بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
:26: تعريف حجاب المرأة شرعًا
الحجاب: مصدر يدور معناه لغة على: السَّتر والحيلولة والمنع .
وحجاب المرأة شرعًا: هو ستر المرأة جميع بدنها وزينتها، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت.
أما ستر البدن: فيشمل جَميعه، ومنه الوجه والكفان، كما سيأتي التدليل عليه في المسألة الثالثة إن شاء الله تعالى.
وأما ستر زينتها : فهو ستر ما تتزين به المرأة، خارجًا عن أصل خلقتها، وهذا معنى الزينة في قول الله تعالى: {ولا يبدين زينتهن} ، ويسمى: الزينة المكتسبة، والمستثنى في قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} ، هو الزينة المكتسبة الظاهرة، التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، كظاهر الجلباب ـ العباءة ـ ويقال: الملاءة، فإنه يظهر اضطرارًا، وكما لو أزاحت الريح العباءة عما تحتها من اللباس، وهذا معنى الاستثناء في قول الله تعالى: {إلا ما ظهر منها} . أي: اضطرارًا لا اختيارًا، على حدِّ قل الله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعهًا} .
وإنما قلنا: التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، احترازًا من الزينة التي تتزين بها المرأة، ويلزم منها رؤية شيء من بدنها، مثل: الكحل في العين، فإنه يتضمن رؤية الوجه أو بعضه، وكالخضاب والخاتم، فإن رؤيتهما تستلزم رؤية اليد، وكالقُرط والقِلادة والسُّوار، فإن رؤيتها تستلزم رؤية محله من البدن، كما لا يخفى.
ويدل على أن معنى الزينة في الآية: الزينة المكتسبة لا بعض أجزاء البدن أمران:
الأول: أن هذا هو معنى الزينة في لسان العرب.
الثاني: أن لفظ الزينة في القرآن الكريم، يراد به الزينة الخارجة، أي المكتسبة، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الأصل، فيكون معنى الزينة في آية سورة النور هذه على الجادة، إضافة إلى تفسير الزينة بالمكتسبة لا يلزم منها رؤية شيء من البدن المزين بها، أنه هو الذي به يتحقق مقصد الشرع من فرض الحجاب من الستر والعفاف والحياء وغض البصر، وحفظ الفرج، وطهارة قلوب الرجال والنساء، ويقطع الأطماع في المرأة، وهو أبعد عن الرِّيبة وأسباب الفساد والفتنة.
:26: تعرفنا أن الحجاب لفظ عام بمعنى: السَّتر، ويراد به هنا ما يستر بدن المرأة وزينتها المكتسبة من ثوب وحلي ونحوهما عن الرجال الأجانب، وهو بالاستقراء لدلالات النصوص يتكون من أحد أمرين:
الأول : الحجاب بملازمة البيوت
لأنها تحجبهن عن أنظار الرجال الأجانب والاختلاط بهم.
الثاني: حجابها باللباس
وهو يتكون من: الجلباب والخمار، ويقال: العباءة والمسفع، فيكون تعريف الحجاب باللباس هو:
ستر المرأة جميع بدنها، ومنه الوجه والكفان والقدمان، وستر زينتها المكتسبة بما يمنع الأجانب عنها رؤية شيء من ذلك، ويكون هذا الحجاب بـ الجلباب والخمار، وهما:
1ـ الخمار : مفرد جمعه: خُمُر، ويدور معناه على: السَّتر والتغطية، وهو:
2ـ ما تغطي به المرأة رأسها ووجها وعنقها وجيبها.
فكل شيءٍ غطَّـيْتَه وستَـرْتـَهُ فقد خَـمَّرته.
ومنه الحديث المشهور: (خـمِّروا آنيتكم) أي: غطُّوا فُوَّهتها ووجهها.
ومنه قول النميري :
يُخَمِّرنَ أطرافَ الـبَنَان من التُّقى ** ويَخْرجُنَ جنح اللَّيل معتجرات
ويسمى عند العرب أيضًا: المقنع، جمعه: مقانع، من التقنع وهو السَّتر، ومنه في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا صلَّى ركعتين رفع يديه يدعو يُقَنِّع بهما وجهه .
ويسمى أيضًا: النصيف، قال النابغة يصف امرأة :
سَقَطَ النصيف ولم تُرِدْ إسقاطه ** فـتناولته واتـقـتنا باليدِ
ويسمى: الغدفة، ومادته: غَدَفَ، أصل صحيح يدل على سَتْرٍ وتغطية، يقال: أغدفت المرأة قناعها، أي: أرسلته على وجهها.
قال عنترة :
إِن تُغدِفِـي دُونـِي القـناع فإنني ** طَبٌّ بأخـذ الفارس المـستلئم
ويقال: المسفع، وأصله في فصيح اللسان العربي: أي ثوب كان.
ويسمَّى عند العامة: الشيلة .
وصفة لبسه: أن تضع المرأة الخمار على رأسها، ثم تلويه على عنقها على صفة التحنك والإدارة على الوجه، ، ثم تلقي بما فضل منه على وجهها ونحرها وصرها، وبهذا تتم تغطية ما جرت العادة بكشفه في منزلها.
ويشترط لهذا الخمار: أن لا يكون رقيقًا يشف عما تحته من شعرها، ووجهها وعنقها ونحرها وصدرها وموضع قرطها، عن أم علقمة قالت: رأيت حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، دخلت على عائشة ـ رضي الله عنها ـ وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها، وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها. رواه ابن سعد والإمام مالك في الموطأ وغيرهما.
1ـ الجلباب: جمعه جلابيب، وهو: (كساء كثيف تشتمل به المرأة من رأسها إلى قدميها، ساتر لجميع بدنها وما عليه من ثياب وزينة) .
ويقال له : الـمُلاءة، والـمِلْحَفة، والرداء، والدثار، والكساء.
وهو المسمى: العباءة، التي تلبسها نساء الجزيرة العربية .
وصفة لبسها: أن تضعها فوق رأسها ضاربة بها على خمارها وعلى جميع بدنها وزينتها، حتى تستر قدميها.
وبهذا يعلم أنه يشترط في أداء هذه العبادة لوظيفتها ـ وهي ستر تفاصيل بدن المرأة وما عليها من ثياب وحلي:ـ
1ـ أن تكون كثيفة، لا شفافة رقيقة.
2ـ وأن يكون لبسها من أعلى الرأس لا على الكتفين؛ لأن لبسها على الكتفين يخالف مُسَمَّى الجلباب الذي افترضه الله على نساء المؤمنين، ولما فيه من بيان تفاصيل بعض البدن، ولما فيه من التشبه بلبسة الرجال، واشتمالهم بأرديتهم وعباءاتهم.
1ـ وأن لا تكون هذه العباءة زينة في نفسها، ولا بإضافة زينة ظاهرة إليها، مثل التطريز .
2ـ وأن تكون العباءة ـ الجلباب ـ ساترة من أعلى الرأس إلى ستر القدمين، وبه يعلم أن لبس ما يسمى: نصف فَـجَّة وهو ما يستر منها إلى الركب لا يكون حجابًا شرعيًا .
تــنــبــيـه : من المستجدات كتابة اسم صاحبة العباءة عليها، أو الحروف الأولى من اسمها باللغة العربية أو غيرها، بحيث يقرؤها من يراها، وهذا عبث جديد بالمرأة، وفتنة عظيمة تجر البلاء إليها، فيحرم عمله والاتِّجار به.
:26: أدلة فرض الحجاب على نساء المؤمنين
معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت، فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل، المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن.
فهذان إجماعان متوارثان معلومان من صدر الإسلام، وعصور الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حكى ذلك جمع من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم رحمهم الله تعالى، واستمر العمل به إلى نحو منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وقت انحلال الدولة الإسلامية إلى دول.
وكانت بداية السفور بخلع الخمار عن الوجه في مصر، ثم تركيا، ثم الشام، ثم العراق، وانتشر في المغرب الإسلامي، وفي بلاد العجم، ثم تطور إلى السفور الذي يعني الخلاعة والتجرد من الثياب الساترة لجميع البدن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وإن له في جزيرة العرب بدايات، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يكف البأس عنهم.
والآن إلى إقامة الأدلة :
أولًا: الأدلة من القرآن الكريم
تنوعت الدلائل من آيات القرآن الكريم في سورتي النور والأحزاب على فرضية الحجاب فرضًا مؤبدًا عامًا لجميع نساء المؤمنين، وهي على الآتي:
الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَقَـرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} .
قال الله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ وقلن قولًا معروفًا . وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} .
هذا خطاب من الله تعالى لنساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما خصَّ الله سبحانه نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالخطاب: لشرفهن، ومنزلتهن من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين، ولقرابتهن من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا} ، مع أنه لا يتوقع منهن الفاحشة ـ وحاشاهن ـ وهذا شأن كل خطاب في القرآن والسنة، فإنه يراد به العموم، لعموم التشريع، ولأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ما لم يرد دليل يدل على الخصوصية، ولا دليل هنا، كالشأن في قول الله تعالى لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : {لئن أشركت ليحبطن عملك} ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ولهذا فأحكام هاتين الآيتين وما ماثلهما هي عامة لنساء المؤمنين من باب الأولى، مثل: تحريم التأفيف في قول الله تعالى: {فلا تقل لهما أفٍّ} فالضرب محرم من باب الأولى، بل في آيتي الأحزاب لِحاقٌ يدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن، وهو قوله سبحانه: {وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} وهذه فرائض عامة معلومة من الدين بالضرورة .
إذا علم ذلك ففي هاتين الكريمتين عدد من الدلالات على فرض الحجاب وتغطية الوجه على عموم نساء المؤمنين من وجوه ثلاثة :
وجوه دلالات فرضية الحجاب
الوجه الأول: النهي عن الخضوع بالقول
نهى الله سبحانه وتعالى أمهات المؤمنين، ونساء المؤمنين تبع لهن في ذلك عن الخضوع بالقول، وهو تليين الكلام وترقيقه بانكسار مع الرجال، وهذا النهي وقاية من طمع مَن في قلبه مرض شهوة الزنى، وتحريك قلبه لتعاطي أسبابه، وإنما تتكلم المرأة بقدر الحاجة في الخطاب من غير استطراد ولا إطناب ولا تليين خاضع في الأداء.
