الحب في الله والتسامح

الملتقى العام

الحب
الحمد لله الذي أغدق علينا نعمه ظاهرة وباطنة والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحب: هو عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء فإن تأكد ذلك الميل وقوي سمي عشقا، والبغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم الصعب فإن قوي سمي مقتا.

والانسان بطبعه يحب من أحسن اليه ولا طفله وواساه وأعانه على جمع أغراضه فالإنسان يحب نفسه وبقائه وكماله ويكره ضد ذلك من الهلاك والعدم وهذا يقتضي غاية المحبة لله عز وجل فإن الإنسان إذا عرف ربه عرف قطعا ان وجوده ودوامه وكماله من الله وعلم إن المحسن اليه وهو الله سبحانه وتعالى فقط وإن أنواع احسانه لا يحيط بها حصر قال تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).

نعم المحبة يا سؤلي محبتكم حب يقود الى خير واحسان

الى نعيم وعيش لا زوال له في جنة الخلد ملك ليس بالفاني

وأعلم أن محبة الله تعالى هي الغاية القصوى من المقامات فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها كالشوق والأنس والرضا، ولا قبل المحبة مقام إلا وهو من مقدمتها كالتوبة والصبر والزهد. يقول الله تعالى في محكم كتابه: (يحبهم ويحبونه) ويقول أيضا (والذين آمنوا أشد حبا لله) سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (ما أعددت لها) قال: يا رسول الله ما أعددت لها من كثرة صلاة ولا صيام إلا إني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله: المرء مع من أحب.

ولقد روي أن ملك الموت جاء الى الخليل إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه فقال له هل رأيت خليلا يميت خليلا؟ فأوصى الله إليه هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه؟ فقال يا ملك الموت اقبض.

فالمؤمن إذا عرف ربه عزوجل أحبه وإذا أحبه أقبل عليه وإذا وجد حلاوة الإقبال لم ينظر الى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر الى الآخر بعين الحسرة.

وقال يحيى بن معاذ: عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول فكيف وده؟ ووده ينسي ما دونه فكيف لطفه؟ فمن أحب غير الله تعالى فذلك لجهله وقصور معرفته فأما حب الرسول صلى الله عليه وسلم فذلك لا يكون إلا عن حب الله تعالى، وكذلك حب العلماء والأتقياء فإن محبوب المحبوب بحبوبا بل إن ما يفعل المحبوب محبوب، ورسول المحبوب محبوب وكل ذلك يرجع الى حب الأصل.

لكل قلب إذا ما حب أسرار وكل حب لغير الله ينهار

ويروى أن الثوري قال لرابعه: ما حقيقة إيمانك؟ قالت ما عبدته خوفا من ناره ولا حبا لجنته فاكون كالأجير السوء بل عبدته حبا له شوقا اليه وهي القائلة في معنى المحبة نظما

أحبك حبين حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاكا

فمتى حصلت محبة الله تعالى لشخص صار قلبه مستغرقا بها.

فمن أسرار حب الله تعالى أن لا يعصي العبد ربه إلا أن العصيان لا ينافي اصل المحبة لكنه يضاد كمالها فكم من انسان يحب الصحة ويأكل ما يضره. ومن أسرار المحبة أيضا أن لا يستهتر العبد بذكره لله تعالى وأن لا يخلو قلبه من ذاك فأن الإنسان إذا أحب شيئا أكثر من ذكره فعلامة حب الله ذكره وحب القرآن وحب الرسول عليه الصلاة والسلام ومنها أن يأنس العبد بالخلوة ومناجاة الله تعالى وتلاوة كتابه فيواظب على التهجد ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق فإن أقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب والتنعم بمناجاته.

يا حبيب القلوب أنت حبيب أنت انسي وأنت مني قريب

يا طبيبا بذكره يتداوى كل ذي علة فنعم الطبيب

طلعت شمس من أحبك ليلا واستنارت فما تلاها غروب

إن شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب ليس تغيب

فإذا ما الظلام أسبل سترا فإلى ربها تحن القلوب

فكيف يلذ في ظلم الليل المنام لمن علم أن حبيبه لا ينام؟ ومن الأسرار أيضا أن يتأسف العبد على ما يفوته من ذكر الله تعالى وأن يتنعم بالطاعة ولا يستثقلها ومنها أن يكون العبد شفيقا على جميع عباد الله شديدا على أعدائه لا تأخذه في الله لومة لائم ومنها أيضا كتمان الحب، والتوقي من إظهار الوجد والمحبة تعظيما للمحبوب وهيبة وغيرة على سره فإن الحب سر من أسرار الحبيب وقد يقع المحب فيظهر عليه الحب من غير قصد كما جاء في تخميس بردة البصيري في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام.

أخفيت ود أحبائي عن البشر فنم حالي بما في النفس من خبر

فصار ما كان مخفيا كمشتهر عدتك حالي ما سرى بمستتر

عن الوشاة ولا دائي بمنحسم

إذا فالسبب المودي الى قوة المحبة هو قوة المعرفه بالله فإذا حصلت المعرفه تبعتها المحبة ولا يحصل ذلك إلا بعد الانقطاع عن شواغل الدنيا والذكر الدائم والفكر الصافي التشمير في الطلب وأعلم يا أخي انك إذا أحببت الله حق المحبه فإن ذلك مدعاة لحب الله لك فالله عز وجل يقول في كتابه العزيز (يحبهم ويحبونه) ويقول عز وجل (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وكذلك قوله (إن الله يحب التوابين ويحب المطهرين) وفي الهدي النبوي قوله عليه الصلاة والسلام (مازال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه) إلى آخر الحديث وعلامة حب الله للعبد قوله عليه الصلاة والسلام (إن الله إذا أحب عبدأ ابتلاه) فمن أقوى العلامات على حب الله لك حسن تدبيره لك بأن يكتب الايمان في قلبك وينور لك عقلك فتتبع كل ما يقربك منه ثم يتولاك بتيسير أمورك من غير ذل للخلق ويسدد ظاهرك وباطنك فإن كل خير ولذة وسعادة وهو نعمه ولكن النعمة الحقيقية هي السعادة الأخروية. فالعبد إذا بث بذر الايمان وسقاه بماء الطاعات، وطهر القلوب من شوك الأخلاق الرديئة وأنتظر فضل الله تعالى تثبيته على ذلك الى الموت وحسن الخاتمة كان انتظاره ذلك باعثا على المواظبة على الطاعات والقيام بمقتضى الايمان لكنه إن قطع بذر الايمان تعهده بماء الطاعات وترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق وأنهمك في طلب لذات الدنيا ثم أنتظر المغفرة كان ذلك حمقا وغرورا.

اللهم أعنا على ديننا بالدنيا وعلى الدنيا بالتقوى وعلى التقوى بالعمل وعلى العمل بالتوفيق وعلى جميع ذلك بلطفك المفضي الى رضاك المنهي الى جنتك :25:
0
648

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️