الجهاد في سبيل الله (22-23)

ملتقى الإيمان

( 22 )
إذا نصحوا الله ورسوله
هذا ويجب أن يعلم – هنا – أن هؤلاء الذين يكتب الله لهم الأجر وهم في بيوتهم لعدم قدرتهم على مباشرة الجهاد ، إنما هم الناصحون لله ورسوله ، الذين تكاد قلوبهم تطير من شدة رغبتهم وقوة حرصهم على الجهاد في سبيل الله إلى أرض المعركة ، الذين اشتدَّ ندمهم وظهر حزنهم بسبب عجزهم عن القيام بأمر الجهاد مباشرة ، ولهذا قيَّد الله نفي الحرج عن ذوي الأعذار بقوله : ( إذا نصحوا لله ورسوله ) .
وقد ضرب الله لهم مثلاً بالبكائين الذين طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحملهم ليخرجوا معه لجهاد الأعداء ، فاعتذر بأنه لا يجد ما يحملهم عليه ، ، فخرجوا يبكون مغمومين بسبب ذلك ، كما قال تعالى عنهم : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ؛ تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ) ، بخلاف من قعد وهو غير عازم ، أو لم ينصح لله ورسوله .
قال ابن كثير : ( فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ، ولم يرجفوا بالناس ، ولم يُثبّطوهم ولهذا قال : ( ما على المحسنين من سبيل ، والله غفور رحيم ) .

( 23 )
هتاف الشهادة وريح الجنة .
وعلى الرغم من أن الله تعالى عذر عباده المؤمنين الذين قد تحول الأعذار بينهم وبين مباشرة الجهاد إلا بمشقة ، ككبار السن وصغار السن أو بعض ذوي العاهات ، فإن نفوس أهل الإيمان العميق الحيّ المتحرك الصادق لم ترض بالتخلف عن الجهاد ، بل لقد كان الشيخ الكبير السن ، الأعرج الذي عذره الله ينافس أبناءه الشبان الأقوياء على الخروج للجهاد في سبيل الله حرصاً على أن ينال الشهادة ويدخل الجنة ، كما في سيرة ابن هشام : ( أن عمرو بن الجموح كان رجلاً أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه ، وقالوا له : إن الله عز وجل قد عذرك ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن بَنِيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هده في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما أنت فقد عذرك الله ، فلا جهاد عليك ) وقال لبنيه : ( ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة ، فخرج معه فقتل يوم أحد ) .
وكذلك كان الغلمان يتنافسون في الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبذلون كل وسيلة يقدرون عليها لإقناعه صلى الله عليه وسلم بأنهم قادرون على الجهاد معه ، فإذا فاز أحدهم بصفةٍ أذن له بسببها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثب الآخر محتجاً بصفة أخرى ، قال ابن هشام : ( وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ – أي يوم أحد – سَمُرة بن جندب الفَزَاري ورافع بن خديج أخا بني الحارثة وهما أبناء خمس عشرة سنة ، وكان قد ردهما ، فلما أجاز رافعاً ، قيل له يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعاً فأجازه ، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب ) .
وروى ابن جرير في تفسير آية : ( انفروا خفافاً وثقالاً ) بسنده عن حبان بن زيد الشرعبي ، قال : ( نفرنا مع صفوان بن عمرو ، وكان والياً على حمص قِبَل الأفسوس إلى الجراجمة ، فلقيت شيخاً كبيراً هَمًّا قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار ، فأقبلت عليه فقلت : يا عم لقد عذر الله إليك ، قال : فرفع حاجبيه فقال : يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً ، من يحبه الله يبتليه ثم يعيده فيبقيه ، وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله ) .
والخلاصة أن غير القادر على مباشرة الجهاد شرعاً أو طبعاً لا حرج عليه ، بل له ثواب نيته وهو قاعد إذا حسنت نيته ونصح لله ورسوله ، وأن قوة الإيمان تنسي صاحب العذر عذره ، فيكلف نفسه الخروج والقتال طمعاً في الشهادة ونيل رضا الله ودخول جناته .
0
397

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️