وهذا الوجه الناهي عن الخضوع في القول غاية في الدلالة على فرضية الحجاب على نساء المؤمنين من باب أولى، وإنَّ عدَم الخضوع بالقول من أسباب حفظ الفرج، وعدم الخضوع بالقول لا يتم إلا بداعي الحياء والعفة والاحتشام، وهذه المعاني كامنة في الحجاب، ولهذا جاء الأمر بالحجاب في البيوت صريحًا في الوجه بعده.
الوجه الثاني: في قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن}
.. وهذه في حجب أبدان النساء في البيوت عن الرجال الأجانب .
هذا أمر من الله سبحانه لأمهات المؤمنين، ونساء المؤمنين تبع لهن في هذا التشريع، بلزوم البيوت والسكون والاطمئنان والقرار فيها؛ لأنه مقر وظيفتها الحياتية، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة أو حاجة .
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة الله وهي في قعر بيتها) رواه الترمذي وابن حبان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (لأن المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل، ولهذا خُصَّت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل، لأن ظهورها للرجال سبب الفتنة، والرجال قوامون عليهن) انتهى.
وقال رحمه الله تعالى في : (وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التي على البدن، كما جمع بين اللباسين في قوله تعالى: {والله جعل لكم مما خلقَ ظلاَلًا وجعل لكم من الجبال أكنانًا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرَّ وسرابيل تقيكم بأسكم} ، فكل منها وقاية من الأذى الذي يكون سمومًا مؤذيًا كالحر والشمس والبرد، وما يكون من بني آدم من النظر بالعين واليد وغير ذلك انتهى .
الوجه الثالث: قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}
لما أمرهن الله سبحانه بالقرار في البيوت نهاهن ـ تعالى ـ عن تبرج الجاهلية بكثرة الخروج، وبالخروج متجملات متطيبات سافرات الوجوه، حاسرات عن المحاسن والزينة التي أمر الله بسترها، والتبرج مأخوذ من البرج، ومنه التَّوسُّع بإظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر، والذراع والساق ونحو ذلك من الخلقة أو الزينة المكتسبة؛ لما في كثرة الخروج أو الخروج بالأولى وصف كاشف، مثل لفظ: {كاملة} في قول الله تعالى: {تلك عشرة كاملة} .
ومثل لفظ: {الأولى} في قوله تعالى: {وأنه أهْلَكَ عادًا الأولى} .
والتبرج يكون بأمور يأتي بيانها في (الأصل السادس) إن شاء الله تعالى.
آية الحجاب
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنـَاه ولكن إذا دُعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إن ذلكم كان عند الله عظيمًا . إن تبدوا شيئًا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليمًا . لا جُناح عليهن في آبائهنَّ ولا أبنائهنَّ ولا إخوانهنَّ ولا أبناء إخوانهنَّ ولا أبناء أخواتهنَّ ولا نسائهنَّ ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيءٍ شهيدًا} .
الآية الأولى عُرفت باسم: آية الحجاب؛ لأنها أول آية نزلت بشأن فرض الحجاب على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين، وكان نزولها في شهر ذي القعدة سنة خس من الهجرة .
وسبب نزولها ما ثبت من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال عمر ـ رضي الله عنه ـ قلت: يا رسول الله ! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. رواه أحمد والبخاري في الصحيح .
وهذه إحدى موافقات الوحي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهي من مناقبه العظيمة.
ولما نزلت حجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه نساءه عن الرجال الأجانب عنهن، وحجب المسلمون نساءهم عن الرجال الأجانب عنهن، بستر أبدانهن من الرأس إلى القدمين، وستر ما عليها من الزينة المكتسبة، فالحجاب فرض عام على كل مؤمنة مؤبد إلى يوم القيامة، وقد تنوعت دلالة هذه الآيات على هذا الحكم من الوجوه الآتـيـة:
الوجه الأول: لما نزلت هذه الآية حجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساءه
وحجب الصحابة نساءهم، بستر وجوههن وسائر البدن والزينة المكتسبة، واستمر ذلك في عمل نساء المؤمنين، هذا إجماع عملي دال على عموم حكم الآية لجميع نساء المؤمنين، ولهذا قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب} . يقول: وإذا سألتم أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعًا، فاسألوهن من وراء حجاب، يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن .. انتهى .
الوجه الثاني: في قول الله تعالى في آية الحجاب هذه: } . علة لفرض الحجاب في قوله سبحانه: {فاسألوهن من وراء حجاب} . بمسلك الإيماء والتنبيه، وحكم العلة عام لمعلولها هنا؛ لأن طهارة قلوب الرجال والنساء وسلامتها من الريبة مطلوبة من جميع المسلمين، فصار فرض الحجاب على نساء المؤمنين من باب الأولى من فرضه على أمهات المؤمنين، وهن الطاهرات المبرآت من كل عيب ونقيصة رضي الله عنهن.
فاتضح أن فرض الحجاب حكم عام على جميع النساء لا خاصًا بأزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن عموم علة الحكم دليل على عموم الحكم فيه، وهل يقول مسلم: إن هذه العلة: {ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن} . غير مرادة من أحد من المؤمنين؟ فيالها من علة جامعة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة من مقاصد فرض الحجاب إلا شملتها.
الوجه الثالث: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا إذا قام دليل على التخصيص، وكثير من آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها، وقَصْرُ أحكامها في دائرة أسبابها بلا دليل تعطيل للتشريع، فما هو حظ المؤمنين منها؟
وهذا ظاهر بحمد الله، ويزيده بيانًا: أن قاعدة توجيه الخطاب في الشريعة، هي أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة؛ للاستواء في أحكام التكليف، ما لم يرد دليل يجب الرجوع إليه دالًا على التخصيص، ولا مخصص هنا، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مبايعة النساء: (إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة).
الوجه الرابع: زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمهات لجميع المؤمنين، كما قال الله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} ، ونكاحهن محرم على التأبيد كنكاح الأمهات:
{ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا} ، وإذا كانت زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك، فلا معنى لقصر الحجاب عليهن دون بقية نساء المؤمنين، ولهذا كان حكم فرض الحجاب عامًا لكل مؤمنة، مؤبدًا إلى يوم القيامة، وهو الذي فهمه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كما تقدم من حجبهم نساءهم ـ رضي الله عنهن ـ
الوجه الخامس: ومن القرائن الدالة على عموم حكم فرض الحجاب
على نساء المؤمنين: أن الله سبحانه استفتح الآية بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ..} . وهذا الاستئذان أدب عام لجميع بيوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون بقية بيوت المؤمنين، ولهذا قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره :
حُظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة، ولهذا قال رسول الله: (إياكم والدخول على النساء) الحديث .. انتهى .
ومَن قال بتخصيص فرض الحجاب على أزواج النبي ـ صلى اللله عليه وسلم ـ لزمه أن يقول بقصر حكم الاستئذان كذلك، ولا قائل به.
الوجه السادس: ومما يفيد العموم أن الآية بعدها
: {لا جناح عليهن في آبائهن..} . فإن نفي الجناح استثناء من الأصل العام، وهو فرض الحجاب، ودعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع، وهو غير مُسَلَّم إجماعًا، لما علم من عموم نفي الجناح بخروج المرأة أمام محارمها كالأب غير محجبة الوجه والكفين، أما غير المحارم فواجب على المرأة الاحتجاب عنهم .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : (لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بيَّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن..} الآية انتهى .
وتأتي الآية بتمامها في الدليل الرابع، وقد سمّاها ابن العربي ـ رحمه الله تعالى ـ : آية الضمائر؛ لأنها أكثر آية في كتاب الله فيها ضمائر.
الوجه السابع: ومما يفيد العموم ويبطل التخصيص : قوله تعالى: {ونساء المؤمنين} في قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} . وبهذا ظهر عموم فرض الحجاب على نساء المؤمنين على التأبيد
آية الحجاب الثانية الآمرة بإدناء الجلابيب
على الوجوه: قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا} . قال السيوطي رحمه الله تعالى: ((هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن )) انتهى .
وقد خصَّ الله سبحانه في هذه الآية بالذكر أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبناته؛ لشرفهن ولأنهن آكد في حقه من غيرهن لقربهن منه، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا} ، ثم عمم سبحانه الحكم على نساء المؤمنين، وهذه الآية صريحة كآية الحجاب الأولى، على أنه يجب على جميع نساء المؤمنين أن يغطين ويسترن وجوههن وجميع البدن والزينة المكتسبة، عن الرجال الأجانب عنهن، وذلك الستر بالتحجب بالجلباب الذي يغطي ويستر وجوههن وجميع أبدانهن وزينتهن، وفي هذا تمييز لهن عن اللائي يكشفن من نساء الجاهلية، حتى لا يتعرضن للأذى ولا يطمع فيهن طامع .
والأدلة من هذه الآية على أن المراد بها ستر الوجه وتغطيته من وجوه، هي:
الوجه الأول: معنى الجلباب في الآية هو معناه في لسان العرب
وهو: اللباس الواسع الذي يغطي جميع البدن، وهو بمعنى: الملاءة والعباءة، فتلبسه المرأة فوق ثيابها من أعلى رأسها مُدنية ومرخية له على وجهها وسائر جسدها، وما على جسدها من زينة مكتسبة، ممتدًا إلى ستر قدميها .
فثبت بهذا حجب الوجه بالجلباب كسائر البدن لغةً وشرعًا .
