الحب .. المسلسل الذي لا ينتهي ..!
أذكر – ذات يوم – أنني دخلت أحد الأسواق المركزية ، ومعي ابنتي ذات السنوات الست ، رأت بنتي أحد أنواع العصائر ، وأعجبها ( لونه ) ، وراحت ( تلّح ) عليّ بشرائه لها .. بينما رحت أجتهد في شرح ( مرارة ) طعمه ، وأنني متأكد أنه لن ( يعجبها ) .. ولكني اضطررت للخضوع نتيجة لإلحاحها .. وشعرتْ هي بالفرح لانتصارها ، وتحقيق طلبها .. وفي البيت ، فتحت العصير ، لتشربه ، وحين وضعته في فمها ، لم تستسغه ، فبادرتْ إلى المغسلة للتخلص حتى من الجرعة ، التي جرعتها منه !! .. وهي تنظر لي ، وكأنها تخشى أن أعاتبها ، وأذكرها أن مجرد ( اللون ) ، مهما ( أعجبنا ) ، ليس دليلاً على ( الطعم ) ، الذي يهمنا في النهاية !
ومرة دخلتْ معي بنتي محلاً للألعاب ، ولفت نظرها لعبة تصدر صوتاً ، وترجتني أن أشتريها ، ورحت أعرض عليها أنواعاً أخرى ، أكثر جودة ، لكن يبدو أن الصوت الذي أصدرته تلك اللعبة ، قد ( سلب ) عقلها ، وقدّرتْ اختيارها واشتريت اللعبة .. وفي البيت كانت البسمة تملأ فمها ، وهي تخرج اللعبة من كرتونها ، وتسارع إلى وضع البطارية ، فهي في شوق إلى ذلك الصوت ، الذي سمعته من ( اللعبة ) داخل المحل .. فتحت زر اللعبة فصدر الصوت .. وابتسمت شاعرة بالانتصار ، فاللعبة ، التي أعجبتها بين يديها الآن .. ظلت تضغط الزر ، ليخرج الصوت ( اليتيم ) .. بعد قليل بدا عليها الملل .. التفت إليّ قائلة :
- بابا .. هي كذا بس ؟!!
- نعم !
- ما فيه صوت ثاني ؟!
- بالتأكيد .. لا !
- يع .. ما هي زينة !!
أظن ، مع احترامي لكل المتورطات في الحب ( سريع ) التحضير ، أن حكاية طفلتي الصغيرة ، هي مثال حيّ لكل واحدة منهن ؛ فالفتاة منهن تعرّفت على ( الحبيب ) عبر الجوال أو النت ، أو عَرَضاً في السوق .. ومثلما أعجب طفلتي ( صوت ) اللعبة ، فقد أعجب تلك الفتاة ( لغة ) حديث الشاب ( الحبيب ) ، وهي لغة من المؤكد أن الشاب ( يصوغها ) بعناية .. ومع تكرار الحديث ( الصوت ) يزداد التعلق ، وقد ترى الفتاة الشاب ( خلسة ) ، لكن ذلك اللقاء لا يضيف شيئاً ( جديداً ) ، فهو لقاء ( سريع ) ، والشاب كان فيه في قمة ( التصنع ) .. والفتاة لا تزال لا ترى منه سوى جانب ( واحد ) ..
وقد قدر لعدد من الفتيات اللاتي ، كان الشباب معهن صادقين ، أن يرتبطن معهم بالزواج ، وكثيرات منهن بذلن المستحيل لتحقيق ذلك ( الحلم ) ، المتمثل بالزواج .. أي استطعن بجهد شراء اللعبة ، التي تعلقن بصوتها .. وهي عاشت مع الشاب ، في منزل خاص ، وفي جوّ من الأمان .. شعرت أن اللعبة / الحبيب ، ليس فيها ما يغري سوى الصوت ، وأن الصوت ، مع الاستعمال ، بدأ يخفت ، ومن ثم يفقد بريقه .
