الجهاد في سبيل الله الحلقة (71)

ملتقى الإيمان

الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ( 71 )

( 10 ) دعوة الكفار إلى الإسلام قبل القتال..

المقصود من الجهاد في سبيل الله تعالى:
رفع راية الإسلام، وهداية الناس إلى الله، وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله، والأصل في ذلك أن يبلّغ الناس هذه الدعوة بالوسائل الممكنة ويشرح لهم محاسن الإسلام، وأنه فرض على كل الناس أن يدخلوا فيه، وأنه لا دين حق في الأرض سواه..

(( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))

(( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ )) .

حكم الدعوة قبل القتال

واختلف العلماء في حكم الدعوة قبل القتال.

فذهب الحنفيون إلى وجوبها على المجاهدين في حق من لم تبلغهم الدعوة، وإلى أنها أفضل في حق من بلغتهم الدعوة، وإلى جواز تركها في حق من بلغتهم وخشي تحصنهم إذا أنذروا، معاجلة المسلمين بالحرب .

وقريب من هذا ما ذهب إليه الشافعيون، إلا أن الحنفيين قالوا إذا قاتل المسلمون الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة فقتلوهم لم يضمنوا، وقال الشافعيون يضمنون .

والظاهر من مذهب الحنابلة وجوب الدعوة أيضاً في حق من لم تبلغهم واستحبابها في حق من بلغتهم، وفرق بعضهم بين أهل الكتاب والمجوس فيقاتلون بدون دعوة لأن الدعوة بلغتهم، وبين الوثنيين فيجب دعوتهم .

ولا دليل على هذا التفريق، لأن المدار على بلوغ الدعوة وعدمه، والأمة التي بلغتها الدعوة الآن، قد يأتي زمان عليها لم تبلغها الدعوة فيه، ومما يدل على عدم صحة هذا التفريق قصة سلمان الفارسي مع قومه (وهم مجوس)..

كما في الترمذي، عن أبي البحتري (سعيد بن فيروز رحمه الله):
أن جيشاً من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي، حاصروا قصراً من قصور فارس، فقال المسلمون: ألا ننهد إليهم؟

قال:
"دعوني أدعوهم،كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فأتاهم"..

فقال:
"إنما أنا رجل منكم فارسي، وترون أن العرب يطيعونني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، ورطن إليهم بالفارسية: وأنتم عير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء:.. ".

قالوا :
"ما نحن بالذي نعطي الجزية، ولكننا نقاتلكم ، قالوا : يا أبا عبد الله : ألا ننهد إليهم؟ ".

قال:
"لا فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا"..

ثم قال :
انهدوا إليهم، فنهدوا إليهم، ففتحوا ذلك القصر ..

أما المالكيون فذهبوا إلى وجوب الدعوة قبل القتال مطلقاً، أي سواءً بلغتهم أم لم تبلغهم.. .

ومحصَّل الأقوال:
أن الحنفيين والشافعيين والحنابلة يرون التفصيل: وجوب الدعوة في حق من لم تبلغهم، وعدم وجوبها في حق من بلغتهم..

وأن المالكين يرون وجوب الدعوة مطلقاً..

إلا أن الذي نص عليه ابن عبد البر في الكافي يوافق ما نص عليه في المذاهب الثلاثة حيث قال:
"وكل من بلغته دعوة الإسلام لم يحتج إلى أن يدعى، وكل من لم تبلغه لم يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام، وكان مالك يستحب ألا يقاتل العدو حتى يدعوا إلى الإسلام بَلَغَتْهُم الدعوة أو لم تبلغهم إلا أن يعجلوا عن ذلك فيقاتلوا".. .

ويحكى قول ثالث وهو عدم الوجوب مطلقاً .

وأرجح الأقوال - فيما يظهر – التفصيل، وهو:
وجوب الدعوة إلى الإسلام في حق من لم تبلغهم قبل القتال، لأنهم حينئذ لا يدرون على ماذا يقاتلون؟ وقد يفسرون مقاتلهم أنها من أجل نهب أموالهم ونحو ذلك، وإقامة الحجة واجبة

(( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )) .

ويدل على هذا حديث بريدة:
( إذا لقيت عدوك، فادعهم إلى ثلاث خصال … ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فكف عنهم واقبل منهم …)

واستحباب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال في حق من بلغتهم قبل ذلك ولم يخشَ معاجلتهم المسلمين أو فواتهم عليهم، مبالغة في الإنذار الذي قد يهدي الله به القوم..

ويدل على هذا أن يهود خيبر كانوا قد بلغتهم الدعوة، ومع ذلك فقد سأل علي رضي الله عنه عندما أعطي الراية وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم فقال: "يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟"

فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
( انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه … الحديث) .

فإن كانوا قد بلغتهم الدعوة ودلّت القرائن على أنهم يبيتون للمسلمين شراً أو يجمعون جموعهم لقتال المسلمي، فالذي يظهر أنه يجب في هذه الحالة على المسلمين أن يغيروا عليهم دون إنذار سابق، لأن المسلمين على حق والكفار على باطل..

والفرصة إذا سنحت للمسلمين يجب عليهم اغتنامها وعدم تفويتها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ) .

ولعل إغارة الرسول صلى الله عليه وسلم على بني المُصْطَلِق وهم غارُّون – أي غافلون – من هذا الباب، لأنهم كانوا ضمن الأحابيش الذين غزو الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، كما أنهم كانوا يجمعون لقتاله قبل أن يغزوهم .

وكذلك غزوة تبوك إذ كان الروم يتحفزون لغزو المسلمين.

ويحصل بلوغ الدعوة بانتشارها، وعلم الناس عنها في الجملة، لأن سماعهم بها يلزم الاستفسار عنها وتعلمها، وقد كان كثير من المشركين يبعثون من يأتيهم بخبرها أو يسافرون بأنفسه لسماعها.

وقد توافرت في هذا العصر الوسائل التي يمكن تبليغ الدعوة بها إلى كافة الناس بلغاتهم: مثل الإذاعة والتلفاز، والهاتف والأشرطة المسجلة، والكتب المترجمة، والصحف والمجلات والإنترنت … وغيرها.

ويكفي أن يبلغ زعماء الأمم تلك الدعوة ويطلب منهم أن يبلغوا قومهم وأن يدخلوا جميعاً في الإسلام، وهم الذين يتحملون بعد ذلك مسئولية قومهم إن لم يبلغوهم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كاتب الملوك والرؤساء.

كما في كتابه صلى الله علسه وسلم إلى هرقل ما نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين

(( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )) .

وفي حديث أنس رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. .

وهكذا فعل أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم..

عن أبي وائل قال:
"كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس "بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران في ملأ فارس، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنا ندعوكم إلى الإسلام، فإن أبيتم فاعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتال قي سبيل الله، كما تحب فارس الخمر، والسلام على من اتبع الهدى".. .
0
389

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️