الحدود والسلطان (3)
الفصل الأول وجوب إقامة الحدود
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: النصوص الدالة على وجوب إقامة الحدود.
المبحث الثاني: الآثار المترتبة على عدم تنفيذ الحدود.
المبحث الأول
النصوص الدالة على وجوب تنفيذ الحدود
الحدود في اصطلاح الفقهاء تطلق على ما يغلب فيه جانب حق الله تعالى، مع تحديد عقوباتها..
كما قال العلامة علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، رحمه الله في تعريف الحد:
"وفي الشرع عبارة عن عقوبة مقدرة، واجبة، حقاً لله تعالى عزَّ شأنه" .
ولكن حكم القصاص هنا كحكم الحدود من حيث إنه.. هل هو إلى الإمام أو يجوز أن يُستَوفَى بدون إذنه؟
ولذلك نورد النصوص الواردة فيه مع النصوص الواردة في الحدود.
قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) .
والمراد أنه مفروض على أولي الأمر أن ينهضوا به، ويمكنوا ولي من اعتدي عليه المطالبَ بدمه، من استيفاء القصاص لوليه ممن اعتدى عليه، سواء كان الاعتداء على النفس أو على الأطراف، أو كان جرحاً بالشروط التي بينها الفقهاء رحمهم الله .
وقال تعالى: (( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )) .
وقال تعالى: ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) .
فإقامة القصاص إذا توافرت شروطه فرض على ولي الأمر، والآية وإن كان سبب نزولها في اليهود، فإن حكم ما ورد فيها فرض كذلك على المسلمين. .
وقال تعالى: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) .
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ :
"وأجمع المسلمون على وجوب قطع السارق في الجملة". .
وقال تعالى: (( وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا )) .
وكانت هذه أولى عقوبات الزناة في ابتداء الإسلام .
وقال تعالى: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) .
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ :
"ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصناً، وقد جاء ذلك في كتاب الله تعالى بقوله: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ …)).. وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لما جاء به الكتاب". .
وقال:
"الكلام في هذه المسألة ـ أي مسألة الزاني المحصن ـ في ثلاثة فصول:
أحدها: في وجوب الرجم على الزاني المحصن، رجلاً كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم، من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفاً إلا الخوارج". . ورد على مذهبهم بالأحاديث الصحيحة وإجماع الأمة سلفاً وخلفاً ما عداهم.
وقال تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) .
قال ابن قدامة ـ رحمه الله:
"وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف المحصن إذا كان مكلفاً" .
وقال تعالى: (( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) .
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وهذه الآية في قول ابن عباس وكثير من العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين، وبه يقول مالك والشافعي أبو ثور، وأصحاب الرأي" .
وبعد ذكر الآيات المتعلقة ببعض الحدود، نذكر بعض الأحاديث الواردة في بعض الحدود التي لم تذكر في الآيات، كحد الردة، وحد الزاني المحصن، وحد اللوطي، وحد شارب الخمر.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️