أنّ هذا هو أرجح الأقوال، لأن الاعتداء المنهي عنه في الآيات، فسّر بنصوص السنة التي نهت عن قتل النساء والصبيان والشيوخ والرهبان.
والكفار الذين ليسوا من هذه الأصناف، هم في حالة من يقاتل المسلمين ولا يكفّون عن ذلك إلا لعجز، وعجزهم لا يسوغ كفّ المسلمين عنهم حتى يستعدوا لقتالهم، بل يجب مبادرتهم لإعلاء كلمة الله وخضد شوكة أعدائه.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️