الوجه الثاني: أن شمول الجلباب لستر الوجه هو أول معنى
مراد؛ لأن الذي كان يبدو من بعض النساء في الجاهلية هو: الوجه، فأمر الله نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين بستره وتغطيته، بإدناء الجلباب عليه، لأن الإدناء عُدِّي بحرف على، وهو دال على تضمن معنى الإرخاء، والإرخاء لا يكون إلا من أعلى، فهو هنا من فوق الرءوس على الوجوه والأبدان.
الوجه الثالث: أن ستر الجلباب للوجه وجميع البدن
وما عليه من الثياب المكتسبة ـ الزينة المكتسبة ـ هو الذي فهمه نساء الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: لما نزلت هذه الآية {يدنين عليهن من جلابيبهن} . خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك} . الآية شَقَقن مُرُوطهن، فاعتجرن بها، فصَلَّين خلف رسول الله ( كأنما على رءوسهن الغربان . رواه ابن مردويه .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . شققن مروطهن فاختمرن بها. رواه البخاري في صحيحه .
والاعتجار: هو الاختمار، فمعنى: فاعتجرن بها، واختمرن بها: أي غطين وجوههن.
وعن أم عطية ـ رضي الله عنها ـ قالت: (أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، والـحُيَّض، وذوات الخدور، أمَّـا الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها) متفق على صحته .
وهذا صريح في منع المرأة من بروزها أمام الأجانب بدون الجلباب، والله أعلم.
الوجه الرابع: في الآية قرينة نصية دالة على هذا المعنى للجلباب
وعلى هذا العمل الذي بادر إليه نساء الأنصار والمهاجرين ـ رضي الله عن الجميع ـ بستر وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، وهي أن في قوله تعالى: {قل لأزواجك} . وجوب حجب أزواجه (وستر وجوههن، لا نزاع فيه بين أحد من المسلمين، وفي هذه الآية ذكر أزواجه ـ رضي الله عنهن ـ مع بناته ونساء المؤمنين، وهو ظاهر الدلالة على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب على جميع المؤمنات.
الوجه الخامس: هذا التعليل {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}
. راجع إلى الإدناء، المفهوم من قوله: {يدنين} . وهو حكم بالأولى على وجوب ستر الوجه؛ لأن ستره علامة على معرفة العفيفات فلا يؤذين، فهذه الآية نص على ستر الوجه وتغطيته، ولأن من تستر وجهها لا يطمع فيها طامع بالكشف عن باقي بدنها وعورتها المغلظة، فصار في كشف الحجاب عن الوجه تعريض لها بالأذى من السفهاء، فدل هذا على التعليل على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن والزينة بالجلباب، وذلك حتى يعرفن بالعفة، وأنهن مستورات محجبات بعيدات عن أهل الرّي والخنا، وحتى لا يفتتن ولا يفتن غيرهن فلا يؤذين.
ومعلوم أن المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام، لم يقدم عليها من في قلبه مرض، وكّـفَّت عنها الأعين الخائنة، بخلاف المتبرجة المنتشرة الباذلة لوجهها، فإنها مطموع فيها .
واعلم أن الستر بالجلباب، وهو ستر النساء العفيفات، يقتضي ـ كما تقدم في صفة لبسه ـ أن يكون الجلباب على الرأس لا على الكتفين، ويقتضي أن لا يكون الجلباب ـ العباءة ـ زينة في نفسه، ولا مضافًا إليه ما يزينه من نقش أو تطريز، ولا ما يلفت النظر إليه، وإلا كان نقضًا لمقصود الشارع من إخفاء البدن والزينة وتغطيتها عن عيون الأجانب عنها.
ولا تغتر المسلمة بالمترجلات اللاتي يتلذذن بمعاكسة الرجال لهن، وجلب الأنظار إليهن، اللائي يُـعْلنَّ بفعلهن تعدادهن في المتبرجات السافرات، ويعدلن عن أن يكن مصابيح البيوت العفيفات التقيات النقيات الشريفات الطيبات، ثبّت الله نساء المؤمنين على العفة وأسبابها .
في آيتي سورة النور
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدن زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} .
تعددت الدلالة في هاتين الآيتين الكريمتين على فرض الحجاب وتغطية الوجه من وجوه أربعة مترابطة، هي:
الوجه الأول: الأمر بغضِّ البصر وحفظ الفرج من الرجال والنساء
على حدٍّ سواء في الآية الأولى وصدر الآية الثانية، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنى، وأن غض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وأبعد عن الوقوع في هذه الفاحشة، وإن حفظ الفرج لا يتم إلا ببذل أسباب السلامة والوقاية، ومن أعظمها غض البصر، وغض البصر لا يتم إلاّ بالحجاب التام لجميع البدن، ولا يرتاب عاقل أن كشف الوجه سبب للنظر إليه، والتلذذ به، والعينان تزنيان وزناهما النظر، والوسائل لها أحكام المقاصد، ولهذا جاء الأمر بالحجاب صريحًا في الوجه بعده.
الوجه الثاني: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}
أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب عن عمد وقصد، إلا ما ظهر منها اضطرارًا لا اختيارًا، ما لا يمكن إخفاؤه كظاهر الجلباب ـ العباءة، ويقال: الملاءة ـ الذي تلبسه المرأة فوق القميص والخمار، وهي ما لا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية، فإن ذلك معفوٌّ عن .
وتأمل سِرًا من أسرار التنزيل في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن} . كيف أسند الفعل إلى النساء في عدم إبداء الزينة متعديًا وهو فعل مضارع: {يُبدين} . ومعلوم أن النهي إذا وقع بصيغة المضارع يكون آكد في التحريم، وهذا دليل صريح على وجوب الحجاب لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، وستر الوجه والكفين من باب أولى .
وفي الاستثناء {إلا ما ظهر منها} . لم يسند الفعل إلى النساء، إذ لم يجئ متعديًا، بل جاء لازمًا، ومقتضى هذا: أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة مطلقًا، غير مخيرة في إبداء شيء منها، وأنه لا يجوز لها أن تتعمد إبداء شيء منها إلا ما ظهر اضطرارًا بدون قصد، فلا إثم عليها، مثل: انكشاف شيء من الزينة من أجل الرياح، أو لحاجة علاج لها ونحوه من أحوال الاضطرار، فيكون معنى هذا الاستثناء: رفع الحرج، كما في قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} ، وقوله تعالى: {وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} .
الوجه الثالث: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}
: لما أوجب الله على نساء المؤمنين الحجاب للبدن والزينة في الموضعين السابقين، وأن لا تتعمد المرأة إبداء شيء من زينتها، وأن ما يظهر منها من غير قصد معفو عنه، ذكر سبحانه لكمال الاستتار، مبينًا أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، وبما أن القميص يكون مشقوق الجيب عادة بحيث يبدو شيء من العنق والنحر والصدر، بيَّن سبحانه وجوب ستره وتغطيته، وكيفية ضرب المرأة للحجاب على ما لا يستره القميص، فقال عز شأنه : {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} ، والضرب: إيقاع شيء على شيء، ومنه: {ضربت عليهم الذلة} أي: التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضُربت عليه .
والـخُمر: جمع خِمار، مأخوذ من الخمر، وهو: الستر والتغطية، ومنه قيل للخمر خمرًا؛ لأنها تستر العقل وتغطيه، قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في : ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها . انتهى .
ويقال: اختمرت المرأة وتخمَّرت، إذا احتجبت وغطَّت وجهها .
والجيوب مفردها: جيب، وهو شق في طول القميص .
فيكون معنى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . أمر من الله لنساء المؤمنين أن يلقين بالخمار إلقاء محكمًا على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر. وذلك بِلَفِّ الخمار الذي تضعه المرأة على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التقنع، وهذا خلافًا لما كان عليه أهل الجاهلية من سدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما هو قدامها، فأمرن بالاستتار.
ويدل لهذا التفسير المتسق مع ما قبله، الملاقي للسان العرب كما ترى، أن هذا هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عن الجميع، فعملن به، وعليها ترجم البخاري في صحيحه، فقال: (( باب: وليضربن بخمرهن على جيوبهن)) ، وساق بسنده حديث عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما أنزل الله : {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . شققن مروطهن فاختمرن بها.
قال ابن حجر في في شرح هذا الحديث: (( قوله: فاختمرن: أي غطين وجوههن - وذكر صفته كما تقدم - )) انتهى .
ومَن نازع فقال بكشف الوجه؛ لأن الله لم يصرح بذكره هنا، فإنا نقول له: إن الله سبحانه لم يذكر هنا: الرأس، والعنق، والنحر، والصدر، والعضدين، والذراعين، والكفين، فهل يجوز الكشف عن هذه المواضع؟ فإن قال: لا، قلنا: والوجه كذلك لا يجوز كشفه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة، وكيف تأمر الشريعة بستر الرأس والعنق والنحر والصدر والذراعين والقدمين، ولا تأمر بستر الوجه وتغطيته، وهو أشد فتنة وأكثر تأثيرًا على الناظر والمنظور إليه؟
وأيضًا ما جوابكم عن فهم نساء الصحابة رضي الله عن الجميع في مبادرتهن إلى ستر وجوههن حين نزلت هذه الآية ؟
الوجه الرابع: {ولا يضربن بأرجلهن لـيُعلم ما يخفين من زينتهن}
لما أمر الله سبحانه بإخفاء الزينة، وذكر جل وعلا كيفية الاختمار، وضربه على الوجه والصدر ونحوهما، نهى سبحانه لكمال الاستتار، ودفع دواعي الافتتان، نساء المؤمنين إذا مشين عن الضرب بالأرجل، حتى لا يُصوَّت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بذلك، فيكون سببًا للفتنة، وهذا من عمل الشيطان.
وفي هذا الوجه ثلاث دلالات
الأولى: يحرم على نساء المؤمنين ضرب أرجلهن ليعلم ما عليهن من زينة
الثانية: يجب على نساء المؤمنين ستر أرجلهن
وما عليهن من الزينة، فلا يجوز لهن كشفها.
