الذاكرات

الذاكرات @althakrat

محررة ذهبية

* الحد الفاصل بين الجهاد والفوضى *

ملتقى الإيمان

* الحد الفاصل بين الجهاد والفوضى *


كتبه الشيخ د.حمد بن إبراهيم العثمان


- حفظه الله تعالى -


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فان المسلم ليحزن إذا رأى قيادات غير حكيمة تسوق المسلمين إلى ما فيه ضررهم وتلفهم، وأمر الجهاد ليس بالأمر اليسير حتى يناور فيه الإنسان على سبيل تخمين ردة فعل العدو، لأن الجهاد فيه تعريض النفوس والأموال للتلف، وتمكين العدو من أراضي المسلمين وانتهاك حرماتهم ومقدساتهم، ولذلك جعل الله أمر الجهاد وما يتعلق بأمن المسلمين ومصالحهم العامة لولي الأمر مع مشورة أهل الحكمة والخبرة والاختصاص، قال تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وإنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن، وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم، أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها »


فلهذا ليس من الرأي السديد ولا من الجهاد في شيء أن نأسر رجلا واحدا من العدو ونقتل مثله ونحن ضعفاء، فيقوم العدو باحتلال مزيد من الأراضي ويقتل أضعافا كثيرة من المسلمين، ويبث الخوف والرعب ويشفي غله بأضعاف ما حصل له، ويحاصر المسلمين في مكان محدود ويقطع عنهم الماء والكهرباء، ونحن عاجزون عن دفع الضر عن أنفسنا، فضلا عن إلحاق الأذى بالعدو، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين»


وكذلك من الظلم أن تقوم ميليشيا حزبية خارجة عن طاعة الحاكم بمبادرة العدو للقتال فتجلب للبلاد حربا لم يخترها حاكمها ولا شعبها، فهذا من أسباب الفوضى وتضييع بلاد المسلمين، وبهذا تظهر حكمة الله في جعل سياسة الجهاد والحرب لولي الأمر، قال الحسن البصري رحمه الله: «أربع من أمر الإسلام إلى السلطان: الحكم، والفيء، والجهاد، والجمعة»


وقال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله: «لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس كما قال الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات: 9)، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضا لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام » .




الجهاد تابع للمصلحة وشرطه القدرة



لا شك أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واضحة، فتارة يقاتل مع القدرة، وتارة يهادن مع عدم القدرة، لذلك من القواعد الكبيرة في مسائل الجهاد هو أن الجهاد تابع للمصلحة، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة، فعلى المسلمين أن يسلكوا هديه ويتشاوروا في أمرهم، ويعملوا في كل وقت ما يناسبه ويصلح له»،

وقد نص العلماء على انه لا أثم في عدم الجهاد مع عدم الاستطاعة، قال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ). قال العلامة محمد بن علي الكرجي «فمن لم يطق الجهاد بالنفس والمال، وآمن به ورآه حقا فهو من أهله، وليس عليه غيره»

فتأمل قوله «ليس عليه غيره» فهذا والله دين الإسلام الذي يعرفه الخاص والعام كما قال تعالى ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).وكذلك قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: « ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذل»، ، فتأمل القيد والشرط الذي يذكره كل العلماء «مع قدرته عليه» وكرر ذلك ابن رجب أيضا في هدي النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في التوضيح والتوكيد فقال:« فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته عليه واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له الذل» فتأمل قوله «من الجهاد مع قدرته عليه»، فهذا مما لا يختلف فيه المسلمون.




مقصود الجهاد إقامة الدين وحفظ النفوس لا إفنائها.