المشكلة أن ( الكثير ) من الشباب غير صادق ، مع الفتاة .. وفي الوقت ، الذي يتصل عليها ، أو يتلقى اتصالاتها ، يكون له علاقة بـ( درزن ) بنات !! .. وهو يشعر بـ( الفهلوة ) أنه يمارس هذه اللعبة القذرة .. وصرّح لي بعضهم أنه ، حين يكون بين أصدقائه ، يفتح ( السبكر ) ، ومحبوبته تعبّر عن مشاعرها تجاهه ، وتعلقها به ، وأصدقاؤه الذين يعرفون ( تعدد ) علاقاته يضحكون !
المشكلة أن بعض الفتيات ، بقلوب جدّ طيبة ، لم يكتفين بفتح قلوبهن لأولئك الشباب ، وإنما فتحن بيوتهن ، في غفلة من أهلهن .. ومنحن أولئك الشباب صورهن ، وقد تكون تلك الصور ، التي ( ألحّ ) بطلبها الحبيب ( المزيّف ) تدل بوضوح على أن تعلقه بـ( جسد ) الفتاة ، وليس بروحها وقلبها .
وقد طرحت – ذات يوم – سؤالاً على طلابي ، في الجامعة ، حول ما إذا كان لأحدهم علاقة بفتاة ، وهو يراها مناسبة ، هل يقدم على الارتباط بها ؟ .. الأمر الذي عجزت أن استوعبه أن حوالي 40 % منهم اعترفوا بوجود فتيات ، في حياتهم ، لكن 1 % الذي قال : نعم ، للزواج بالمحبوبة !!
وإذا كانت بنتي الصغيرة قد فقدت في العصير ريالاً أو ريالين ، وفي اللعبة عشرة أو عشرين ، فإن الكثير من الفتيات ، اللاتي تعلقن بشباب باسم الحب قد فقدن الكثير ؛ عقولهن وأرواحهن ، وثقتهن بأنفسهن ، وثقة أهلهن بهن .. وربما نالهن من الحبيب ما ( عاقهن ) عن الزواج !
فرق كبير بين أن أجد حاجة ، على الطريق ، أي مجانية ، ولو كان فيها بعض الإغراء .. وبين أن اشتري تلك الحاجة ، بعد أن أمضيت وقتاً أبحث عنها .. إننا نلاحظ أن الشاب ، حين يهمّ بالزواج ، يبدأ يضع ( مواصفات ) الفتاة ، التي ينوي الارتباط بها .. ويشدد على أمور ( كثيرة ) ، وفي أولها ألا تكون صاحبة مكالمات !!
لكنه لا يمتنع أن يتواصل مع فتاة تتصل عليه ، لـ( يرّفه ) عن نفسه من خلال الحديث معها ، وقد يمضي أكثر معها .. وليس عنده أي مشكلة ، أن يشعرها بحبه ( الشديد ) لها ، ما دام الأمر لا يتعدى مجرد الكلام !
إنني أعجب كثيراً ، من وضع بعض البنات ، فهي حين تريد شراء تنورة أو بلوزة ، أو حتى حذاء ، فهي تحرص ، بصورة كبيرة ، على أن يكون ( مقاسه ) مناسباً لها .. وقد تجد من ألوان البلوزات والتنورات والأحذية ، ما ( يبهرها ) لونه ، أو ( يعجبها ) موديله .. لكنه يكون أكبر من مقاسها أو أصغر .. ولكنها – بالتأكيد – لا يمكن أن تتورط بشرائه ، ولو بنصف القيمة ، وكيف تشتري شيئاً ، لن تستفيد من لبسه .. وقد تطلق تنهيدة أسف ، وهي تغادر المحل ، الذي حوى تلك البضاعة . ولكن تلك البنت التي لا تفكر أن تشتري تلك البلوزة أو التنورة أو الحذاء ، مهما كان لونه أو موديله ، لأن مقاسه ليس مناسباً لها ، قد ترتبط بعلاقة قوية مع شاب ، وترى فيه الحبيب المخلص الصادق ، وكل ما تعرفه عنه صوته أو شكله .. ولكنها بالتأكيد ليست متأكدة أن مقاسه مناسبٌ لها !
