الجهاد في سبيل الله (79) الخيلاء في الحرب..

ملتقى الإيمان

الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته الحلقة (79)

الخيلاء في الحرب

ومن آداب الجهاد الإسلامية:
الخيلاء في المعركة، أي تبختر المجاهد المسلم في ساحة القتال إشعاراً للعدو بعلو الهمة، والشجاعة، واستقبال الموت في سبيل الله برباطة جأش وسكينة نفس، وفي ذلك ما فيه من الإغاظة وإرهاب العدو، وإغاظة العدو وإرهابه عبادة يكتبها الله للمجاهدين، ويعدها من إحسانهم.

كما قال تعالى: {ما كان لأهل المدينة ومن حولها من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيْلاً؛ إلا كتب لهم به عملٌ صالحٌ، إن الله لا يضيع أجر المحسنين} .

وللخيلاء صورتان:

الصورة الأولى:
إظهار التجلد للعدو، حتى ولو كان المجاهد ضعيفاً لمرض أو جوع أو عطش أو كبر أو غير ذلك، ليبدو للعدو قوياً فيهابه. يدل على هذا أمر النبي صلى اله عليه وسلم أصحابه أن يسارعوا في طوافهم بالبيت عند قدومهم لأداء العمرة في عمرة القضاء، وقد قال المشركون أضعفتهم حمى يثرب، ليعلم المشركون أن الصحابة أقوياء وليسوا ضعفاء، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم .

وقوله:
(ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم ) يدل على أن الرمل في الثلاثة أشواط كلها من الحجر إلى الحجر هو السنة، وإنما خفف الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه فلم يأمرهم بالرمل بين الركنين، وقد بينت ذلك رواية جابر بن عبد الله لصفة طوافه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، إذ قال جابر: (رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ) .

قال الإمام النووي رحمه الله في تعليقه على رواية جابر هذه:
(فيه بيان أن الرمل يشرع في جميع المطاف من الحجر إلى الحجر، وأما حديث ابن عباس المذكور بعد هذا بقليل، قال: وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين فمنسوخ بالحديث الأول –يعني حديث جابر- لأن حديث ابن عباس كان في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة، وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم، وإنما رملوا إظهاراً للقوة، واحتاجوا إلى ذلك في غير ما بين الركنين اليمانيين، لأن المشركين كانوا جلوساً في الحجر ( بكسر الحاء وسكون الجيم) وكانوا لا يرونهم بين هذين الركنين، ويرونهم فيما سوى ذلك ) .

وقول النووي رحمه الله في حديث ابن عباس:
أنه منسوخ بحديث جابر لا داعي له، لأنه صرح في حديث ابن عباس نفسه أنه ما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمرهم بالرمل في الطواف كله إلا الإبقاء عليهم، ومعنى هذا أن ضعفهم كان سبباً في التخفيف عنهم، بل إنه يفهم من حديث ابن عباس شيء آخر وهو أن أمرهم بالرمل فيما دون ما بين الركنين مع ضعفهم كان من أجل إظهار قوتهم لعدوهم وإشعار العدو بأن ما توهموه من ضعف الصحابة غير صحيح، ولولا ذلك لرخص لهم في ترك الرمل أصلاً، وهو مستحب كما صرح النووي بقوله: (باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
(ويؤخذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح، ونحو ذلك للكفار إرهاباً لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم) .

وهذا وإن لم يكن أثناء الحرب في المعركة فإن دلالته باعتبار أن حالة الحرب كانت قائمة بين الإسلام والشرك وهذه العمرة كانت في وقت هدنة ومصالحة.

الصورة الثانية:
أن يختال في مشيته أمام عدوه، ويتبختر تبختراً يظهر به عزته على العدو : {أعزة على الكافرين } .

ففي حديث جابر بن عتيك أن النبي صلى اله عليه وسلم كان يقول:
(من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها الله في غير ريبة، وإن من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحب الله، فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل بنفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغضها الله عز وجل فاختياله في البغي )، قال موسى: والفخر. .

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان ) .

وفي سيرة ابن هشام، عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن ) .

قال في مجمع الزوائد:
(وعن خالد بن سليمان بن خالد بن عبد الله بن خالد بن سماك بن خرشة عن أبيه عن جده، أن أبا دجانة يوم أحد أعلم بعصابة حمراء، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يختال في مشيته بين الصفين، فقال: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموضع ) رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه) ا هـ.

وذكر هذا الحديث الضعيف بهذا السند، وكذا الرواية التي قبله المذكورة في السيرة النبوية، المقصود منه تفسير الاختيال المشروع والاختيال الممنوع في حديث جابر بن عتيك.

ومشروعية الاختيال في هذا الموضع مخصصة للحظر العام الوارد في النصوص الأخرى مثل الآية السابقة {إن الله لا يحب كل مختال فخور...}، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورأى رجلاً يجر إزاره فجعل يضرب الأرض برجله، وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير، جاء الأمير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً ) .

ولقد حفظ عمر بن الخطاب لمن خطر واختال على أعداء الله في المعركة حقه بعد استشهاده، فأكرم من أجل ذلك ابنه، وفضله على غيره معللاً ذلك التفضيل بتلك المزية التي يحبها الله ورسوله في ذلك المقام، فعن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما فرض للناس فرض لعبد الله بن حنظلة ألفي درهم، فأتاه طلحة بابن أخ له ففرض له دون ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين فضلت هذا الأنصاري على ابن أخي؟ قال: نعم لأني رأيت أباه يستن يوم أحد بسيفه كما يستن الجمل .
0
641

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️