الجهاد في سبيل الله (15)

ملتقى الإيمان

( 15 )
======== الكفر مانع من صحة العبادة ، وليس بعذر =======
الكفر لا يعتبر عذرا يسقط التكليف بالعبادة عن الكافر ، وإنما هو مانع عن صحة الأداء ، بمعنى أنه لا يترتب على أداء الكافر أيَّ عبادة إسقاط فريضة وقبول عمل و ثواب ،كما قال تعالى : ) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (
ويبحث علماء أصول الفقه هذا الموضوع في مبحث : هل يخاطب الكافر بفروع الشريعة ؟
وهذا يشمل جميع الأعمال التي يؤديها الكافر ، ظنا منه أنها تنفعه عند الله ، ولو كانت من أعمال البر ، كالصدقة وبر الوالدين وغيرها ، لأن الإيمان أساس لقبول الأعمال وترتب الأجر والثواب عليها ، ولهذا قيد الله دخول من عمل صالحا الجنة بكونه مؤمنا ، كما قال تعالى : ) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فألئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (
وقال تعالى : ) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم آجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (
والجهاد من أعظم الأعمال الصالحة التي لا تصح من كافر ، وهو – أي الجهاد – ملازم لهذا القيد الذي لا ينطبق على عمل الكافر .
وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأعمال التي ظاهرها الصلاح ، الصادرة من الكافر : هل تنفعه ؟ فأجاب أنها لا تنفعه بسبب كفره ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت ك قلت : يا رسول الله ، عبد الله بن جدعان ، كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم المسكين ، فهل ذلك نافعه ؟ قال : ( لا ينفعه . إنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) أي إنه لم يؤمن بالله واليوم الآخر .
ومنع الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل المشرك الذي تردد عليه مرتين يستأذنه في القتال معه ، ليصيب من المغنم وهو على شركه ، ثم إذنه له بعد أن دخل في الإسلام ، دليل واضح على عدم صحة الجهاد من الكافر ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ بدر ، فلما كان بحرة الوَبَرة ، أدركه رجل قد كان يدرك منه جرأة ونجدة ، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئت لأتبعك وأصيب معك ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تؤمن بالله ورسوله ؟ ) قال : لا . قال : ( فارجع فلن أستعين بمشرك ) قالت : ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل ، فقال : كما قال أول مرة . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال له أول مرة ، قال : ( ارجع فلن أستعين بمشرك ) قال : ثم رجع فأدركه بالبيداء ، فقال له كما قال أول مرة : ( تؤمن بالله ورسوله ) قال : نعم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فانطلق )
هل يجوز الاستعانة بالكفار في الحرب ؟
وقد اختلف العلماء في التوفيق بين حديث عائشة المذكور ، وأحاديث أخرى حصلت فيها الاستعانة بمشركين . قال الإمام النووي رحمه الله : " وقد جاء الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه ، فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول – أي حديث عائشة – على إطلاقه ، وقال الشافعي وآخرون : إن كان الكافر حسن الرأي ، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به ، استعين به ، وإلا فيكره ، وحمل الحديثين على هذين الحالين "

وهناك وجوه أخرى في الجمع بين الحديثين .
والذي يظهر أن الأصل عدم مشروعية الاستعانة بكافر ، إلا في حالات نادرة يعلم فيها من حال الكافر – أو تدل القرائن – على صدقه وعدم خيانته ، وتكون الحاجة إلى الاستعانة به شديدة ، لعدم وجود من يستعان به من المسلمين في تلك الحالة : " وإن كان في الاستعانة به مصلحة للمسلمين ، كما استعان الرسول صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط ، إذ كان دليله في الهجرة إلى المدينة ، زكما استعان بصفوان بن أمية في غزوة حنين "
هل يجوز الاستعانة بالمسلم الفاجر ؟
أما الاستعانة بالرجل الفاجر الذي يظهر الإسلام ، فقد دلت السنة على جوازها ووقوعها ، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، الذي ترجم له الإمام البخاري رحمه الله بقوله : ونص الحديث كما يأتي : " شهدنا مع رسول الله عليه وسلم ، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام : ( هذا من أهل النار ) فلما حضر القتال قاتل الرجالَ قتالا شديدا ، فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله ، الذي قلت : إنه من أهل النار ، فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا ، وقد مات ، فغال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إلى النار ) قال : فكاد بعض الناس أن يرتاب ، فبينما هم على ذلك ، إذ قيل : إنه لم يمت ، ولكن به جراحا شديدا ، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح ، فقتل نفسه . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : ( الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ) ثم أمر بلالا فنادى في الناس : ( إنه لا يدخل الجنة غلا نفس مؤمنة ، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )
وقال ابن تيمية رحمه الله : " ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار ، أو مع عسكر كثير الفجور ، فإنه لا بد من أحد أمرين : إما ترك الغزو معهم ، فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضررا في الدين والدنيا ، وإما الغزو مع الأمير الفاجر ، فيحصل بذلك دفع الأفجرين ، وإقامة أكثر شرائع الإسلام ، وإن لم يُمكن إقامة جميعها ، فهذا واجب هذه الصورة وكل ما أشبهها ، بل كثير من الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين ، لم يقع إلا على هذا الوجه "
وذكر بعض الكتاب المعاصرين الإجماع على جواز الاستعانة بالمنافق والفاسق ، لخروج المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال . .
0
522

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️