الثالثة: حرَّم الله على نساء المؤمنين كل ما يدعو إلى الفتنة
وإنه من باب الأولى والأقوى يحرم سفور المرأة وكشفها عن وجهها أمام الأجانب عنها من الرجال؛ لأن كشفه أشد داعية لإثارة الفتنة وتحريكها، فهو أحق بالستر والتغطية وعدم إبدائه أمام الأجانب، ولا يستريب في هذا عاقل .
فانظر كيف انتظمت هذه الآية حجب النساء عن الرجال الأجانب من أعلى الرأس إلى القدمين، وإعمال سد الذرائع الموصلة إلى تعمد كشف شيء من بدنها أو زينتها خشية الافتتان بها، فسبحان من شرع فأحكم .
الرخصة للقواعد بوضع الحجاب
وأن يستعففن خير لهن:
قال الله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميعٌ عليمٌ} .
رخَّص الله سبحانه للقواعد من النساء، أي: العجائز، اللائي تقدم بهن السنّ، فقعدن عن الحيض والحمل ويئسن من الولد أن يضعن ثيابهن الظاهرة من الجلباب والخمار، التي ذكرها الله سبحانه في آيات ضرب الحجاب على نساء المؤمنين، فيكشفن عن الوجه والكفين، ورفع تعالى الإثم والجناح عنهن في ذلك بشرطين:
الشرط الأول : أن يَكُنَّ من اللاتي لم يبق فيهن زينة ولا هن محل للشهوة، وهن اللائي لا يرجون نكاحًا، فلا يَطْمعن فيه، ولا يُطْمَع فيهن أن يُنكحن؛ لنهن عجائز لا يَشتهين ولا يُشتَهين، أما من بقيت فيها بقية من جمال، ومحل للشهوة، فلا يجوز لها ذلك .
الشرط الثاني : أن يكن غير متبرجات بزينة، وهذا يتكون من أمرين :
أحدهما : أن يكنَّ غير قاصدات بوضع الثياب التبرج، ولكن التخفيف إذا احتجن إليه .
وثانيهما: أن يكن غير متبرجات بزينة من حلي وكحل وأصباغ وتجمل بثياب ظاهرة، إلى غير ذلك من الزينة التي يفتن بها .
فلتحذر المؤمنة التعسف في استعمال هذه الرخصة، بأن تدعي بأنها من القواعد، وليست كذلك، أو تبرز متزينة بأيٍّ من أنواع الزينة.
ثم قال ربنا جل وعلا: {وأن يستعففن خير لهن} . وهذا تحريض للقواعد على الاستعفاف وأنه خير لهن وأفضل، وإن لم يحصل تبرج منهن بزينة .
فدلَّت هذه الآية على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لوجوههن وسائر أبدانهن وزينتهن؛ لأن هذه الرخصة للقواعد، اللاتي رُفع الإثم والجناح عنهن، إذ التهمة في حقهن مرتفعة، وقد بلغن هذا المبلغ من السن والإياس، والرخصة لا تكون إلا من عزيمة، والعزيمة فرض الحجاب في الآيات السابقة .
وبدلالة أن استعفاف القواعد خير لهن من الترخص بوضع الثياب عن الوجه والكفين، فوجب ذلك في حق من لم تبلغ سن القواعد من نساء المؤمنين، وهو أولى في حقهن، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة والوقوع في الفاحشة، وإن فعلن فالإثم والحرج والجناح.
ولذا فإن هذه الآية من أقوى الأدلة على فرض الحجاب للوجه والكفين وسائر البدن، والزينة بالجلباب والخمار .
الأدلة من السنة
تنوعت الأدلة من السنة المطهرة من وجوه متعددة بأحاديث متكاثرة بالتصريح بستر الوجه وتغطيته تارة، وبالتصريح عدم الخروج إلا بالجلباب (العباءة) تارة، وبالأمر بستر القدمين وإرخاء الثوب من أجل سترهما تارة، وبأن المرأة عورة والعورة واجب سترها تارة، وبتحريم الخلوة والدخول على النساء تارة، وبالرخصة للخاطب في النظر إلى مخطوبته تارة، وهكذا من وجوه السنن التي تحمي نساء المؤمنين وتحرسهن في حالٍ من العفة والحياء، والغيرة والاحتشام.
وهذا سياق جملة من الهدي النبوي في ذلك :
1ـ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ محرمات، فإذا حاذَوا بنا سَدَلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه .
رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي .
هذا بيان من عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النساء الصحابيات المحرمات مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن واجبين تعارضًا، واجب تغطية الوجه على المؤمنة، وواجب كشفه على المحرمة، فإذا كانت المحرمة بحضرة رجال أجانب أعملت الأصل وهو فرض الحجاب فتغطي وجهها، وإذا لم يكن بحضرتها أجنبي عنها كشفته وجوبًا حال إحرامها، وهذا واضح الدلالة بحمد الله على وجوب الحجاب على جميع نساء المؤمنين.
والقول في عمومه كما تقدم في تفسير آية الأحزاب ، ويؤيد عمومه الحديث بعده .
2ـ عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام .
رواه ابن خزيمة، والحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
3ـ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . شققن مروطهن، فاخـتمرن بها.
رواه البخاري، وأبو داود، وابن جرير في التفسير، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في : (قوله: فاختمرن أي: غطين وجوههن) انتهى .
وقال شيخنا محمد الأمين رحمه الله تعالى في : (وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن، فاختمرن أي سترن وجوههن بها امتثالًا لأمر الله في قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . المقتضي ستر وجوههن، وبهذا يتحقق المنصف: أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة ـ رضي الله عنها ـ على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . إلا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، والله ـ جل وعلا ـ يقول: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن، وقال ابن حجر في فتح الباري: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن صفية ما يوضح ذلك، ولفظه: (ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن، فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنـزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها، فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان) كما جاء موضحًا في رواية البخاري المذكورة آنفًا، فترى عائشة ـ رضي الله عنها ـ مع علمها وفهمها وتقاها، أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقًا بكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل، وهو دليل واضح على أن فهمهن لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} . من تصديقهن بكتاب الله وإيمانهن بتنـزيله، وهو صريح في أن احتجاب النساء عن الرجال وسترهن وجوههن تصديق بكتاب الله وإيمان يتنزيله كما ترى، فالعجب كل العجب ممن يدّعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنة، ما يدل على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيمانًا بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصحيح كما تقدّم عن البخاري، وهذا من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما ترى) انتهى .
4ـ حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، وفيه: وكان ـ صفوان ـ يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فَخَمَّرت وجهي عنه بجلبابي. متفق على صحته .
وقد تقدم في تفسير أن فرض الحجاب لأمهات المؤمنين وعموم نساء المؤمنين.
5ـ وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حديث قصتها مع عمها من الرضاعة ـ وهو أفلح أخو أبي القعيس ـ لما جاء يستأذن عليها بعد نزول الحجاب، فلم تأذن له حتى أذن له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأنه عمها من الرضاعة. متفق على صحته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في : ((وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب)) انتهى .
وهذا اختيار من الحافظ في عموم الحجاب، وهو الحق .
6ـ وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس)) . متفق على صحته .
ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة، وهو أن المرأة لا يجوز لها الخروج من بيتها إلا متحجبة بجلبابها الساتر لجميع بدنها، وأن هذا هو عمل نساء المؤمنين في عصر النبي ( .
8ـ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: (يرخين شبرًا) فقالت: إذًا تنكشف أقدامهن، قال: (يرخينه ذراعًا لا يزدن عليه) رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
والاستدلال من هذا الحديث بأمرين:
الأول: أن المرأة كلها عورة في حق الأجنبي عنها، بدليل أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بستر القدمين، واستثناء النساء من تحريم جر الثوب والجلباب لهذا الغرض المهم.
الثاني : دلالته على وجوب الحجاب لجميع البدن من باب قياس الأولى، فالوجه مثلًا أعظم فتنة من القدمين، فستره أوجب من ستر القدمين، وحكمة الله العلم الخبير تأبى الأمر بستر الأدنى وكشف ما هو أشد فتنة .
9ـ عن ابن مسعود (قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها) رواه الترمذي، وابن حبان، والطبراني في الكبير .
ووجه الدلالة منه : أن المرأة إذا كانت عورة وجب ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة وتغطيته .
وفي رواية أبي طالب عن الإمام أحمد : (ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها لا تبن منها شيئًا ولا خُفَّها).
وعنه أيضًا: (كل شيء منها عورة حتى ظفرها) ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: (وهو قول مالك) انتهى .
10ـ وعن عقبة بن عامر الجهني (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال:
(الحمو الموت) متفق على صحته .
فهذا الحديث دال على فرض الحجاب، لأن النبي (حذَّر من الدخول على النساء، وشَـبَّه) قريب الزوج بالموت، وهذه عبارة بالغة الشدة في التحذير، وإذا كان الرجال ممنوعين من الدخول على النساء وممنوعين من الخلوة بهن بطريق الأولى، كما ثبت بأحاديث أخر، صار سؤالهن متاعًا لا يكون إلا من وراء حجاب، ومَن دخل عليهن فقد خرق الحجاب، وهذا أمرٌ عام في حق جميع النساء، فصار كقوله تعالى: {فاسألوهن من وراء حجاب} . عامًا في جميع النساء .
11ـ أحاديث الرخصة للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وهي كثيرة، رواها جماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ منهم: أبوهريرة، وجابر، والمغيرة، ومحمد بن سلمة، وأبو حميد رضي الله عن الجميع .
ونكتفي بحديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) فخطبت جارية فكنت أتخبّأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها. رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم .
ودلالة هذه السنة ظاهرة من وجوه :
1ـ أن الأصل هو تستر النساء واحتجابهن عن الرجال .
2ـ الرخصة للخاطب برؤية المخطوبة دليل على وجود العزيمة وهو الحجاب، ولو كن سافرات الوجوه لما كانت الرخصة .
