من خطب الشيخ العثيمين
الخطبة :
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلقد سمعتم ما جاء في العفة الكاملة من تفريج الكربات وزوال المكروهات وإن مما يُعين على العفة أن يتقي الإنسان ربه في السِّر والعلانية وأن يعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"(4) فنفي النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن كان يزني حين زِناه وذلك لأنه لو كان عنده إيمان صادق لراقب الله عز وجل عن هذه الفاحشة ولكن لضعف إيمانه ونقص إيمانه تجرأ عليها وعدل عن الصراط المستقيم عما وعد الله به من الزكاء والفلاح قال الله عز وجل: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ ومن أسباب ذلك من أسباب العفة الكاملة أن يبتعد الإنسان عن مشاهدة النساء في الأسواق في التلفزيون في الدشوش فإن ذلك من أسباب الزنا وتعلق القلب بغير الله عز وجل والإنسان إذا تعلق بغير الله انصرف عن الله بقدر ما تعلق فيه بغير الله عز وجل ومن أسباب ذلك أن يحرص الإنسان على أهله إذا خرجوا إلى الأسواق بأن لا تخرج المرأة متبرجة ولا متطيبة ولا لابسة أحسن الثياب ولا متغنجة بل تخرج متحجبة تمام الحجاب وأن يُبين لأهله أن لا يغتروا بمثل ما انخدع به بعض الناس من التوسع في اللباس وعدم المبالاة به إنني وغيري من أهل الوعظ والإرشاد نُحذر من هذا دائماً ولكن مع الأسف الشديد إن من الناس من يسمع ولا يسمع إن من الناس كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن من الناس من لا يستجيبون لأمر الله ورسوله إن مِن الناس مِن لا يهتمون بأداء الأمانة إن مِن الناس من يضيعون أهليهم من بنين وبنات وأزواج وأخوات ولكنهم حريصون غاية الحرص على أموالهم تجد الرجل منهمكاً فيما يُصلح ماله ويدفع عنه الخسارة أما أهله وبنوه وبناته فإنه لا يهتم بهم والله إنه ليندم أشدَّ الندم حين يساءله رب العالمين يوم القيامة أين أنت من قولي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ أتظنون أن هذا الأمر مِن الله سيذهب هباءً؟ أتظنون أنكم لا تسألون عنه يوم القيامة؟ والله لتُسألن عن هذا أفلا يذكر أولئك قول الله عز وجل: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ وقد قال خاتم الرسل خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم: "الرجل راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته"(5) إنكم والله مسؤولون عن أهليكم إنكم مسئولون عنهم إنكم مسئولون عنهم فأعدوا لهذا السؤال جواباً وإن جوابكم لن يكون صواباً حتى تمتثلوا أمر الله في رعاية ومراعاة أهليكم من بنين وبنات وزوجات وأخوات وغيرهن.
اتقوا الله عباد الله اتقوا الله عباد الله اتقوا الله عباد الله لا يغرنكم صنيع أعدائكم الذين يريدون أن تتحرر المرأة من عبودية الله عز وجل إلى عبودية الشيطان والشهوات والله لن يتحرر أحد من عبادة من جهة إلا عبد شيئاً آخر من جهة أخرى وما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله في قصيدته النونية العظيمة قال:
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** وبلوا برق النفس والشيطان(س1)
الرق الذي خُلقنا له هو عبادة الله هؤلاء هربوا من عبادة الله خالفوا أمر الله عصوا أمر الله ولكنهم بلوا بعبادة النفس هوى النفس الباطل المنحرف وعبادة الشيطان فإن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.
عباد الله إن الله عز وجل لم ينزل كتابه على رسوله ولم يتكلم رسوله صلى الله عليه وسلم بالحكمة من أجل أن نمر على هذا الكتاب العظيم والسُّنة المطهرة وكأنها قصص وأمثال إنها والله مواعظ فاتقوا الله عباد الله اتقوا الله قبل أن تندموا فلا ينفع الندم كفوا أهليكم عن الفحشاء ووسائل الفحشاء فإن ذلك أزكى لكم وأطهر، اللهم هيئ لشعبنا أمر رشد، اللهم هيئ لشعبنا أمر رشد رجاله ونسائه شبابه وشيوخه ذكوره وإناثه إنك على كل شيء قدير.
عباد الله "إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة يعني في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة"(6) اجتمعوا على دين الله لا تختلفوا فيه تآمروا بالمعروف تناهوا عن المنكر ابذلوا النصيحة فيما بينكم وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يُعظم الله لكم بها أجرا فإن "من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرة"(7) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين من المنافقين والملحدين واليهود والنصارى والوثنيين يا رب العالمين، اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن بلاد المؤمنين عامة يا رب العالمين، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم هيئ لهم ولاة صالحين يقودونهم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم هيئ لولاة أمور المسلمين بطانة خير تدلهم على ما فيه السعادة في الدنيا والآخرة وابعد عنهم كل بطانة سوء يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ .
عباد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ واذكروا الله العظيم الكريم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ .
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، في مسند المكثرين من الصحابة (8540)، والبخاري في كتاب المظالم والغضب (2295)، ومسلم في كتاب الإيمان (8786)، والبخاري أيضاً في كتاب الحدود (6312)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة (5635)، والبخاري في كتاب الجمعة (844)، ومسلم في كتاب الإمارة (3408)، وأبو داود في كتاب الخروج والإمارة والفيء (2539)، والترمذي في كتاب الجهاد (1627)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(س1) انظر إلى هذا البيت من الشعر الذي ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في قصيدته النونية جـ2 ص466.
(6) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين (14455)، ومسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1435)، والنسائي، في كتاب صلاة العيدين (1560)، وأبو داود، في كتاب الخراج والإمارة والفيء (2565)، وابن ماجه، في كتاب المقدمة (44)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه.
(7) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة (577) ت ط ع.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك واثابك