الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته (65)
المبحث الخامس آداب الجهاد في سبيل الله
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول : آداب الجهاد قبل خوض المعركة.
الفرع الثاني : آداب الجهاد أثناء المعركة.
الفرع الثالث : آداب الجهاد بعد المعركة.
الفرع الرابع : بعض آداب الجهاد العامة.
آداب الجهاد في سبيل الله
يمتاز الجهاد في سبيل الله كغيره من فرائض الإسلام وتشريعاته، عن الحروب الجاهلية ونظمها وقوانينها في الأهداف والوسائل وغيرها، لأن فرائض الإسلام ومنها الجهاد في سبيل الله، من عند الله تعالى، ونظم الجاهلية ومنها الحروب، من عند البشر، والفرق بين شريعة الله، وقوانين البشر كالفرق بين الخالق والمخلوق.
وآداب الجهاد في الإسلام ويعني بها ما يطلب فعله وما يطلب تركه، فمنها ما هو فرض يجب أداؤه، ومنها ما هو محرم يجب تركه، ومنها ما هو مندوب يسنّ الإتيان به.
ثم منها ما يكون قبل المعركة، ومنها ما يكون في أثنائها، ومنها ما يكون، بعدها، وقد يكون يعض الآداب مشروعا على أي حال – مثل أن إخلاص المجاهد جهاده لله تعالى، وعلى هذا الأساس الأخير يرتب هذا المبحث.
الفرع الأول: آداب الجهاد المشروعة قبل خوض المعركة:
1 ) الإخلاص لله تعالى في أداء هذه الفريضة:
والإخلاص، معناه تصفية العمل من شوائب الشرك كبيره وصغيره، وهو مطلوب من المسلم في كل أعماله، كما قال تعالى: (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ))
وقال تعالى: (( قل إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إليّ إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً )) .
وقال تعالى في الحديث القدسي: (( من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إنما الأعمال بالنيّة ولكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) .
وقال الفُضَيل بن عياض في قوله تعالى: (( ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً )):
"أخلصه وأصوبه، قيل: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: أنّ العمل لا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص ما ابتغى به وجه الله، والصواب ما كان موافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
والنصوص في هذا المعنى كثير من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح. وهي عامّة في كل عمل يتقرب به الإنسان إلى ربه تعالى.
وقد خصّت فريضة الجهاد بالتأكيد على الحرص على إخلاص المجاهد نيته لله تعالى، لأن تسرب الرياء إلى المجاهد أسرع منه إلى غيره، ولهذا عنيت النصوص بذلك غاية العناية.
فالجهاد نفسه يرد في كتاب الله وسنّة رسوله مقيّداً بهذا القيد: (في سبيل الله) وسيأتي ذلك مفصلاً أن شاء الله في مبحث: أهداف (الجهاد في سبيل الله) مقارناً بأهداف الحروب الجاهلية.
ويكفي أن يُساق هنا ما كان يوصي به النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه وجيوشه إذا جهزهم للجهاد في سبيل الله.
ففي حديث بريدة رضي الله عنه قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: (اغزوا باسم الله …". فالغزو ابتداءً يُراد به وجه الله تعالى، لأنه يغزو باسمه لا باسم غيره.
وكذلك جوابه صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء: أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا: فهو في سبيل الله) . ) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ]
لذلك يجب على المجاهدين في سبيل الله أن يتذكروا هذا الأمر العظيم عند خروجهم حتى تكون جميع أعمالهم وحركاتهم في سبيل الله.
كما قال تعالى: (( ما كان لأهل المدينة ومن حَوْلهم من الأعراب أن يتخلَّفوا عن رسول الله ولا يَرْغبون بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم لا يصيبهم ضمأ ولا نَصَب ولا مَخْمصة في سبيل الله، ولا يطئون مَوْطئاً يَغِيض الكفار، ولا ينالون من عدو نَيْلاً إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجرَ المحسنين، ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبير ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم، ليجزيَهم الله أحسن ما كانوا يعملون )) .
2 ) ومن آداب الجهاد الحفاظ على تقوى الله تعالى والازدياد منها:
وقد أمر الله بتقواه عموماً في نصوص كثيرة من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل مدح التقوى وأثنى على أهلها، وجعلهم أهلاً للاهتداء بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم من الناس.
فأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم: (( يا أيها النبي اتَّقِ الله ولا تُطِع الكافرين والمنافقين، إن الله كان عليماً حكيماً )) .
بل إن الله تعالى جعلها وصيته للأولين والآخرين، فأمرهم بها جميعاً، كما قال تعالى: (( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله )) .
وكل رسول أمر بها قومه: (( فاتقوا الله وأطيعون )) .
ومدح التقوى، فقال: (( ولباس التقوى ذلك خير )) .
وقال: (( وتزوّدوا فأن خير الزاد التقوى واتَّقون يا أُولي الألباب )) ، وأثنى على أهلها وجعلهم أحقّ بها وأهلها، فقال: (( فأنزل الله سكينتَه على رسوله والمؤمنين، وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحقَّ بها وأهلها )) .
وقال تعالى: (( ألم ذلك الكتاب لا رَيْب فيه هُدَىً للمتقين )) .
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمراً عاماً، فقال: (اتِّقِ الله حيثما كنت) .
وأوصى بها المجاهدين عند تشييعهم كما سبق من حديث بريدة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله …) .
والحد الأدنى من تقوى الله أن يأتي الإنسان بالفرائض التي فرضها الله، وأن يجتنب المعاصي التي حرّمها الله تعالى، وذلك موجب للجنة، كما ثبت في صحيح مسلم في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرّمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً أدخل الجنة؟ قال: نعم) .
وفي حديث أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) قال النووي: (حديث حسن، رواه الدار قطني وغيره) .
والحدّ الأعلى للتقوى أن يصل المسلم في وَرَعه إلى ملازمة نوافل الطاعات واجتناب المكروهات، بل أن يصل إلى ترك بعض المباحات خشية من الوقوع في المكروهات أو المحرمات.
كما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري أن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: من عادَى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) .
وفي حديث عطية السعدي، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتَّقين حتى يدع ما لا بأس به حَذَراً مما به بأس)، قال ابن كثير بعد أن ساق إسناد الحديث ومتنه: قال الترمذي: حسن غريب .
وفي المبسوط للسرخسي:
"وإنما يوصيه يتقوى الله تعالى، لأنه بالتقوى ينال النصرة والمدد من السماء، قال تعالى: (( بل إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم )) ، وبالتقوى يجتمع للمرء مصالح المعاش والمعاد" .
وسيأتي مزيد من الكلام على التقوى في بعض الفصول القادمة إنشاء الله ولا سيما فصل عوامل النصر والهزيمة.
والمقصود هنا بيان تذكير المجاهد بما يشرع له قبل بدئه في قتال عدوه بهذا الأمر العظيم الذي لا يصلح للجهاد من فقده.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️