3ـ تكلف الخاطب جابر (بالاختباء لها، لينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، ولو كن سافرات الوجوه خراجات ولاجات، لما احتاج إلى الاختباء لرؤية المخطوبة، والله أعلم .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في عند حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في رؤية المخطوبة : (( وهذا الحديث - وما جاء في معنى رؤية الرجل لمن أراد خطبتها - مما يلعب به الفجار الملاحدة من أهل عصرنا، عبيد أوربة، وعبيد النساء، وعبيد الشهوات، يحتجون به في غير موضع الحجة، ويخرجون به عن المعنى الإسلامي الصحيح: أن ينظر الرجل نظرة عابرة غير متقصية، فيذهب هؤلاء الكفرة الفجرة إلى جواز الرؤية الكاملة المتقصية، بل زادوا إلى رؤية ما لا يجوز رؤيته من المرأة، بل انحدروا إلى الخلوة المحرمة، بل إلى المخادنة والمعاشرة، لا يرون بذلك بأسًا، قبحهم الله، وقبح نساءهم ومن يرضى بهذا منهم، وأشدّ إثمًا في ذلك من ينتسبون إلى الدين، وهو منهم براء، عافانا الله، وهدانا إلى الصراط المستقيم )) انتهى.
الـقـياس الـجلي الـمـطرد
كما دلَّت الآيات والسنن على فرض الحجاب على نساء المؤمنين شاملًا ستر الوجه والكفين وسائر البدن والزينة، وتحريم إبداء شيء من ذلك بالسفور أو الحسور، فقد دلَّت هذه النصوص أيضًا بدليل القياس المطرد على ستر الوجه والكفين وسائر جميع البدن والزينة، وإعمالًا لقواعد الشرع المطهّر، الرامية إلى سدّ أبواب الفتنة عن النساء أن يُـفْتَنَّ أو يُفْتتَنَ بهنَّ، والرامية كذلك إلى تحقيق المقاصد العالية وحفظ الأخلاق الفاضلة، مثل: العفة، والطهارة، والحياء، والغيرة، والاحتشام.
وصرف الأخلاق السافلة من عدم الحياء، وموت الغيرة، والتبذل، والتعري، والسفور، والاختلاط، وكما في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، وقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، وقاعدة ترك المباح إذا أفضى إلى مفسدة في الدِّين، ومن هذه المقايسات المطردة :
الأمر بغض البصر وحفظ الفرج، وكشف الوجه أعظم داعية في البدن للنظر وعدم حفظ الفرج .
النهي عن الضرب بالأرجل، وكشف الوجه أعظم داعية للفتنة من ذلك .
النهي عن الخضوع بالقول، وكشف الوجه أعظم داعية للفنة من ذلك .
الأمر بستر القدمين، والذراعين، والعنق، وشعر الرأس بالنص وبالإجماع، وكشف الوجه أعظم داعية للفتنة والفساد من ذلك .
وغير هذه القياسات كثير يُعلم مما تقدم، فيكون ستر الوجه واليدين وعدم السفور عنهما من باب الأولى والأقيس، وهو المسمى بالقياس الجلي، وهذا ظاهر لا يعتريه قادح ، والحمد لله رب
العالمين .
خلاصة وتنبيه
أما الخلاصة : فمما تقدم يَعْلَمُ كلُّ من نوَّر الله بصيرته فرضَ الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، بأدلة ظاهرة الدلالة من الوحي المعصوم من القرآن والسنة، وبدلالة القياس الصحيح، والاعتبار الرجيح للقواعد الشرعية العامة، ولذا جرى على موجبه عمل نساء المؤمنين من عصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يومنا هذا في جزيرة العرب وغيرها من بلاد المسلمين، وأن السفور عن الوجه الذي يشاهد اليوم في عامة أقطار العالم الإسلامي هو بداية ما حل به من الحسور عن كثير من البدن، وعن كل الزينة إلى حدِّ الخلاعة والعري والتهتك والتبرج والتفسخ، المسمى في عصرنا باسم : السفور، وأن هذا البلاء حادث لم يحصل إلا في بدايات القرن الرابع عشر للهجرة على يد عدد من نصارى العرب والمستغربين من المسلمين، ومن تنصر منهم بعد الإسلام، كما بُيِّن في (الفصل الثاني) .
لهذا !! فيجب على المؤمنين الذي مسَّ نساءهم طائف من السفور أو الحسور أو التكشف أن يتقوا الله، فيحجبوا نساءهم بما أمر الله به بالجلباب ـ العباءة ـ والخمار، وأن يأخذوا بالأسباب اللازمة لأطرهنَّ وتثبيتهن عليه، لما أوجبه الله على أوليائهن من القيام الذي أساسه: الغيرة الإسلامية، والحميَّة الدينية، ويجب على نساء المؤمنين الاستجابة للحجاب -العباءة- والخمار، طواعية لله ولرسوله (وتأسيًا بأمهات المؤمنين ونسائه، والله ولي الصالحين من عباده وإمائه.
أما التنبيه والتحذير: فيجب على كل مؤمن ومؤمنة بهذا الدين الحذر الشديد من دعوات أعدائه من داخل الصف أو خارجه الرامية إلى التغريب، وإخراج نساء المؤمنين من حجابهن تاجِ العفة والحصانة إلى السفور والتكشف والحسور، ورميهنّ في أحضان الرجال الأجانب عنهن، وأن لا يغتروا ببعض الأقاويل الشاذة، التي تخترق النصوص، وتهدم الأصول، وتنابذ المقاصد الشرعية من طلب العفة والحصانة وحفظهما، وصد عاديات التبرج والسفور والاختلاط، الذي حلَّ بديار القائلين بهذا الشذوذ .
ونقول لكل مؤمن ومؤمنة: فيما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة السفور دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة السفور عن الوجه والكفين لا يخلو من حال من ثلاث حالات:
1ـ دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء .
2ـ دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين كسائر البدن والزينة، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم .
3ـ دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان .
هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء .
وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا، فهي موجبة لسترهما، لو لم يكن أدلة أخرى.
وإن من الخيانة في النقل نسبةَ هذا القول إلى قائل به مطلقًا غير مقيد، لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر، مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غَشِيَ بلاد المسلمين .
والواجب أصلًا هو ستر المرأة بدنها وما عليه من زينة مكتسبة، لا يجوز لها تعمد إخراج شيء من ذلك لأجنبي عنها، استجابةً لأمر الله سبحانه وأمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهدي الصحابة مع نسائهم، وعمل المسلمين عليه في قرون الإسلام المتطاولة. والحمد لله رب العالمين .
:26: في فضائل الحجاب
تعبَّد اللهُ نساء المؤمنين بفرض الحجاب عليهن، الساتر لجميع أبدانهن وزينتهن، أمام الرجال الأجانب عنهن، تعبدًا يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولهذا كان هتكه من الكبائر الموبقات، ويجر إلى الوقوع في كبائر أخرى، مثل: تعمّد إبداء شيء من البدن، وتعمّد إبداء شيء من الزينة المكتسبة، والاختلاط، وفتنة الاخرين، إلى غير ذلك من آفات هتك الحجاب .
فعلى نساء المؤمنين الاستجابة إلى الالتزام بما افترضه الله عليهن من الحجاب والستر والعفة والحياء طاعةً لله تعالى، وطاعة لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله عز شأنه: {وَما كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضَى الله ورسولُهُ أمرًا أن يُّـكون لهم الخيرَةُ من أمرهمْ ومن يَّـعصِ الله ورسوله فقدْ ضلَّ ضلالًا مبينًا} . كيف ومن وراء افتراضه حكم وأسرار عظيمة، وفضائل محمودة، وغايات ومصالح كبيرة، منها :
1ـ حفظ العِرض : الحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبة والفتنة والفساد .
2ـ طهارة القلوب: الحجاب داعية إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بالتقوى، وتعظيم الحرمات، وصَدَق الله سبحانه : {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} .
3ـ مكارم الأخلاق : الحجاب داعية إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، والحجب لمساويها من الـتَلوُّث بالشَّائِنات كالتبذل والتهتك والسُّفالة والفساد .
4ـ علامة على العفيفات : الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك : {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} ، وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دارٍ إلا أكسبتها الهناء .
ومما يستطرف ذكره هنا : أن النُّميري لما أنشد عند الحجاج قوله :
يُخمِّرْنَ أطراف البنان من التُّقى ** ويَخْرجن جُنحَ الليل معـتجرات
قال الحجاج: وهكذا المرأة الحرة المسلمة .
5 ـ قطع الأطماع والخواطر الشيطانية: الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى، وأمراض قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكف الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها، ووقاية من رمي المحصنات بالفواحش، وَإِدباب قالة السوء، ودَنَس الريبة والشك، وغيرها من الخطرات الشيطانية .
ولبعضهم :
حُورٌ حـرائر ما هَمَمْنَ بِريبةٍ ** كَظِبَاء مَـكَّة صيدهنَّ حـرامُ
6 ـ حفظ الحياء: وهو مأخوذ من الحياة، فلا حياة بدونه، وهو خلُق يودعه الله في النفوس التي أراد سبحانه تكريمها، فيبعث على الفضائل، ويدفع في وجوه الرذائل، وهو من خصائص الإنسان، وخصال الفطرة، وخلق الإسلام، والحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو من محمود خصال العرب التي أقرها الإسلام ودعا إليها، قال عنترة العبسي:
وأَغضُّ طَرفي إن بَدَت لي جارتي ** حتى يُواري جـارتي مأواهـا
فآل مفعول الحياء إلى التحلي بالفضائل، وإلى سياج رادع، يصد النفس ويزجرها عن تطورها في الرذائل .
وما الحجاب إلا وسيلة فعالة لحفظ الحياء، وخلع الحجاب خلع للحياء .
7ـ الحجاب يمنع نفوذ التبرج والسفور والاختلاط إلى مجتمعات أهل الإسلام .
8ـ الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والغ.
9ـ المرأة عورة، والحجاب ساتر لها، وهذا من التقوى، قال الله تعالى : {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير} ، قال عبد الرحمن بن أسلم رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى).
وفي الدعاء المرفوع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ) رواه أبو داود وغيره .