مقصود الجهاد هو أن تكون كلمة الله هي العليا و أن يحفظ دين المسلمين و أن تحفظ أرواحهم فهذا الذي تبذل فيه المهج، أما أن نقتل عددا محدودا جدا من العدو يوجب غضبهم وتشفيهم وظهورهم علينا وسفك دمائنا وإتلاف أموالنا ومقدراتنا فهذا انتحار، ولا تأتي به شريعة قط، قال العز بن عبد السلام رحمه الله: «أن أي قتال للكفار لا تتحقق به نكاية للعدو فانه يجب تركه، لان المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من موات النفوس، وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا مفسدة محضة وليس في طيها مصلحة»،




النجاة من العدو فتح


مع الضعف وعدم القدرة لا يعيب المسلم أن يتحرى السلامة من عدوه، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه لما رأى ما نزل بجيش المسلمين من القتل في غزوة مؤتة رجع بالجيش طلبا لحفظ دماء المسلمين والسلامة من العدو، قال والدنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله «والتخلص من العدو يسمى نصرا وفتحا وغلبة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة حين كانت الراية مع زيد بن حارثة ثم كانت مع جعفر بن أبي طالب، ثم كانت مع عبد الله بن رواحة ، وكلهم قتلوا رضي الله عنهم، قال: «ثم أخذها خالد ففتح الله على يديه».

وخالد رضي الله عنه لم ينتصر على الروم ولم يغلبهم، ولكن نجا منهم، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه النجاة فتحا»




الحل وكيف ننتصر على عدونا؟


لا بد مع ذكر أحوالنا، ونقدنا للتصرفات غير الحكيمة، أن نذكر الحل لأوضاعنا الحالية حتى لا نكون مجرد منظرين، فظهور العدو خصوصا أرذل الأعداء اليهود إنما هو بسبب ذنوبنا، والله ذكر شرط النصر في قوله تعالى ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )، وذكر الله أن معية النصر للمتقين والمحسنين، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )، وقال تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )، قال ابن القيم: «الكفاية على قدر العبودية»، فلذلك ينبغي علينا أن نحقق العبودية التي تجلب النصر، وهذه تكون مع صحة الاعتقاد، وملازمة السنة ومجانبة البدعة، وتحقيق الطاعة فإذا صدقت قلوبنا وارتفعت أيدينا بالدعاء كفانا الله أعداءنا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «القلوب الصادقة والأدعية الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب».

وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: «المشكلة الأولى: هي ضعف المسلمين في أقطار الدنيا في العدد والعُدد عن مقاومة الكفار، وقد هدى القرآن العظيم إلى حل هذه المشكلة بأقوم الطرق وأعدلها: فبين أن علاج الضعف عن مقاومة الكفار إنما هو بصدق التوجه إلى الله تعالى، وقوة الإيمان والتوكل عليه، لأن الله قوي عزيز، قاهر لكل شيء، فمن كان من حزبه على الحقيقة لا يمكن أن يغلبه الكفار، ولو بلغوا من القوة ما بلغوا. فمن الأدلة المبينة لذلك أن الكفار ضربوا على المسلمين ذلك الحصار العسكري العظيم في غزوة الأحزاب المذكورة في قوله تعالى (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).. إلى أن قال «الإيمان والإخلاص كان من نتائج ذلك ما ذكره الله جل وعلا في قوله (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ) فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنهم لم يقدروا عليها، وأن الله جل وعلا أحاط بها فأقدرهم عليها، وذلك من نتائج قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم.

فدلت الآية الكريمة على أن الإخلاص لله وقوة الإيمان به، هو السبب لقدرة الضعيف على القوي وغلبته له، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )، وقوله في هذه الآية (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ) فعل في سياق النفي، والفعل في سياق النفي من صيغ العموم على التحقيق.


فقوله (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا ) في معنى لا قدرة لكم عليها، وهذا يعم سلب جميع أنواع القدرة، لأن النكرة في سياق النفي تدل على عموم السلب وشموله لجميع الأفراد الداخلة تحت العنوان، كما هو معروف في محله. وبهذا تعلم أن جميع أنواع القدرة عليها مسلوب عنهم، ولكن الله جل وعلا أحاط بها فأقدرهم عليها، لما علم من الأيمان والأخلاص في قلوبهم ( وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ). .


وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، ورزق الله قادة المسلمين الحكمة والرأي السديد، وكفى الله المؤمنين شرور اليهود وأعوانهم.


والحمد لله رب العالمين.


*
11
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نــ دبي ـور
نــ دبي ـور
الذاكرات
الذاكرات
وفيكِ بارك الرحمن أختي الفاضلة نــ دبي ـور ،،،
حنين فتاة
حنين فتاة
جزاااك الله خير<
((اللهم انصر أمة محمد صلى الله عليه وسلم))
الذاكرات
الذاكرات
اللهم آمين



حيّاكِ الرحمن يا حنين فتاة ،،،
الذاكرات
الذاكرات
اللهم آمين حيّاكِ الرحمن يا حنين فتاة ،،،
اللهم آمين حيّاكِ الرحمن يا حنين فتاة ،،،
الحد الفاصل بين الجهاد والفوضى ( 2 ) *





للشيخ / حمد بن إبراهيم العثمان
- حفظه الله -











في المقال الماضي(1) تطرقت إلى أن من شروط الجهاد القدرة، وذكرت أدلة ذلك من الكتاب والسنة مدعمًا بأقوال العلماء في ذلك، وأكمل المقال بالتأكيد على هذا الأصل المهم وأدعمه بمقالات وفتاوى العلماء خصوصًا فيما يشابه ظروفنا فيما مضى من تاريخ الأمة الإسلامية، وكذلك ما صدر من قواعد وفتاوى لعلمائنا الكبار في واقعنا الذي نعيشه.
ولا يخفى على أحد واقع فلسطين ولبنان، لأن الفضائيات تنقل الحدث لحظة بلحظة، وهذا إنما أذكره حتى لا يدعي أحد أن العلماء يتكلمون بما لم يحيطوا بعلمه.


شرط الجهاد القدرة


ذكرنا أدلة هذا الشرط في المقال السابق بما يغني عن إعادته، وذكرت بعض أقوال العلماء في ذلك، وحسبي في هذا المقال أن أذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال: ( ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه، من النصيحة بقلبه، والدعاء للأمة، ومحبة الخير، وفعل ما يقدر عليه من الخير، لم يكلف ما يعجز عنه ) .

فهذا كلام قوي متين جار على أصول الشريعة وقواعدها،فالمسلم لا شك أنه يؤمن بفريضة الجهاد ويحدّث نفسه به، ويتمنى أن ينصر الدين وأن يعز الإسلام وأهله، ولكن حيث يقدر، أما مع عدم القدرة فإنه لا يكلف ما عجز عنه، كما قال تعالى { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ }. .



الجهاد في الوقت الحاضر.


مع ذكر الأصول والقواعد تزداد النفوس طمأنينة مع ذكر أقوال العملاء الكبار بخصوص الجهاد في وقتنا الحاضر الذي يعيشون ظروفه، قال والدنا العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - ( نحن مأمورون بالجهاد، ولكن هل نحن مأمورون في الجهاد وإن لم يكن عندنا من الأسلحة ما عند عدونا؟
لا، لأن هذا من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، لكن يجب أن نستعد حتى نقيم واجب الجهاد، لأن واجب الجهاد، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ). .

وقال العلامة العثيمين - رحمه الله - مبينًا وجه عدم قدرتنا على الجهاد في هذا العصر: ( لعدم القدرة، الأسلحة التي ذهب عصرها عندهم هي التي بأيدينا، وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ ما تفيد شيئًا، فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء)

ثم قال: ( الواجب علينا أن نفعل ما أمرنا الله به عز وجل { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } ، هذا الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، وأهم قوة نعدها هي الإيمان، والتقوى وهي القوة، لأننا بالإيمان والتقوى سوف نقضي على أعدائنا وقضي أيضًا على تباطئنا وتثاقلنا، ونقضي أيضًا على محبتنا للدنيا لأننا الآن نحب الدنيا ونكره الموت ) .

