الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته (68)
تنشيط المجاهدين في وقت الإعداد للقتال بترديد بعض الأناشيد الإسلامية ورفع الصوت بها:
ومن آداب الجهاد مشاركة القائد جيشه في العمل والإعداد لقتال العدو والترويح عنهم، بترديد بعض الأناشيد الإسلامية المشجعة مع رفع الصوت بذلك، لما فيه من جلب النشاط والتشجيع على العمل والتهييج على العدو، وما ورد من كراهة رفع الصوت عند القتال لا ينافي رفع الصوت عند الإعداد.
ففي حديث البراء رضي الله عنه قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره، وكان رجلاً كثير الشعر وهو يرتجز برجز عبد الله:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
========= ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
========= وثبِّت الأقدام أن لاقينا
أنّ العِدا قد بَغَوا علينا
========== وإن أرادوا فتنةً أبينا
يرفع بها صوته
قال الحافظ:
(وجرت عادة العرب باستعماله – الرجز – في الحرب ليزيد في النشاط، ويبعث الهمم، وفيه جواز تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بشعر غيره … إلى أن قال: وكان المصنف – يعني البخاري – أشار في الترجمة بقوله: رفع الصوت في حفر الخندق إلى أن كراهة رفع الصوت مختصة بحال القتال، وذلك فيما أخرجه أبو داود من طريق قيس بن عبادة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال). .
تقسيم الجيش إلى مجموعات ونصب عريف أو نقيب على كل مجموعة ليسهل على القائد الضبط ويتحقق النظام:
من الضروري للقائد أن يكون جيشه منضبطاً منظماً تنظيماً يمكنه من تبليغ ما يريد تبليغه إياهم بأقصى سرعة ممكنة، كما أنه قد يحتاج إلى إقناعهم بأمر ما من أمور الحرب، ويصعب إقناع كل فرد على حدة لكثرتهم، وقد يظهر بعضهم رضاه بما يأمرهم به القائد، فيظن القائد أن الجيش كله قد وافق على ذلك، مع أن بعضهم قد يكون غير راضٍ..
وفي ذلك ما فيه من الخطر الذي قد يقع ممن لم يرضَ بذلك الأمر في وقت يصعب فيه تدارك الأمر، لذلك يجب أن يقسم القائد المسلم جنده إلى مجموعات طبقاً لما تقتضيه المصلحة، ويؤمر على كل مجموعة عريفاً أو نقيبا يكون مسئولاً عنهم، وعن طريقه تكون البلاغات والأوامر والمشاورة، وغير ذلك من الأمور.
ففي غزوة حُنَيْن:
جاءه هوازن يطلبون منه صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم ما أخذ من أموالهم، وسبي من مواليهم ونسائهم، فخطب في أصحابه قائلاً: ( أما بعد فإن إخوانكم قد جاؤونا تائبين، وإني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل ).
فقال الناس: (قد طيبنا ذلك يا رسول الله) فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: ( إنا لا ندري من أذِن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم ) فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا .
وقال الحافظ:
(وهو – أي العريف – القائم بأمر طائفة من الناس من عرُفت بالضم وبالفتح على القوم أعرُف بالضم فأنا عارف وعريف أي وليت أمر سياستهم وحفظ أمورهم، وسمى بذلك لكونه يتعرف أمورهم حتى يُعَرَّف بها من فوقه عند الاحتياج إهـ.
ووجه الدلالة من هذا الحديث وجود عرفاء في المعركة بمقتضى تنصيبهم قبل البدء فيها، بأن يكون لكل مجموعة منهم عريف يرعى شؤونهم ويبلغهم أوامر القائد وتعليماته ويرفع إليه ما هم في حاجة إليه.
وفي هذا الحديث الشريف تربية عملية من الرسول صلى الله عليه وسلم لمن ولي أمور المسلمين ألا يتصرف في حقوقهم بدون إذنهم، فهو صلى الله عليه وسلم ولي أمر المسلمين وكان أصحابه رضي الله عنهم يقدمون طاعته على رغبات أنفسهم، ويقدمون محبته على محبة أرواحهم، يتسابقون لإنفاذ أوامره..
وهو صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يظلم أو يجور أو يتبع هوى أو شهوة، ومع ذلك يطلب من أصحابه أن يردوا سبي هوازن فيلبون طلبه، ولكنه يخشى أن يكون بعض الأفراد غير راضين، فلا يبتُّ في الأمر حتى يرد الأمر إلى عرفاء الناس الذين يستطيعون أن يعرفوا رأي كل واحد من جماعتهم، ليستيقن صلى الله عليه وسلم أن القوم راضون غير مكرهين ولا محرجين.
فأين هذا الأدب النبوي العظيم مما يعمله من ولاّهم الله رقاب المسلمين من الزعماء الذين يغتصبون حقوق الناس بدون حق، ويعملون شتى أنواع الحيل للوصول إلى ذلك، إما في صورة قانون جائر، وإما عن طريق بطش ظالم..!!..
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️