الحدود والسلطان (8) دلالة الواقع التاريخي..

ملتقى الإيمان

الحدود والسلطان (8)

دلالة الواقع التاريخي على أن إقامة الحدود إلى السلطان..

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: مجيء العصاة إلى السلطان ليطهرهم بإقامة الحد عليهم.

المبحث الثاني: مجيء الرعية إلى السلطان بالعصاة لتطهيرهم بإقامة الحد.

المبحث الثالث: أمر السلطان بإقامة الحدود.

المبحث الأول: مجيء العصاة إلى السلطان ليطهرهم بإقامة الحد عليهم.

كان الرجل أو المرأة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قارف ذنباً ذكر الله وندم على فعله، وأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقراً بذنبه، طالباً منه أن يطهره منه بحد الله تعالى، وفي هذا المبحث عدة حوادث، نذكر منها أمثلة..

أولاً: حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما:
"أن رجلاً من أسلم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجم، وكان قد أحصن". .

ثانياً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال:
"أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، حتى رد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أبك جنون قال: لا، قال: ( فهل أحصنت ؟) قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اذهبوا به فارجموه )". .

ثالثاً: حديث عمران بن حصين، رضي الله عنه:
"أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله، أصبت حداً فأقمه عليْ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: ( أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها ) ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت". .

رابعاً: حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه: قال:
"كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل، فقال: يا رسول، إني أصبت حداً، فأقمه عليْ، ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقم فيَّ كتاب الله، قال: ( أليس قد صليت معنا؟ ) قال: نعم، قال: ( فإن الله قد غفر لك ذنبك ) أو قال: ( حدك )". .

وفي عدم استفصال الرسول صلى الله عليه وسلم من الرجل الحد الذي أصابه، وعدم إقامة الحد عليه، مع أنه جاء يطلب ذلك، دليل على أن الأولى في حق ولي الأمر، الستر على العاصي وعدم البحث في أمره، ما دامت المعصية تتعلق بحق الله تعالى.

وذكر الحافظ بن حجر رحمه الله آراء العلماء في معنى هذا الحديث، فقال:
"وقد اختلف نظر العلماء في هذا الحكم، فظاهر ترجمة البخاري ـ وهي هكذا (باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه، حمله على من أقر بحد ولم يفسره، فإنه لا يجب على الإمام أن يقيمه عليه إذا تاب..

وحمله الخطابي على أنه يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، اطلع بالوحي على أن الله سبحانه وتعالى قد غفر له، لكونها واقعة عين، وإلا لكان يستفسره عن الحد ويقيمه عليه..

وقال أيضاً، في هذا الحديث:
أنه لا يكشف عن الحدود، بل يدفع مهما أمكن، وهذا الرجل لم يفصح بأمر يلزمه به إقامة الحد عليه، فلعله أصاب صغيرة ظنها كبيرة توجب الحد، فلم يكشفه النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم عن ذلك، لأن موجب الحد لا يثبت بالاحتمال، وإنما لم يستفسره، إما لأن ذلك قد يدخل في التجسس المنهي عنه، وإما إيثاراً للستر ورأى أن في تعرضه لإقامة الحد عليه ندماً ورجوعاً.

وقد استحب العلماء تلقين من أقر بموجب الحد بالرجوع عنه، إما بالتعريض وإما بأوضح منه، ليدرأ عنه الحد..

وجزم النووي وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر، بدليل أن في بقية الخبر أنه كفرته الصلاة، بناءً على أن الذي تكفره الصلاة من الذنوب الصغائر لا الكبائر". .

واضح من هذه الأحاديث أن الذين كانوا يرتكبون ما يظنون أن فيه حداً، يذهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، طالبين منه إقامة الحد عليهم، وذلك لأنه الرسول الذي ينزل عليه الوحي بالأحكام من جهة..

ولأنه ولي أمر المسلمين الذي يأمرهم وينهاهم من جهة أخرى.
0
296

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️