وقال العلامة صالح الفوزان - حفظه الله - مبينًا فساد ما يسمى بالجماعات والأحزاب الجهادية التي جلبت للأمة الإسلامية المحن والإحن بسبب تهورها مع ضعف قدرتها: ( فكم يقتل من المسلمين بسبب مغامرة جاهل أغضب الكفار - وهم أقوى منه - فانقضوا على المسلمين تقتيلاً وتشريدًا وخرابًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويسمون هذه المغامرة جهاد، وهذا ليس هو الجهاد، لأنه لم تتوفر شروطهن ولم تتحقق أركانه، فهو ليس جهادًا، وإنما هو عدوان لا يأمر الله عز وجل به ) .


تحذير علماء المسلمين من استثارة العدو في حالة الضعف .


لا شك أن استثارة العدو ونحن ضعفاء بالاعتداء عليه جلب للشر والأذى وزيادة تسلط العدو على المسلمين وديارهم، وتمكين لهم من دماء وأموال وحرمات المسلمين، وهذه الجناية تهور محض وعواقبها وبال وشر على المسلمين، بل وتوجب تقهقر المسلمين وتراجعهم وضعفهم أكثر، قال شيخنا العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - معلقًا على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث خباب بن الأرت لما شكا له الصحابة أذى الكفار، فكان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - " ولكنكم قوم تستعجلون " رواه البخاري، قال شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله - ( فيه دليل على وجوب الصبر على أذية أعداء المسلمين، وإذا صبر الإنسان ظفر.
فالواجب على الإنسان أن يقابل ما يحصل من أذية الكفار بالصبر والاحتساب وانتظار الفرج، ولا يظن الأمر ينتهي بسرعة وينتهي بسهولة.
قد يبتلي الله عز وجل المؤمنين بالكفار يؤذونهم وربما يقتلونهم كما قتلوا الأنبياء.
اليهود من بني إسرائيل قتلوا الأنبياء الذين هم أعظم من الدعاة وأعظم من المسلمين، فليصبر ولينتظر الفرج، ولا يمل ولا يضجر، بل يبقى راسيًا كالصخرة والعاقبة للمتقين والله مع الصابرين.
فإذا صبر وثابر وسلك الطريق توصّل إلى المقصود، ولكن دون فوضى ودون استنفار ودون إثارة ، بطريق منظمة، لأن أعداء المسلمين من المنافقين والكفار يمشون على خطى ثابتة منظمة ويحصلون مقصودهم.
أما السطحيون الذين تأخذهم العواطف حتى يثوروا ويستنفروا فإنه قد يفوتهم شيء كثير وربما حصل منهم زلة تفسد كل ما بنوا إن كانوا قد بنوا شيئًا.
لكن يكون المؤمن يصبر ويتئد ويعمل بتؤدة ويوطن نفسه، ويخطط تخطيطًا منظمًا يقضي به على أعداء الله من المنافقين والكفار ويفوت عليهم الفرص، لأنهم يتربصون الدوائر بأهل الخير، يريدون أن يثيروهم حتى إن حصل من بعضهم ما يحصل حينئذ استعملوا عليهم، وقالوا: هذا الذي نريد وحصل بذلك شر كبير )

إلى أن قال رحمه الله: ( فأنت أيها الإنسان لا تسكت عن الشر، ولكن اعمل بنظام وبتخطيط، وبحسن تصرف، وانتظر الفرج من الله، ولا تمل الدرب، فالدرب طويل ولا سيما إذا كنت في أول الفتنة، فإن القائمين بها سوف يحاولون ما استطاعوا أن يصلوا إلى قمة ما يريدون، فاقطع عليهم السبل، وكن أطول منهم نفسًا وأشد منهم مكرًا، فإن هؤلاء الأعداء يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) .