10ـ حفظ الغيرة : وبيانها مفصلًا إن شاء الله في الأصل العاشر .
:26: شبهات وأقاويل حول الحجاب
مقدمة
من المعلوم أن الصراع قائم بين ابن آدم والشيطان، وهو صراع قديم ومستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالشيطان يأتي الإنسان من مواطن الضعف فيه فيغويه، ويمنيه، ويوسوس له حتى يستجيب، فيقع في المحظور. وقصة آدم وحواء مع إبليس هي أول وأكبر دليل على ذلك، فتمثلت غوايته في كشف السوءات، وهتك الأستار، وبذلك ينكشف لنا أن هذا هدف مقصود له لما يترتب عليه من الأضرار الخطيرة كإشاعة الفاحشة، وحصول الخوف على الأعراض والأنفس، ومن ثم حذرنا الله عز وجل من هذه الفتنة خاصة فقال جل وعلا: {يا بني ءادم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يومنون} .
ومن هنا يتبتن أن إبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات، وهو المؤسس الأول لدعوة التبرج بدرجاتها المتفاوتة، بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس الداعين إلى "تحرير المرأة" من الستر والصيانة والعفاف، الذين يبثون شبهات التبرج والسفور التي يلقيها الشيطان في قلوبهم فينشرونها في طريق المسلمين أشواكا تؤذي، وكلاليباً تخطف، يقع فريستها الكثير، فلا ينجو منها إلا من رحم الله، وتسلح بسلاح العلم الشرعي وتزود بزاد التقوى.
وقبل أن أبدأ ببيان بعض هذه الشبه والعلائق الشيطانية والرد عليها وكشف عورها، أجد من الجدير أن تذكر مفهوم الحجاب وما يضاده، فالحجاب هو (ستر جسم المرأة وزينتها عن أنظار الرجال غير المححارم لها) وضده التبرج الذي هو (إبداء المرأة زينتها ومحاسن جسمها، ويدخل في ذلك التكسر والتبختر في المشية وإظهار الزينة المكتسبة، وقيل: إنها كل زينة تحلو المرأة
بإظهارها في أعين الرجال)، أما السفور فهو (كشف الوجه) وهو جزء من التبرج، وعلى هذا فالحجاب يقابل التبرج بجميع صوره بما في ذلك السفور، وعموماً أي زينة أخلت بشرط من شروط الحجاب تعتبر من التبرج المحرم. والتبرج متفق على تحريمه في كل المذاهب وأقوال أهل العلم.
هناك شبه عامة وحجج واهية يتحجج بها أصحاب الأهواء والجهالات للتفلت من بعض الأحكام والتنصل من تنفيذها، نبدأ بذكرها والرد عليها، ثم نذكر بعض الشبه التي تتعلق بالحجاب الشرعي خاصة.
الشبهة الأولى:
قول البعض: (الدين يسر، ولبس الحجاب في هذا الزمن بطريقته المشروعة شيء صعب وشاق، خصوصاً في مجتمعات الانفتاح والتبرج).
والرد على هذه الشبهات من وجوه:
1- ينبغي أن يعلم أن كل ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخل في مقدورهم وطاقتهم.
2- أن تقرير خاصية التيسير للمشقة المرتبطة بالحكم ورفع الحرج لا يكون إلا بأدلة شرعية من القرآن أو السنة، فلابد للتخفيف في الحكم الشرعي ألا يكون مخالفاً لكتاب ولا سنة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
3- بناء على هذه الشبهة سيقال: إن مشقة التحرز من الربا في هذا العصر تقتضي جواز التعامل به، أو يقال: إن الرجم يسقط عن الحاج لمشقة الزحام، ومعلوم أن هذا كلام باطل لا يمكن أن يقال به.
4- أن العبادات لا تنفك عن المشقة غالباً غير أنها محتملة تتلاءم مع طاقة الإنسان العادية، قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} قال ابن القيم: "إن كانت المشقة مشقة تعب، فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب ولا راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة ".
ورب حكم شرعي مصلحته مرتبطة بما فيه من المشقة والجهد كالقصاص والحدود، بل هناك عبادات عظيمة لا تنفك عنها المشقة عادة كمشقة الوضوء في البرد، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، وكمشقة أعمال الحج.
5- أن عموم البلوى بالأمر الذي ثبت تحريمه ليس مبرراً لإباحته كما لا تبيحه عادات المجتمعات، ولا ينقلب مباحاً بتغير الزمان والمكان.
وقد فهم بعض السذج مدعي الثقافة، أنه ما دامت أعراف الناس متطورة بتطور الأزمان فلابد أن تكون الأحكام الشرعية متطورة بتطورها، وهذا ما يسمونه ب (الدين العصري)، ومقتضى ذلك التحلل من الواجبات وإباحة بعض المحرمات، تمشياً مع التقدم الحضاري والتطور العصري، كما يقول قائلهم.
ولا ريب أن هذا كلام يتبين سقوطه وبطلانه لمن كان عنده أدنى فقه في الدين، إذ لو أن هذا الكلام مقبول لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهيناً لأعراف الناس وعاداتهم التي لا يزال يطغى عليها الفساد والانحراف بمرور الزمان، إذ لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ولكن يقال: ما أبرم حكمه وثبت الأمر به بدليل شرعي فإن حكمه يبقى ما بقيت الدنيا ولا يتبدل ولا يتطور، مثال ذلك الطهارة وأحكام الصلاة والقصاص والحدود، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب واشتراط الولي للمرأة وما شابه ذلك.
أما الأحكام التي لم يقض فيها بحكم مبرم شرعي، وإنما جعلت مرتبطة من أصلها بما قد يتبدل من أعراف الناس ومصالحهم فهذا الذي يجوز أن يقال فيه (العادة محكمة) مثال ذلك: ما تفرضه سنة الخلق وطبيعة الإنسان مما لا دخل للإرادة والتكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس ونحوها.
الشبهة الثانية:
أن يقال: أهم شيء سلامة النية، فتقول السافرة: أنا واثقة من نفسي وأنا لا أريد فتنة الرجل وقصدي سليم من كل ما يقال في التبرج وأهله.
والتعلل بسلامة النية مبرر يسمع دائمأ ممن تشبع قلبها بالشهوات والأهواء، ووقعت في المآثم، والرد عليها من وجوه:
1- أنها متعبدة لله عز وجل بالستر والحجاب الذي جاء الأمر به محكماً في كتاب الله تعالى، فعليها أن تسمع وتطيع، بقطع النظر عن أي اعتبار آخر.
2- أن النية السليمة لا تبرر العمل المحرم كما لا تقلبه مباحاً، فالعمل الخطأ يبقى خطأ يأثم فاعله، ولو مع سلامة النية، بدليل أن مشركي العرب كانت نيتهم في عبادتهم الأوثان نية حسنة كما أخبر الله عز وجل عن قولهم (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فلم تنفعهم هذه النية في دفع وصف الشرك عنهم.
3- أنها وإن أمنت الفتنة على نفسها- كما تدعى أنها واثقة من نفسها- فهي لا تأمن الفتنة الحاصلة لمن نظر إليها، وهذا يغلب على الظن وقوعه؟ فتحمل وزر فتنته وغوايته من حيث لا تشعر، ومن هنا قال العلماء: (من تحققت من نظر أجنبي عنها يلزم ستر وجهها عنه، كانت معينة له على الحرام فتأثم).
4- ثم إنه يغتر ويتأثر بفعلها السفيهات وصغيرات السن، لاسيما إذا كانت في مقام القدوة كالأم والمعلمة.
5- وإن كانت النية الطيبة أمر مهم جداً في عمل الإنسان، ولكن لو اقتصر عليها لكان كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد، إذ لا بد من موافقة الشرع في ذلك.
الشبهة الثالثة:
أن تقول: أستحي من لبس الحجاب بصورته المطلوبة- من إدناء العباءة من الرأس وستر الوجه والأطراف.
- يقال لهذه المرأة: أهل المعاصي يتبجحون بمعاصيهم وتبرجهم، وأهل الحق يستحيون مما هم عليه، والله إنها لمصيبة عظيمة تدل على غياب العزة بالدين وضعف الولاء لله تعالى، فهذه هزيمة من الداخل، تلجأ فيها المرأة إلى لبس ما يرغبه الناس ويحبونه، ولو خالف ما تعلم أنه من واجبات دينها ومن حق ربها عليه.
وهذا نوع رياء- كما وصفه أهل العلم- رياء أهل الدنيا، وهو التجمل للناس والتحسن أمامهم بظاهر لا يرضي الله تعالى.
الشبهة الرابعة:
أن تقول السافرة: غطاء الوجه من أجل الحياء فقط وليس مطلوباً في الدين.
وهنا يقال لها: أو تظنين الحياء ليس ديناً؟
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والحياء شعبة من شعب الإيمان ".
فالحياء خلق إيماني يمنع المؤمن من ارتكاب المعاصي خوفاً من الله تعالى، وهو رأس كل الفضائل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر" وقال: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة".
فبين الذنوب وبين قلة الحياء تلازم من الطرفين،وكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثاً، ولقد أبرز القرآن الكريم خلق الحياء في ابنتي الرجل الصالح في قوله تعالى: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء}، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة، قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء) والسلفع المرأة السليطة الجريئة. فلذلك وجب على المسلمين أن يعودوا بناتهم على الحياء، والتخلق بهذا الخلق الذي اختاره الله تعالى لدينه القويم؛ لأن عدم الحياء علامة على زوال الإيمان.
الشبهة الخامسة:
يطلق بعض أنصار السفور والتبرج على الحجاب والستر الكامل بعض الأوصاف والأراجيف، الهدف منها تنفير المسلمات منه، وترسيخ روح الاشمئزاز والكراهية من التجلبب والعفاف، منها قولهم:
1- أنه يسهل عملية إخفاء الشخصية، وقد يتستر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش ويتعاطين الآثام، فأصبح عندهم الحجاب بصورته الشرعية مشبوهاً وعرضة للتهمة.
