( 18 )
خامسا : الرق .
العبد المملوك مأمور بطاعة سيده ، ولا يجوز له أن يعصيه ن ما لم يأمره بمعصية ، وطاعة العبد سيده شبيهة بطاعة الولد أبويه أو أحدهما ، وقد ثبت للعبد المملوك الذي يجمع بين طاعة ربه وطاعة سيده أجرين ، كما في حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( للملوك الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والطاعة أجران ) البخاري بفتح الباري %/177
وقد حفز هذا الأجر المضاعف أبا هريرة رضي الله عنه على التطلع إليه ، حتى كان يود أن يكون عبدا لولا أن ذلك يحول بينه وبين حريته الكاملة في أداء طاعة الله وطاعة أمه ، فقد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وللعبد المملوك الصالح أجران ) والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله ، والحج ، وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك. البخاري بفتح الباري ( 5/175) ومسلم (3/1284) قوله : " والذي نفسي بيده … " من كلام أبي هريرة ، كما ذكر الحافظ في الفتح .
وفي كلامه هذا دليل على أن العبد لا يجوز له أن يجاهد إلا بإذن سيده ، قال الحافظ : " وإنما استثنى أبو هريرة هذه الأشياء ، لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد .. " ولو لم يكن إذن استئذان العبد سيده في حضور الجهاد واجبا ، لما قال أبو هريرة ذلك ، ما دام الرق لا يمنعه من الجهاد متى شاء .
ومما يستدل به على استئذان العبد سيده ، حديث عمير مولى آبي اللحم ، قال : " شهدت خيبر مع سادتي ، فكلموا فيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بي فقُلِّدت سيفا ، فإذا أنا أجره ، فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثى المتاع " رواه أبو داود (3/171)
قال ابن الأثير في النهاية : " والخرثى أثاث البيت ومتاعه . وقال المحشي على سنن أبي داود : وأخرجه الترمذي والحاكم وصححه . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
وراجع : فتح القدير (5/442) لابن الهمام ، وحاشية ابن عابدين (4/125) ، وحواشي تحفة المحتاج (9/231) ، والمغني (9/197) لابن قدامة .
( 19 )
سادسا : الدَّين
والمدين الذي ليس عنده ما يتركه لقضاء دينه الحال ، ليس له أن يخرج إلى الجهاد في بسبيل الله بدون إذن دائنه ن بل عليه أن يبقى ليعمل ويقضي دينه ما لم يأذن له صاحب الدين ، لأن خطايا المجاهد الذي يقتل في سبيل الله تكفر ما عدا الدين ، كما في حديث قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم ، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجل ، فقال : يا رسول الله : أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب ، مقبل غير مدبر " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف قلت " ؟ قال : أريت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ، إلا الدين ، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك ) رواه مسلم (3/1501)
أما إذا كان عنده ما يتركه لقضاء دينه ، فلا يدخل في ذوي الأعذار الذين يجوز لهم التخلف عن الجهاد ، أو يجب عليهم التخلف .
ومما يدل على ذلك ما ورد عن أبي الدرداء رض ي الله عنه ، أنه كان يقف حين ينتهي إلى الدرب ، وفي ممر الناس إلى الجهاد ، فينادي نداء يُسمِع الناس : أيها الناس ، من كان عليه دين ، ويظن أنه إن أصيب في وجهه هذا لم يدَعْ له قضاء ، ولا يتعنىَّ ، فإنه لا يعود كفافا " جامع الأصول (2/580)
ومثل الدين في عدم التكفير للخطايا جميع حقوق الآدميين ، فإن الجهاد وغيره من الطاعات لا تكفرها ، وإنما تكفر حقوق الله تعالى . يراجع شرح النووي على مسلم (13/29)
هذا ، ولا يلزم من عدم تكفير الجهاد في سبيل الله الدين ونحوه ، أنه لا يكتب للمجاهد أجر جهاده وشهادته ، فذاك شيء وهذا شيء آخر ، بل يرى بعض العلماء جواز خروج المدين بدون استئذان صاحب الدين ، إذا كان رضي ببقاء ذنب الدين عليه ، كما قال الشوكاني رحمه الله : " وغاية ما اشتملت عليه أحاديث الباب هو أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه إلا ذنب الدين ، وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد إلا بإذن من له الدين ، بل إن أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب ، استأذن صاحب الدين في الخروج ، وإن رضي بأن يبقى عليه ذنب واحد جاز له الخروج بدون استئذان " نيل الأوطار (7/251) ويراجع تكملة المجموع (18/56) وحواشي تحفة المحتاج (9/232) وروضة الطالبين (10/210) وحاشية ابن عابدين (4/126).
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️