عمليات في غير مصلحة الإسلام


هذه العمليات التي يقوم بها البعض وتوقع إصابات محدودة في العدو لا تدحره ولا تهزمه، ولا تنال منه نيلاً يمنعه من الانتقام، بل يعقبها انتقام يطال كل شيء لا يستطيع من قام بهذه العمليات أن يدفعها، ويقع بسبب ذلك دمار كل شيء وأذى عام لكل أهالي تلك النواحي ولا شك أنه ليس في مصلحة الإسلام.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر قاعدة في الأعمال والأدوات غير المجدية في حرب العدو، فإنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحذف بالحصا وقال: " إنها لا تنكأ العدو" رواه البخاري ومسلم.
قال والدنا العلامة محمد العثيمين - رحمه الله - متحدثًا عن العمليات الانتحارية لإخواننا في فلسطين: ( فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس، والعياذ بالله.
ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين، كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام، لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مائة أو مائتين، لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يسلم الناس، بخلاف قصة الغلام، وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يفتك بالمسلمين أشد فتكًا.
كما يوجد من صنع اليهود من أهل فلسطين، فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرًا أو أكثر، فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فجرت المتفجرات في صفوفهم.
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله، وإن صاحبه ليس بشهيد، لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظانًّا أنه جائز، فإننا نرجو أن يسلم من الإثم، وأما أن تكتب له الشهادة فلا، لأنه لم يسلك طريق الشهادة، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر) .




وقف القتال لانتفاء النصرة المطلوبة



العدو الصهيوني لا يختلف خبثًا وشرًّا عن التتار، و لربما كان التتار أخبث منهم، وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد احتل التتار بلاد المسلمين واستباحوا كل شيء من الحرمات، ووقع بالمسلمين شر عظيم لم بقع قبله في تاريخ الإسلام مثله، وكان في الناس بدع وضلالات وتعلق بالأموات، مع نقص الطاعة وركوب بعض المحرمات، وجاء الناس يستنصرون بشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ليستحث المسلمين على قتال التتار.
فرأى رحمه الله انعدام القتال الشرعي للأسباب التي تحدثتُ عنها، فما أجابهم لما طلبوه في هذه المرة الأولى حتى ينصلح حالهم وتستقيم أمورهم، فلما صدقوا الله بعد ذلك، وارتفعت الموانع، وأصلحوا شأنهم، قام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بجهاد التتار كما هو معلوم لكل أحد.
وأفضل من يحكي هذه الموعظة من تاريخ المسلمين هو شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال : ( ولهذا كان أهل المعرفة في الدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي، الذي أمر الله به ورسوله، ولما يحصل في ذلك من الشر والقتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة، لمن عرف هذا وهذا وأن كثيرًا من المقاتلين اعتقدوا أن هذا قتال شرعي أجروا على نياتهم.
فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين لله والاستغاثة به، وأنهم لا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل كما قال تعالى يوم بدر { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } ، وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوم بدر يقول " يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك استغيث " وفي لفظ " أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك ".
فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا بالاستغاثة بربهم؛ نصرهم على عدوهم نصرًا عزيزًا، لم نر نظيره، ولم تهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلاً، لما صح من تحقيق توحيده وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك، فإن الله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) .


نحن سبب ظهور الكفار علينا.



أوضاعنا لابد أن تعالج معالجة صحيحة، وإلا فإننا مهما قاتلنا العدو وأسباب ظهور العدو علينا باقية لم نعالجها ولم نجتهد في رفعها فلن ننتصر على العدو، بل سيكون الظهور له، لأن الله له سنة لا تتغير ولا تتبدل في عباده ، قال تعالى { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } .
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ( قوله سبحانه { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ، فالآية على عمومها وظاهرها وإنما المؤمنون يصدر منهم من المعصية والمخالفة التي تضاد الإيمان ما يصير به للكافرين عليهم سبيل، بحسب تلك المخالفة، فهم الذين تسببوا في جعل السبيل عليهم، كما تسببوا إليه يوم أحد بمعصية رسول الله ومخالفته ) .


