الجهاد في سبيل الله (34)

ملتقى الإيمان

( 34 )
حفظ الحق وغلبة الباطل
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبُّهم ويحبُّونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلكم فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليمٌ، إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتولِّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) .
وقال تعالى : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا آمنا ولولا دَفْعُ الله الناس بعضًهم ببعض لَهُدِّمت صوامعُ وبيَعٌ وصلوات ومساجدُ يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور ) . (1)
فالجهاد في سبيل الله يظهر فضله عندما تأسن الأرض بكفر الكافرين وردة المرتدين وإفساد المفسدين، فإذا المجاهدون هم الذين يطاردون الكفر ويقضون على الردة، ويدفعون عن الحق ويغلبون الباطل، فيقوم في الأرض دين الله ويُؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر .
===========================
(1) فائدة مهمة : هذه الآيات الثلاث جاءت بعد آيات الحج من الآية 27 إلى الآية 38 من السورة ، ويبدو لي أن فيها إشارة إلى أن المسلمين الصادقين المخلصين الذين يؤدون مناسك الحج أداء متقنا يُرضيِ اللهَ يكونون مؤهلين لأن ينصرهم الله على عدوهم الذي يعتدي عليهم ، وهم جديرون بالدفاع عن تدنيس المعابد وتخريبها ، سواء كانت مساجد أو غيرها من معابد أهل الكتاب ، ويفهم من ذلك أن المسلمين الذين لا يتصدون لردع المعتدين على مساجدهم ، لا يكونون أهلا لنصر الله تعالى ، وقد يستنبط من الآيات أن المسلمين الذين يؤدون مناسك الحج ولم يدافعوا عن مساجدهم وأماكن العبادة من تخريب المعتدين ،لم يتأثروا بعبادته تعالى في بيته الحرام ، ولو تأثر حجاج بيت الله بعبادة الله في بيته المسجد الحرام ، لما صبروا على أسر اليهود المسجد الأقصى قبلتهم الأولى ومسرى رسوله صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا صدهم عن تحريره صاد ، أوردهم عنه راد ، كما هو الحال اليوم ، حيث نرى الشعوب الإسلامية في القنوات الفضائية ، يتظاهرون كأمواج البحر ، يطالبون حكامهم بفتح الحدود لقاتلوا اليهود وينتصروا لإخوانهم المسلمين العزل الذين يشن العدو اليهودي عليهم بجيوشه وعدده الحربية ، ويقتل صغارهم وكبارهم ، ويهدم بيوتهم ومساجدهم ، فلا يجدون من زعماء العرب إلا الإنكار اللساني الفاتر مع القدرة على غيره ، والتفرج على مآسيهم ، ومجاملة اليهود والنصارى المعتدين فإنا لله وإنا راجعون .
الجهاد أفضل من عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج فيه
قال تعالى : ( أجعلتم سِقاية الحاجِّ وعِمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ؟! لا يستوون عند الله، والله لا يهدي القومَ الظالمين، الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسِهم أعظمُ درجةً عند الله وأولئك هم الفائزون، يُبشرهم ربهم ربُّهم برحمةٍ منه ورضوانٍ وجناتٍ لهم فيها نعيمٌ مقيمٌ، خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم ) .
فضل عمارة المساجد – ولاسيما بيت الله الحرام – عظيم عند الله تعالى، ولكنه يفضله الجهاد في سبيل الله، لأنه لولا الجهاد في سبيل الله ما عُمِرت المساجد، بل تُهدَّم ويصد عن سبيل الله فيها.
قال ابن القيم رحمه الله : ( فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يستوي عنده عُمّار المسجد الحرام - وهم عُمارهُ بالاعتكاف والطواف والصلاة، هذه هي عمارة مساجده المذكورة في القرآن - وأهل سقاية الحاج ، لا يستوون هم وأهل الجهاد في سبيل الله، وأخبر أن المؤمنين المجاهدين أعظم درجة عنده، وأنهم هم الفائزون، وأنهم أهل البشارة بالرحمة والرضوان والجنات، فنفى التسوية بين المجاهدين وعُمَّار المسجد الحرام مع أنواع العبادة، مع ثنائه على عُمّاره بقوله تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن باالله واليوم الآخر، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يَخْشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) فهؤلاء هم عمار المساجد ومع هذا فأهل الجهاد أرفع درجة عند الله منهم ) .
وأي فضل أعظم من عبادة تحقق لصاحبها الرحمة والجنات والرضوان الذي هو غاية المؤمن ومطمح بصرة ؟
وإذا كانت هذه الآية تبشِّر المؤمن بهذا الفضل العظيم فإن آيات أخرى تنكر على المؤمن طلب هذا الفضل بدون الجهاد في سبيل الله : ( أمْ حسبتم أن تدخلوا الجنة ولَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين ) .
0
413

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️