الجهاد في سبيل الله (38)

ملتقى الإيمان

( 38 )
الفرع الثاني : الأحاديث الواردة في فضل الجهاد
حِرْصُ الصحابة على معرفة أفضل الأعمال وممارستها :
لقد كان أصحاب رسول الله – لشدة حرصهم على الإكثار من طاعة الله والاستزادة منها – يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال التي تُرضي ربهم عنهم، فيجيب على أسئلتهم، وقد تختلف إجابته من شخص لآخر، أو من حالة لأخرى، إذ أن السائل قد ينقصه أداء عمل من الأعمال الصالحة، فيذكره الرسول صلى الله عليه وسلم حثاًّ على أدائه، وقد يكون المقام يقتضي أداء عمل آخر من الأعمال الصالحة لحاجة المسلمين إليه، فيذكره صلى الله عليه وسلم حثاً على أدائه، وقد يكون المقام يقتضي أداء عمل آخر من الأعمال الصالحة لحاجة المسلمين إليه، فيذكره صلى الله عليه وسلم في إجابته حضاً على القيام به .. وهكذا .
سأل ابن مسعود رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، كما روى ذلك هو قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : قلت : يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال : ( الصلاة على ميقاتها ) قلت ثم أي ؟ قال : ( ثم بر الوالدين ) قلت ثم أي ؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله ) فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو استزدته لزادني ) .
فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الجهاد في هذا الحديث في الدرجة الثالثة بعد حق الله ، وحق الوالدين .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : دُلني على عمل يعدل الجهاد ، قال : ( لا أجده )، قال : ( هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك ، فتقوم ولا تفتر ، وتصوم ولا تفطر ؟ ) قال : ومن يستطيع ذلك ؟ قال أبو هريرة : ( إن فرس المجاهد ليستنُّ في طِوَله ، فيكتب له حسنات ) .
يضاف إلى ذلك تعقيب أبي هريرة رضي الله عنه : ( إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات ) ، والظاهر أن القاضي عياض يشير إلى هذا بحالات المجاهد وتصرفاته المباحة .
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مؤمن يجاهد بنفسه وماله ) قالوا: ثم من؟ قال: ( مؤمن في شِعْب من الشِعاب، يتقي الله ويَدَع الناس من شره ) .
في هذا الحديث – كذلك – يبدوا حرص الصحابة على التنافس في الأعمال الصالحة التي هي أحب إلى الله ، والسؤال هنا عن أفضل الناس ، ولا يكون أفضل الناس إلا إذا أتى بأفضل ما يحبه الله ورسوله ، وإجابة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة في تعظيم الجهاد في سبيل الله حيث جعل المؤمن المجاهد هو أفضل الناس . بخلاف المؤمن المتقي الذي قَصَر نفسه على نفسه – أي إن أعماله الصالحة لا تتعداه إلى غيره – فإنه جاء في الدرجة الثانية ، ثم إن هذا المؤمن المتقي الذي انزوى في شِعْب من الشِّعاب لا يكون له هذه الدرجة الثانية إلا إذا كان لابد من الانزواء مثل أن يكون الزمن زمن فتنة بين المسلمين ، ،وإلا فإن الاختلاط بالناس ونصحهم مع تقوى الشخص في نفسه أفضل من المتقي المنزوي بدون سبب.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد ؟ قال: ( لَكُنَّ أفضل الجهاد، حج مبرور ) .
وفي الحديث دلالة واضحة على فضل الجهاد وتعظيمه من وجوه :
الوجه الأول : تطلُّع النساء إلى ما سبقهن به الرجال من هذا الفضل .
الوجه الثاني : قول عائشة رضي الله عنها: نرى الجهاد أفضل العمل وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لقولها.
الوجه الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم: ( لَكُنَّ أفضل الجهاد، حج مبرور ) قيَّد كَوْن الحج أفضل الجهاد بكونه للنساء: ( لَكُنَّ ) وفي هذه زيادة تأكيد لكون الجهاد أفضل الأعمال لغير النساء .
وفي حديث أنس رضي الله عنه، قال: كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار ، أكثرنا ظلالاً صاحب الكِساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُوَّام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذهب المفطرون اليوم بالأجر ) .
ويظهر في هذا الحديث فضل من قام بالخدمة في الغزو وهو مفطر، على من صام وعجز عن الخدمة لمشقة الصوم.
قال الحافظ رحمه الله: ( بالأجر، أي الوافر، وليس المراد نقص أجر الصوم، بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصُوَّام ) إلى أن قال: ( قال ابن أبي صُفْرة: فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام ، قلت: وليس ذلك على العموم ) .
قلت : هو كذلك في كل حالة تشبه هذه الحالة : من قام بأعمال الغزو كان أفضل ممن قام بعبادة لازمة شغلته عن عمل الغزو، لأن الجهاد أفضل العمل لا سيما في مثل هذا الوقت الذي يكون المسلمون أحوج فيه إلى التعاون في أعمال الجهاد. والله أعلم.
0
489

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️