الحب أولآ

ملتقى الإيمان

حين تعيد قراءة الأسماء الحسنى؛ ستجد مفاجأة بانتظارك !
ليس من بين هذه الأسماء المذكورة اسم تمحّض للأخذ والعقاب والعذاب .
فيها أسماء الرحمة والود واللطف ، وأسماء العلم والإحاطة ، وأسماء الْخَلْق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير ، وأسماء القدرة والقوة ، وأسماء العلوّ والعظمة ، وأسماء الجمال والجلال والكمال ..
فيها : الرحمن ، الرحيم ، الغفور ، السلام ، الوهّاب ، الرزاق ، الفتاح ، اللطيف ، الجميل ، المجيب ، الودود ، الصمد ، البر ، العفو ، الرؤوف ، الغني ، النور ، الطيب ، المنان ، الجواد ، ذو الفضل ، .. إلخ
وليس فيها : المعذِّب ، المنتقم ، الآخذ ، الباطش ، وهل " شديد العقاب " اسم من الأسماء الحسنى ؟!
الأصح أنه ليس من الأسماء الحسنى بل هو وصف لعقابه ، بمنزلة قولنا " عقابه شديد " وبمنزلة قولنا " عذابه أليم " وهذه لا تكون في أسمائه الحسنى -عز وجل- ، وهذا الذي اختاره ابن تيمية وابن القيم وجمع من المحققين .


يقول -رحمه الله- : " وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يُمدح به ، ولهذا كانت كلها حسنى .. ".


ومثل ذلك قاله ابن القيم :
" إن أسماءه كلها حسنى ، ليس فيها اسم غير ذلك أصلاً .. وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها ، لأنه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم ، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى ، وهذا باطل ، فالشر ليس إليه .. ".
ويقول الدكتور : عمر الأشقر :

" لا يدخل في أسماء الله ما كان من صفات أفعاله ، أو صفات أسمائه ، مثل شديد العقاب ، وسريع العقاب ، وسريع الحساب ، وشديد المحال ، ورفيع الدرجات .. " .


وليس مما توجب أسماؤه الحسنى ألّا يزال معاقباً على الدوام ، أو غضبان على الدوام ، أو منتقماً على الدوام ، وتأمُّلُ هذا المعنى يفتح للنفس آفاقاً من الفقه في أسمائه وصفاته ، ويزيد معرفته ومحبته ، ولذا كان النبي يقول في دعائه كما في الصحيحين: " والشَّرُّ لَيسَ إليكَ " ومعناه على التحقيق : أن الشر لا يضاف إلى الله ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أسمائه ، فإنّ له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وصفاته كلها صفات كمال يُحمد عليها ، ويُثنى عليه بها ، وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل وحكمة ، وأسماؤه كلها حسنى ، فكيف يُضاف الشر إليه ؟


هذا المعنى يتأكّد بدراسة الأسماء الحسنى كما دونها العلماء ، وهو يدل على أن الفقيه والداعية ينبغي أن يعرّف العباد بربهم؛ مقدماً أسماءه الكريمة الحسنى المشتملة على برّه وجوده ورحمته ولطفه وعفوه ومغفرته .
وأن هذا خير ما يسوق العباد إلى ربهم ، وهو شعور الحب الذي يُجمِع العلماء على أنه أفضل شعور وأنبل إحساس ، وأنه مُقدّم على الخوف وعلى الرجاء .


وليس من الوفاء لهذا الدرس العميق ، أن نقرره ، وأيدينا على قلوبنا ، ونحن ننتظر أن ينتهي التقرير لنسارع ونقول :نعم .. ولكن !
من حق المعاني العظيمة أن تُقرر بعيداً عن المخاوف ، وتأخذ حقها في النفوس ، وفي الدروس ، وفي الحياة العملية ، دون أن نُصاب بداء الثنائية والحدّية؛ الذي يجعلنا نظن أن تقرير هذا المعنى يفضي إلى إلغاء جانب الخوف أو الرهبة أو الوجل.
بل يقرر هذا في سياقه بأريحية تامّة ، ويقرر غيره بأريحية كذلك ، وهي معانٍ تتكامل وتتعاضد ولا تتعاند .

ولو أننا قهرنا أنفسنا على هذا؛ لأورثنا فقهاً أوسع ، وفتح لنا أبواباً من الخير ربما حرمناها بعجلتنا ، ورحمة الله تعالى خير لنا من أعمالنا ، فاللهمّ ارحمنا ولا تكلنا إلى أنفسنا .


موقع مقالات اسلام ويب
3
396

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

Jasmindaba
Jasmindaba
سبحانك ربي
dr.soma
dr.soma
سبحانك ربي ما اعظمك
جزاك الله خير
سنابل2020
سنابل2020
جزاكِ الله خيراً وبارك بك على النقل النافع أختي الحبيبة