أعجب جداً أن يخلق الله – عزّ وجل – الفتاة حرّة ، فتفضل العبودية .. فالفتاة حين ترتبط بشاب ، باسم الحب ، لا ترى الحياة إلا من خلاله ، وقد تكون ظروفه المادية سيئة ، أو أخلاقه سيئة ، أو أنه مريض ، أو .. أو .. ولكن لأنها أقنعت نفسها بأنه الحبيب الوحيد ، تكون بذلك ألغت ( كل ) الخيارات .. لكن الفتاة التي بقيت دونما ارتباط عاطفي بأحد ، يظل الخطاب هم من يطرق باب أهلها ، ويحرص على الفوز بها .
أي أن الأمر الأهم ، بالنسبة للفتاة ، هو الحرص على ( جودة ) البضاعة ، وستجد كثرة في المتسوقين !!
إن الفتاة بشر ، وحين يظل الشاب يحادثها وتحادثه ، فمن الطبيعي أن كلاً منهما سيخاطب الآخر بأرق العبارات ، وأحلى الألفاظ .. وهنا فإن الخيال يتدخل ليرسم صورة ( مثالية ) ، لذلك الشاب .. ويكون الأمر أكثر إغراء وتأثيراً ، حين تكون الفتاة تعاني من شعور بالوحدة ، في بيت أهلها .. فأخواتها متزوجات ، أو صغيرات .. وأمها كبيرة السن ، أو مشغولة عنها .. ومن ثم فهي تحس كأنما لو كانت في غرفة مظلمة ، وفتحت لها نافذة على الهواء الطلق .. وهو ما يجعلنا نعجب من تشبث هذه الفتاة بهذا الشاب ، وإقبالها العنيف على محادثته .. والأسوأ من ذلك خضوعها لطلباته ، وفزعها من تهديده لها بالترك .. وتنسى أنها هي من شرحت له وضعها ، وأنه لما عرف وضعها سهل عليه معرفة نقطة الضعف لديها ، ومن ثم ، ممارسة الضغوط عليها .
لو أن بنتاً في ساحة المدرسة كانت تأكل قطعة ( كاكاو ) .. وبعدما قضمت منها أكثر من قطعة ، لفّتها بغلافها ، وربما كان لعابها لا يزال واضحاً عليها ، ثم أعطتها لإحدى زميلاتها لتأكلها .. فكيف تفسر تلك الزميلة ذلك التصرف .. ولو قدر للبنت الثانية أن تأخذها ، أمام الزميلات ، وتزيل غلافها ، وتبدأ في قضمها .. فما الذي ستنظر إليها البنات ؟!
إننا نلاحظ الأطفال الصغار في فناء المدرسة .. الطفل المتربي ، المشبع .. لا يقبل من زملائه ما يمكن أن يجودوا به عليه ، من بقية أطعمتهم .. لكن الطفل الجائع ، وغير المتربي ، قد ينتزع أطعمتهم من أفواههم ، ويأكل من المكان الذي كانوا يأكلون منه !!
وإذا كنت ، منذ زمنٍ طويل ، أتلقى سيلاً من قصص العشق ، وأسمع من الفتيات قصص حبّهن ومعاناتهن ، مع الحب .. فقد كنت أعجب جداً ، ففتاة تتصل لتترجاني أن أدلّها على طريقة ( تذلل ) لها الصعاب ، للارتباط بالحبيب ، الذي ( زعم ..! ) لها أن أحد والديه اعترض على ارتباطه بها .. وبين فتاة تتهم نفسها بالغباء ، وتعيش أزمة نفسية ، كيف ظلت ( مخدوعة ) بهذا الشاب ، طيلة هذا الوقت ..؟!
ولعل من أواخر مسلسلات الحب ، التي تعرض عليّ باستمرار ، قصتين لفتاتين :
الفتاة الأولى : تعرفت على شاب ، من خلال منتدى الكتروني ، ومع أن المشرف على المنتدى لاحظ التقارب ، بين الشاب والفتاة ، وأنذر الشاب ( ! ) وحذّر ( ! ) الفتاة – كما تقول الفتاة نفسها – إلا أنها مضت ، واستطاعت الحصول على جوال الشاب ، بل وبعثت له بعض صورها ، وخرجت معه أكثر من مرة .. ويبدو أنها أفاقت ، لتتصل عليّ .. وكان ما يقلقها أكثر صورها لديه ، وطلبت مني أن أعمل ما أستطيع ، لمساعدتها ، في استرجاع الصور .. أعطتني اسمه ورقمه .. اتصلت على الشاب ، بدا عليه الارتباك .. قلت له : لقد أبلغتني حبيبتك ، بأن بينك وبينها قصة حبّ قوية ، وأن والدك قد اعترض ، وأنك ستحاول إقناعه ، وأنا سأختصر عليك الطريق ، فأنا اعرف الكثير ، من أفراد عائلتك ، وسأقابل والدك ، وأحاول إقناعه ، فإن لم أستطع استعنت ببعض من أعرف من قرابتك ..!