الرد على هذه الشبهة:
قبل أن نجيب على هؤلاء نذكرهم بقول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما ميينا} ثم يجاب على هذا الإرجاف بأنه لا يمكن بأي حال أن يسوقنا هذا التخوف المحتمل من سوء استخدام الغطاء والحجاب واستغلاله في الأغراض المحرمة إلى أن نتخفى عن أمر أمرنا الله عز وجل به.
وإذا حاولت فاسقة مستهترة أن تواري عن أعين الناس صنيعها بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة، فما ذنب الحجاب؟
مع أن هناك من يستغل اللبس العسكري- مثلا- في التحايل علي الناس واستغلاله فيما لا يسمح له، فهل يصلح أن يكون ذلك مبررا لإلغاء الزي العسكري؟
بل لم نسمع في يوم من الأيام من يقول ذلك مع أن الإساءات قد تكررت فيه.
ومن قبيل هذه المزاعم والافتراءات على الحجاب، قول قائلهم: إن العباءة تحولت إلى فخ أو قيد.. بل "كلبشة" شديدة الاتقان. وقوله: قد تحول الستر إلى قيد محكم "أو حبل مشنقة".
وذلك عندما قضى الله أن تتوفى طالبة بسبب انغلاق باب السيارة على طرف العباءة كما يذكر، مع أن هذا الحادث ممكن أن يقع ويتكرر بسبب طرف الثوب أو الفستان فهل يقال بإلغاء لبس الثياب والفساتين؟ هذا ما نخشى حدوثه!!
2- يقولون: إن عفة المرأة واستقامتها ليس في الغطاء، فكم من فتاة متحجبة ومتسترة من جميع الوجوه ولكنها على خلق ذميم وسلوك سيء، وكم من فتاة حاسرة سافرة لا يعرف السوء سبيلا إلى نفسها وسلوكها.
الجواب:
إن الإسلام أمر المرأة بالحجاب، وأمرها أن تكون ذات خلق ودين وصفاء سريرة، إنه يربي التي تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الحجاب ويقول لها:{ولباس التقوى ذلك خير ذلك}.
ولكن البشر عموما معرضون للخطأ والعصيان كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء". فإذا أخطأت العفيفة المحتشمة فوقع منها سلوك مشين أوخلق ذميم فهل تعاب على ذنبها وتقصيرها أم على حجابها؟
ثم إن الحجاب لا يستلزم أن لا تلبسه إلا من كانت نقية تقية، بل على المرأة أن تطيع ربها في لبس الحجاب وفي سائر ما أمرت به، فلو قصرت في شيء من ذلك استحقت الذم والإثم، ولا تكون أبدأ طاعتها مبررا لإساءتها وتقصيرها كما يقولون في شبهتهم.
ثم يقال لهم: هل المطلوب أن تكون المسلمة إما محجبة سيئة السلوك أو سافرة حسنة السلوك؟ ألا يمكن أن تجمع بين الحسنيين فتكون محجبة، حسنة السلوك؟ بل هذا هو الأصل الذي ينبغي أن تطمح إلى تحقيقه كل مسلمة، وتسعى لإكماله في نفسها وفي أخواتها المسلمات بدلا من أن تقف راضية عن نفسها في نقصها، مزرية للأخريات في قصورهن.
3- ومن ذلك أيضا: من تحتج على تساهلها في حجابها بفعل بعض النساء الخيرات اللاتي يتساهلن في لبس العباءة أو لا يتحرزن في تغطية الوجه، بلبس النقاب الواسع الفتحات مثلا، وقد يكون أولئك النساء زوجات أو بنات لرجال صالحين.
وهذا المبرر الذي نسمعه من بعض النساء يكتنفه الهوى والشهوة، وهي تعلم أنها ليست على صواب، فبعض النساء الخيرات يفرطن بالحجاب الكامل جهلا منهن بحكمه، والبعض الآخر قد يكن نساء متمردات على أزواجهن الصالحين.
فلا يجعل أبدا تقصيرهن حجة، بل المقطوع به عند المسلمين جميعا أن تصرفات الآخرين لابد أن توزن- صحة وبطلانا- بميزان الحكم الإسلامي. وليس الحكم الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، فهو كما يقولون (لا تعرف الحق بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله)، وعلى ضوء هذه القاعدة ينبغي أن يسير المسلم في طاعة ربه غير متأثرا بأفعال الآخرين الباطلة مهما كانوا.
ثم لماذا لا نعتجر بفعل الجمهرة العظيمة من النساء المصونات العفيفات ونجعله حجة لنا بدلا من جعل حجتنا قلة شاذة في الصالحات؟
وهذه الجمهرة ليست فحسب في وقتنا الحاضر بل هي قائمة على مر عصور التاريخ الإسلامي، وإليك أقوال علماء عاصروا أزمنة شتى، يخبرون عن واقع حجاب المرأة المسلمة:
- يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
(لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج).
- والإمام ابن رسلان رحمه الله يقول:
(اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات).
- ويقول ابن حجر رحمه الله:
(إن النساء كن يخرجن إلى المساجد والأسفار متنقبات لئلا يراهن الرجال).
4- قول القائل: إن لبس الحجاب المستوفي للشروط في البلاد التي ليس فيها نساء يتحجبن كذلك أو لا يتحجبن مطلقا من الشهرة المذمومة شرعا.
هذه الشبهة بنيت على الجهل بمفهوم الأحكام، وعلى هذا يكون الرد عليهم بإيضاح مفهوم لباس الشهرة المحرمة شرعا، إذ هو كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس، سواء كان الثوب نفيسا غاليا طلبا للتفاخر والكبر، أو وضيعا رخيصا إظهارا للزهد والقناعة، يريد أن يرفع الناس إليه أبصارهم.
فيكون مدار اعتبار الثوب ثوب شهرة من عدمه إنما هو على النية والقصد، فيكون الواجب في لبس الحجاب في البيئة التي يشذ فيها الحجاب النية الصحيحة المتوجهة لله خالصة.
ونحن إذا تمسكنا بحجابنا بين أهل التبرج لا نقصد الاشتهار بل نقصد طاعة الله تعالى والتمسك بقوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
وكذلك لا يكون الثوب ثوب شهرة محرم إلا إذا كان أهل البلدة مستقيمين على طاعة الله ورسوله، أما إذا فسدت فطرتهم وانحرفوا عن الجادة، فلا نجاريهم في ضلالهم بحجة عدم الاشتهار.
واعتبار الحجاب ثوب شهرة مذموماً ينبغي طرحه من أعجب العجب!! إذ كيف يكون التمسك بالآيات والنصوص النبوية شهرة وشذوذاً، وإتباع سبيل الإفرنج والكفار والمستهترين يعد إلفاً واعتدالاً.
إنه الهوى قاتله الله {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىمن الله}.
الشبهة السادسة:
يقولون: العباءة تشمل جميع ما يلبسنه نساء اليوم عند خروجهن بما في ذلك الكابات والعباءات الفرنسية وما شابهها، فالكل عباءة وليس بينها فرق في غرض الستر مع عباءة الرأس المحتشمة.
وهذه من الأغاليط المشهورة عند النساء المغرمات بلبس العباءات المجملة والمنمقة والملففة.
ونرد عليهن بقولنا:
لا تنخدعي بالأسماء والشعارات وإنما انظري لحقائقها ومسمياتها.
فالجميع يسمي ما تلبسه النساء اليوم عند خروجهن "عباءة"ولكن هل كلها بحق عباءة؟
وفصل الجواب في ذلك يكون بعرض ما يسمى عباءة على الشروط الشرعية الواجب توفرها في حجاب المرأة عند خروجها، فإن استوفت الشروط فهي عباءة، وإذا نقص فيها من الشروط شيء فلا يستحق أن تسمى عباءة بل هي تماماً ما يسميه البعض (موضة).
وعلى هذا يجدر بنا أن نعرض شروط الحجاب الشرعي، ولكن قبل ذلك نعرض سؤالا لكل ذات عباءة: هل أنت مؤمنة بأن العباءة التي تلبسينها عبادة تتقربين لله عز وجل بها؟ فإن كان الجواب بنعم فنقول لها إذا فاعتبري بهذه الشروط واعتني بها؛ لأنها شروط عبادة تأدينها لله تعالى لا تتم إلا بها.
ومن قالت مجيبة على السؤال: لا إنما هو أمر اعتدته وألفته. فنقول لها إذن لن تهمك الشروط الشرعية؛ لأنك في الأصل غير متعبدة لله بها، وسترضين بكل جديد ومستحدث يكون فيها بما يتناسب مع حب الجمال والزينة لديك، وليس أدل على ذلك مما نراه اليوم من السباق الحاد بين كثير من السفيهات في عرض أزياء لما يسمونه عبايات- زعموا-.
أما الشروط فهي باختصار:
1- أن يستوعب جميع البدن، فلا يبدو منه عضو.
2- ألا يكون زينة في نفسه فلا يكون مزخرفا ولا مطرزا ولا ملونا.
3- أن يكون صفيقا- أي كثيفا- لا يشف فيبدو من تحته الجسم والزينة.
4- أن يكون فضفاضا لا يصف حجم الأعضاء والجسم.
5- ألا يكون مبخرا ولا مطيبا.
6- ألا يشبه لباس الرجال.
7- ألا يشبه لباس الكافرات.
8- ألا يكون لباس شهرة.
فإن خلت العباءة من أحد هذه الشروط فهي نوع تبرج يخالف الشرع.
إذا التبرج كما عرفه العلماء: (هو كل زينة أو تجمل تظهره المرأة تحلو به في أعين الأجانب، حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن انتخب من الألوان البراقة، والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين، فهو من مظاهر تبرج الجاهلين).