إسرائيل أم إيران تدمر لبنان.


لبنان بلد له استقلاليته ، وقراره ، وأعظم القرارات التي تتعلق في مصير أمنه وحريته ودمائه واقتصاده هو قرار الحرب الذي هو حق خالص لحكومة لبنان لا لحكومة إيران.
لبنان صار مسرحًا للمناورات السياسية الإيرانية فإيران جلبت الدمار والخراب للبنان من خلال مليشيات حزب الله الذي يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها وحزب الله انفرد بقرار الحرب بأمر إيراني دون استئذان أو حتى مشورة أصحاب القرار حكومة لبنان.
ومع كل ما حصل للبنان من دمار فإن إيران تتفرج ولا تنصر إيران نصرًا مؤزرًا، فإذا الترسانة الإيرانية الهائلة ليست لنصرة لبنان والمسلمين، وإلا لانطلقت الطائرات والغواصات الإيرانية لتدك إسرائيل، ولكن هيهات، فإن قوة إيران العسكرية إنما هي لقيادة و ريادة المنطقة والتوسع باحتلال دول الجوار، ولا أدل على ذلك من احتلال الجزر الإماراتية، والادعاءات التاريخية في البحرين، واحتلال معظم العراق من بغداد إلى صفوان بكوادر عراقية ومليشيات حزبية موالية لإيران كحزب الله في لبنان تمامًا.
فحينئذ يتبين فساد النوايا الإيرانية تجاه لبنان وقضايا للأمة المصيرية، ومحاولة صرف الضغط الدولي على إيران بسبب أنشطتها النووية العسكرية المشبوهة ولو بتدمير لبنان.
فهل يجوز لنا والحالة هذه أن نغرر بأرواحنا لتحقيق الأهداف المشبوهة الإيرانية، هذا مما لا يفعله عاقل، فأرواحنا غالية لكنها ترخص لإقامة الدين الحق، لا نبذلها لمناورات سياسية إيرانية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ( إن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه الإنسان إلا لأمر عظيم، مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه حتى يقتل) .
فلذلك لابد أن ننتبه للأهداف الإيرانية المشبوهة، وأن نصون لبنان عن أن تكون مسرحا للمناورات السياسية الإيرانية، وأن لا نكون أغرارًا ننظر للحادث نظرًا مجردًا مقطوعًا عن ظروفه وحقائقه الإقليمية.

قال الحافظ ابن رحب الحنبلي - رحمه الله -: ( ومن أعظم خصال النفاق العملي أن يعمل الإنسان عملاً ويظهر أنه قصد به الخير، وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سيئ، فيتم له ذلك، ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه، ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له على ما أظهره، وتوصل به على غرضه السيئ الذي أبطنه، وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين أنهم { اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . ) .


إيران ليست أولى بالصون من لبنان


من المعلوم أن إيران هي التي اتخذت قرار صناعة الأسلحة النووية وليس حكومة لبنان، ومن المعلوم أيضًا أن دماء المسلمين تتكافأ، فلا يجوز من إيران أن تجعل من دماء شعب لبنان سببًا لصيانة دمائهم وأراضيهم بمناورة سياسية من خلال حزب الله.
ولذلك في الشريعة لا يجوز قتل الغير لحفظ النفس ولو تحت الإكراه، وهذا بإجماع العلماء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ( لو أكره رجل رجلاً على قتل مسلم معصوم، فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين، وإن أكره بالقتل، فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس، فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو ) .

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، ودفع الله عن لبنان وشعبها كل سوء، وخذل الله اليهود ورد كيدهم في نحرهم.
والحمد لله رب العالمين.

---------------------------------

* جريدة الوطن - يوم الأحد 28 جمادي الآخرة 1427هـ الموافق 23 يوليو 2006 العدد 10951/5397.