( 39 )
================= درجات المجاهدين=============
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها ) فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشِّر الناس ؟ قال: ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ) .
بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حداً أدنى يقف عنده من أراد دخول الجنة غير منافِسٍ في درجاتها العُلاَ، وهو أن يؤمن بالله ورسوله، ويقيم الصلاة ويصوم رمضان ، ولو لم يجاهد في سبيل الله ، وحداً أعلى لمن طمحت نفسه إلى الفردوس والمنافسة في الدرجات العُلا .
وعندما سمع الصحابة رضي الله عنهم الشِّقَّ الأول من الحديث فرحوا به وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم بأن يبشروا الناس بذلك ، فانتقل بهم إلى ما هو أعظم وأفضل ، وهو بيان درجات المجاهدين التي لا ينالها غيرهم من الصنف الأول .
وليس في الحديث تسوية بين الجهاد وعدمه ، كما توهم بعض العلماء من قوله صلى الله عليه وسلم: ( جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها ) بل فيه أن أصل دخول الجنة مضمون له جاهد أو لم يجاهد ، وهذا هو الحدّ الأدنى كما مضى ، أما الحدّ الأعلى فقد ذكره بقوله: ( إن في الجنة مائة درجة ) الحديث ، وهذه علة لترك التبشير، أي لا تبشِّروهم بما سبق ، لئلا يتركوا الأفضل وهو أن في الجنة مائة درجة .. الخ
كما بين ذلك الحافظ مستدلاً برواية الترمذي ونصها: ( قلت يا رسول الله ألا أخبر الناس ؟ قال: ( ذر الناس يعملون ، فإن في الجنة مائة درجة ) قال الحافظ فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه ، فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد .
( 40 )
========== الجنة تحت ظلالا السيوف =============
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه ، كتب إلى عمر بن عبيد الله حين خرج إلى الحروريَّة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ، ثم قام في الناس ، فقال: ( يا أيها الناس لا تمنَّو لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) .
وأي فضل أكبر من هذا الفضل ؟ يصول المجاهد ويجول في حومة الوغى وهو يعلم أنه يتجوَّل في عرصات الجنة تحت ظل سيفه وسيف عدوه ، وما أن يسقط في هذه الأرض حتى يرى مقعده في الجنة وتظِله الملائكة .
==== يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليكرر الشهادة الغالية ! =======
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( انتدب الله لمن خرج في سبيله ، لا يُخرجه إلا الإيمان بي وتصديق برسلي ، أن أُرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة ، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خَلْف سريَّة ، ولوددت أني أُقتل في سبيل الله ، ثم أحيا ثم أُقتل ، ثم أحيا ثم أُقتل ) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة ) .
فالمجاهد – كما يظهر من حديث أبي هريرة – رابح على كل حال ، انتصر على عدوه فعاد إلى بيته غانماً مأجوراً ، أم استشهد فدخل الجنة ، وهذه الأخيرة هي الكرامة التي ميَّز الله بها الشهيد حيث لا يتمنى أحد غيره أن يحييه الله فيقتل مراراً ، لما رأى من الخير العظيم المترتب على الشهادة في سبيل الله ، لا بل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذي ما كان يقعد خَلْف سراياه إلا إشفاقاً على أمته بأن تكلِّف نفسها الخروج في كل سرية مثله فيشق ذلك عليها ، إنه صلى الله عليه وسلم ليتمنَّى أن يقتل ثم يحيا ثم يقتل في سبيل الله حباً في كرامة الشهادة عند الله ، قال الحافظ: ( قال ابن بطال: هذا الحديث – حديث أنس – أجل ما جاء في فضل الشهادة ) .
==== أي شيء نشتهي ؟! =====
عن مسروق قال سألنا عبد الله – هو ابن مسعود – عن هذه الآية: ( ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياء عند ربهم يُرزقون ) قال: أما إنَّا قد سألنا عن ذلك فقال: ( أرواحهم في جوف طير خُضر ، لها قناديل معلّقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطَّلع إليهم ربهم اطِّلاعةً ، فقال : تشتهون شيئاً ؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟! ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى ، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ) .
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️