وما نراه اليوم من مظاهر الفتنة والعصيان فيما يسمى بالعباءة المزعومة التي يلبسها كثير من النساء عند خروجهن، وقد لفتها على بدنها فأبرزت مفاتنها، وأخرجت ذراعيها من خلال تلك الأكمام الواسعة، ثم زينتها بأنواع الزينة الرائقة فهي من قبيل ذلك التبرج المحرم. وما هن إلا كما وصفهن الشاعر بقوله:
إن ينتسبن إلى الحـجاب فإنـه نسب الدخيل
أهي التي فرض الحجاب لصونها شرع الرسول؟
خل الحـجاب معاذها من ذلك الداء الوبيل
ولو أن كل امرأة مسلمة التزمت درجة الحجاب المثلى عند احتياجها للخروج من بيتها لما كان لكثير من الفتن مكان في حياتنا، ولسلمنا على أعراضنا وشبابنا.
ثم نذكر أخواتنا الملتفات بتلك العباءات بحديث النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في السلسلة الصحيحة في قوله عليه السلام: "خير نسائكم الودود الولود، المواتية، المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة هن إلا مثل الغراب الأعصم " والغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين. وقيل: الأبيض الرجلين. وقيل: هو أحمر المنقار والرجلين، وهذا الوصف في الغربان قليل، وهذا الوصف كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء؛ وذلك لكثرة تلبسهن بتلك الأوصاف- عافانا الله منها ومن النار. ثم لتستمع تلك المرأة التي ألصقت العباءة بجسدها غير آبهة بما يبرز منه، إلى موقف المؤمنات الصادقات اللاتي كانت إحداهن تستقبح أن يصف الثوب جسدها بعد موتها عندما تطرح على النعش، فتقدم بين يدي الرجال ليصلى عليها، فتبحث عن طريقة لستر وصف جسدها وهي ميتة فكيف بالله تظنين كان حرصها على ذلك في حياتها؟.
فتروى عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت:
(يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع النساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها) فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله، أريك شيئاً رأيته بالحبشة!! فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: (ما أحسن هذا وأجمله).
كثيراً ما نواجه من النساء الجاهلات من تقول: أعطوني دليلاً على أنه لا يجوز لبس عباءة الكتف، وأنه لا بد أن تكون العباءة على الرأس .
فهذه يقال لها: هل أنت طالبة للحق أم طالبة للمستحيل؟
فإن قالت: أنا طالبة للحق، فيقال لها: قد وجدتيه في الضوابط والشروط التي ذكرت في حجاب المرأة المسلمة، والذي جاءت بها الأدلة، وقد وجدتيه أيضاً في فتاوى العلماء الأثبات الثقات، الذين أمرنا الله بطاعتهم فقال جل وعلا: { يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} .
فإن لم تكن طالبة للحق فهي طالبة للمستحيل، وهو إتيانها بمنطوق آية أو حديث في ذلك الأمر.
فنقول لها: إن الإنسان الذي يعلق استجابته بأمر مستحيل هو صاحب هوى لن يستجيب أبداً ولو تحقق له هذا المستحيل؛ لأن تعليق الاستجابة على الأمر البعيد يدل على عدم صحة الرغبة وصدوا الطلب للحق، بل يدل على التعنت والعناد، كما كانت مواقف بني إسرائيل مع أنبيائهم بطلب أمور محالة خارجة عن المألوف مقابل استجابتهم تعنتاً وعناداً، فلما حصلت لهم لم يؤمنوا بها. وفي مثل ذلك يقول الله تعالى: {فإن لم يستتجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم }.
الشبهة السابعة:
الكثير يحتج بحجة تدل على جهله بأدلة الحجاب من جهة ومن جهة أخرى جهله بما اتفق عليه علماء المذاهب في وجوب غطاء الوجه في زمن كثرة الفتن والفساد، وهذا الزمن الذي نعيشه أولى بهذا الوصف.
الحجة تقول: (إن غطاء الوجه مسألة خلافية بين أهل العلم).
الجواب من عدة جوه:
1- على المسلم الصادق أن يتحرى الصواب في المسائل والأحكام بالبحث عن الحجة الأقوى وترك إتباع الهوى والاستعانة بالله تعالى للدلالة على الحق والقيام به، ومن قام بذلك كله فإنه لا محالة سيوفق إلى الحق وييسر له سبيله كما قال تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم}.
ومن كان غير ذلك فهو ممن قال تعالى فيهم: !الو أؤ!بهث آللأين لؤييرب أدئه آن ظفرقلوبهؤ!و وقال تعالى عنهم: !و قلن تضلف تل! مئ آلئو شتئأ!و، إذ حجة (المسألة خلافية) تبناها كثير من الناس اليوم في عبادتهم، فظفروا بمرادهم وأهوائهم في زلة عالم، أو رخصة متكلفة، أو قول شاذ، أو فهم خاطئ، دون أي اعتبار لمخالفة ذلك القول لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء شافياً عند داء الاختلاف وذلك في قوله: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين).
ولقد جعل الله تعالى الإجماع حجة معصومة من الضلال، فلا يصح أن نجعل ما يضاده وهو الاختلاف حجة أيضاً!!!.
ومن تتبع في دينه الرخص والاختلافات الشاذة، فإنه سيؤدي إلى نقص عبوديته ورقة دينه، بل ربما إلى ذهابه بالكلية، كما قد قيل: من تتبع الرخص فقد تزندق، أي خرج عن الدين.
2- أن الواقع المؤكد والمنقول أن نساء الإسلام ظللن محجبات خلال مراحل التاريخ الإسلامي، ونقولات أهل العلم التي ذكرناها خلال الموضوع تؤكد أن الالتزام بالحجاب كان أحد معالم سبيل المؤمنين في شتى العصور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب والأمة تبرز".
وعن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا، تنقبت به، فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وأن يستعففن خير لهن} فتقول: هو إثبات الحجاب "
3- نستطيع أن نلخص مجموع أقوال علماء المذاهب الأربعة في مسألة حجاب المرأة بأنهم متفقون على وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب سواء منهم من يرى أن الوجه والكفين عورة، أو من يرى أنهما غير عورة، لكنه يوجب تغطيتهما في هذا الزمان لفساد أكثر الناس، ورقة دينهم أو عدم تورعهم عن النظر المحرم إلى المرأة.
يقول الشيخ محمد المقدم حفظه الله في كتابه (عودة الحجاب) (1): (اتفق جمهور علماء المذاهب في هذا الزمان على وجوب تغطية الوجه والكفين عند المرأة سداً لذرائع الفساد وعوارض الفتن).
أخيراً:
فبعد إيراد بعضاً من الشبهات التي يثيرها أنصار السفور والتبرج. نقول لصاحبة (حجاب التبرج)!
حذار أن تصدقي أن حجابك هذا هو الذي أمر به القرآن والسنة، أو أن تغتري بأنك أحسن حالاً من صاحبات التبرج الصارخ؛ فإنه لا أسوة في الشر، فالنار دركات بعضها أسفل من بعض.
وإياك أن تنخدعي بمن يبارك عملك هذا من أرباب الأغراض الشيطانية، والمصالح الشهوانية، والمنافع المادية، ممن يخطط للحجاب المتبرج وينفذه ويعرضه ويبيع ويشتري فيه، فهؤلاء أشبه باليهود والنصارى الذين عصوا الله ورسوله وقابلوا أمر الله ونهيه بقولهم {سمعنا وعصينا} وقول الله تعالى فيهم {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} فهؤلاء كأنهم لم ينزل فيهم قرآناً يتلى، كأنهم لم يسمعوا قوله {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} وقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} وقوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلي
حور الفردوس @hor_alfrdos
محررة
الحجاب... تعريفه ، بم يكون ، أدله فرض الحجاب ، فضائله ،شبهات حول الحجاب أرجو التثبيت
20
2K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
حور الفردوس
•
قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب}
حور الفردوس :قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب}قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب}
أما الشروط فهي باختصار:
1- أن يستوعب جميع البدن، فلا يبدو منه عضو.
2- ألا يكون زينة في نفسه فلا يكون مزخرفا ولا مطرزا ولا ملونا.
3- أن يكون صفيقا- أي كثيفا- لا يشف فيبدو من تحته الجسم والزينة.
4- أن يكون فضفاضا لا يصف حجم الأعضاء والجسم.
5- ألا يكون مبخرا ولا مطيبا.
6- ألا يشبه لباس الرجال.
7- ألا يشبه لباس الكافرات.
8- ألا يكون لباس شهرة.
هذا ما نتمنه جميعا فى حجابنا لان الله اعز المراة بالحجاب ونتمنا ان تصون نفسها
وتعز نفسها به كما اعزها الله والاسلام جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الرائع
سلمت اناملك وجعلها الله فى ميزان حسناتك وبارك الله فيكى
1- أن يستوعب جميع البدن، فلا يبدو منه عضو.
2- ألا يكون زينة في نفسه فلا يكون مزخرفا ولا مطرزا ولا ملونا.
3- أن يكون صفيقا- أي كثيفا- لا يشف فيبدو من تحته الجسم والزينة.
4- أن يكون فضفاضا لا يصف حجم الأعضاء والجسم.
5- ألا يكون مبخرا ولا مطيبا.
6- ألا يشبه لباس الرجال.
7- ألا يشبه لباس الكافرات.
8- ألا يكون لباس شهرة.
هذا ما نتمنه جميعا فى حجابنا لان الله اعز المراة بالحجاب ونتمنا ان تصون نفسها
وتعز نفسها به كما اعزها الله والاسلام جزاك الله خيرا على هذا الموضوع الرائع
سلمت اناملك وجعلها الله فى ميزان حسناتك وبارك الله فيكى
أختي dreams2008
وإياكِ غاليتي وجزاكِ الله الفردوس الأعلى على هالدعوات الطيبة ولكِ بالمثل
وإياكِ غاليتي وجزاكِ الله الفردوس الأعلى على هالدعوات الطيبة ولكِ بالمثل
أخواتي الحبيبات الموضوع هذا في غاية الأهمية وما أشوف أحد رد ولا الموضوع ثبت من أنه من
المواضيع المهمة في حياة المرأة المسلمة
المواضيع المهمة في حياة المرأة المسلمة
الصفحة الأخيرة