الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته الحلقة (64)
الفرع الثالث: حكم المراحل الجهادية:
بدأت الدعوة بعد البعثة النبوية سراً، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بالجهر بها فبلغ ما أمره به ربه، وأمر خلال ذلك بالصبر على الأذى والصفح والكفّ عن القتال، إلى أن هاجر هو وأصحابه إلى المدينة، ثم أذن لهم في قتال الظالمين، ثم فرض عليهم قتالهم – إذا بدأوا بالقتال، أو مطلقاً كما مضى – وكانت أخر مراحل الجهاد – بمعناه الخاص – قتال الكفار كافة، ونبذ عهودهم إليهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون – على خلاف في غير أهل الكتاب –
فما حكم هذه المراحل الجهادية التي مرّت بها الدعوة الإسلامية؟
عندما يمر القارئ بنصوص القرآن المتضمنة للمراحل المذكورة يجد أن كثيراً من المفسرين والمؤرخين، وغيرهم من العلماء ينصون على نسخ المراحل كلها بنصوص المرحلة الأخيرة التي يطلقون عليها آية السيف.
ومعنى هذا أنه يجب على المسلمين أن يقاتلوا كفار الأرض كلهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون، لأن هذه هي المرحلة الأخيرة وقد نسخت ما قبلها من المراحل، والمنسوخ لا يجوز العمل به.
ولكن رجح كثير من المحققين عدم النسخ لأي مرحلة من المراحل الجهادية وهو الظاهر .
وعلى ذلك فإن للمسلمين أن يعملوا بحكم أي مرحلة منها، إذا كانت ظروفهم فيها مشابهة للظروف التي نزلت فيها آياتها، والقول بغير هذا يؤدي إلى مواجهة الواقع بما لا يكافئه، وبالتكليف بما هو فوق الطاقة.
فالمسلمون القادرون على الدعوة سراً فقط، لا يجوز تكليفهم الجهر بها كما هو الحال في الدول الشيوعية، وغيرها من الدول الكافرة التي لا تأذن بالدعوة إلى الله، بل تنزل العقاب على من يتصدى لذلك.
وإذا كانت بعض الدول تأذن بتبليغ بعض أمور الإسلام، كالعبادات الظاهرة، مثل الصلاة والصيام والحج، وتحظر غيرها، كالزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الجهاد، وعدم موالاة الكافرين وتحكيم شرع الله، فيجب على الدعاة إلى الله أن يدعوا جهراً إلى الأمور المأذون فيها، ويدعوا إلى غيرها سراً.
فإذا آذاهم أعداء الله وامتحنوهم بسبب دينهم، فإن كانوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم بدون إلحاق الضرر القاضي عليهم وعلى أهليهم، فعليهم أن يدافعوا، وإذا لم يكونوا قادرين، لقلة عددهم وسيطرة عدوهم على أجهزة الدولة، فعليهم أن يصبروا حتى يحكم الله بينهم وبين عدوهم.
فإذا أصبحوا قادرين على قتال الكافرين وإخضاعهم لكلمة الله تعالى، بأن قامت لهم دولة أو ما يشبهها فيجب أن يبدءوا أعداء الله بالقتال وهكذا … كل مرحلة يحتاج المسلمون إلى تطبيقها جاز لهم ذلك. ولكن يجب عليهم السعي المتواصل لتطبيق المرحلة الأخيرة.
قال سيد قطب رحمه الله:
(ولكنا فقط نبادر فنقول: إن تلك الأحكام المرحلية ليست منسوخة بحيث لا يجوز العمل بها في أي ظرف من ظروف الأمة المسلمة، بعد نزول الأحكام الأخيرة في سورة التوبة، ذلك لأن الحركة في الواقع الذي تواجه في شتى الظروف والأمكنة والأزمنة هي التي تحدد، عن طريق الاجتهاد المطلق، أي الأحكام هو الأنسب للأخذ به في ظرف من الظروف … مع عدم نسيان الأحكام الأخيرة التي يجب أن يُصار إليها، متى أصبحت الأمة المسلمة في الحال التي تمكنها من تنفيذ هذه الأحكام، كما كان حالها عند نزول سورة التوبة وما بعدها، ذلك أيام الفتوحات الإسلامية التي قامت على أساس من هذه الأحكام الأخيرة النهائية سواء في معاملة المشركين أو أهل الكتاب …) .
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️