قال : لا .. أبداً ، والدي لم يعترض ( هو كان قد قال للفتاة ذلك ) .. ولكن من الصعوبة أن أتزوج في هذا الوقت ..!
قلت له : إذن ، أنا أعرف كثيراً من المأذونين ، فأقنع أهلك وأهلها ، أن نعقد لكما ، لتتزوجا متى شئتما ..!
قال : لا .. صعبة جداً ..!
قلت : ولم ؟! جمجم .. ولم يرد .
قلت له : إذا كنت تدرك أنك لن تتزوجها ، لو تزوجتها ، إلا بعد سنوات .. فلم تخرج معها ..؟!
قال : هي اللي ألحّتْ عليّ ..!
قلت : هل أفهم أنك مسلوب الإرادة ، عديم التفكير ، بمجرد أن ألحت عليك ، كما تقول ، وجدت نفسك منساقاً إلى الخروج معها ..
صَمَتَ ..!
قلت له : أسألك – بصدق – لو عرفت أن أختك أحبت شاباً ، وأحبها بصدق ، وكان ينوي الزواج منها ، وخرجت معه ، ماذا تفعل ؟
ردّ : لا أدري ..!
ومن الواضح أنه يدري ، وسيكون موقفه عنيفاً جداً .. لكنه ، يشعر أنه في موقف سيدان فيه ، فكانت تلك إجابته .
الفتاة الثانية : قصتها أكثر ألماً وحرقة ؛ فقد تعرفت على شاب ، وهي في العشرين ، وارتبطت به ، بعلاقة قوية ، لمدة خمسة عشر عاماً ( !! ) ، كان خلاله ( يقسم ) لها أنه سيتزوجها ، وأنه لا يمكن أن يرتبط بغيرها .. وكانت خلال تلك المدة ( تردّ ) كل من يتقدم لها من الخطّاب .. وقبل سنتين انقطع ( الحبيب ) فجأة ، ودون ( أيّ ) سابق إنذار .. ومن ذلك الوقت ، وهي تشعر بصدمة عنيفة .. مرضت وتعبت وتعالجت .. ولكن هناك ما لا يمكن معالجته .
أعطتني رقم الحبيب ، واسمه ، وأردفت : أرجوك ( دقّ ) عليه من ( أكثر ) من جوال .. تقولها ، وقد ( دقّت ) عليه هي ، من عدد من الأرقام ، ولم يرد .. وقد اتصلت – بالفعل – أكثر من مرة ، ولم يرد ..!
قلت لها : هل تعرفين أي مدينة يسكن ؟ ( هما تعارفا ، في مدينة غير مدينتها )
قالت : لا .
قلت : هل تعرفين أحداً من أهله ؟
قالت : لا .
وهكذا كانت ( لا ) هي سيدة الموقف ، في إجابات الفتاة ..!
قلت : هل أنت متأكدة من الاسم ( أعطتني الاسم الثلاثي والقبيلة والفخذ ..! )
قالت : نعم .. فقد سقطت بطاقته ، ذات مرة ، دون أن يدري ، فعرفت الاسم من خلالها ..!
وهكذا ستنتظر الحبيب ( الهارب ) لعله أن يرقّ قلبه يوماً ، ليخرجها ، على الأقل ، من الحفرة ، التي أوقعها فيها ..!
د.عبدالعزيز المقبل
ام الحكاوي @am_alhkaoy
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
البنيوية التكوينية
•
الله يسترنا بالدنيا والاخرة
الصفحة الأخيرة