****الحُــــــــــزْنُ****

الملتقى العام

الحُزْنُ

: ضد الفرح ، أو هو الهمُّ والغمُّ والكَرْبُ ، وهو ألم نفسانيٌّ يحصل غالباً عند فَقْدِ المحبوباتِ أو فَوْتِ المطلوباتِ


أحكام الحزن :

1 ـ الحزن المستحبُّ والحزن المكروه :

الحزن عَرَضٌ من أعراض هذه الحياة الدنيا الزاخرة بالمنغِّصات ، التي لا يدوم فيها شيءٍ من الطيبات ، ولا يستطيع الإنسان فيها مهما أوتي من القوة والسلطان أن يحقق كلِّ ما يتمناه أو يطمح إليه(1) !

ولكن يتفاوت الناس في الأسباب التي تولد الحزن عندهم ، وفي درجات الحزن ، فالحزن المعتدل سِمَةٌ من سِمات المؤمنين ، لأن المؤمن يظلُّ في خوف دائم ألا يكون سلوكه على الصورة التي تُرضي اللهَ عزَّ وجلَّ ، كما أن المؤمن لا يخلو من بعض الحزن على ما فوَّت من أوقات لم يستثمرها في الطاعة ، فالحزن المعتدل في مثل هذه الأحوال دليلٌ على استقرار الإيمان في القلب ، وتعبيرٌ صادقٌ عن العبودية الخالصة لله عزَّ وجلَّ ، وأما الحزنُ المستديمُ الذي يعطِّل العبدَ عن القيام بواجباته ، فهو حزنٌ مرضيٌّ يستدعي استشارة الأطباء المتخصصين بالطب النفسي ، مع الإكثار من الصلاة والدعاء والأذكار والرجوع إلى أهل التقوى والصلاح من علماء الشريعة العارفين بأحوال النفوس !

وأما غير المؤمنين فترهم يسخطون ويحزنون على أية نازلة تصيبهم ، حتى وإن كانت تافهة ، بل قد يصل الحزن بهم إلى حالة تدفعهم للانتحار ، أو تصيبهم بجلطة في القلب ، أو غير ذلك من المضاعفات ! فهذا الشكل من الحزن مكروه ، لأنه مدمر للأعصاب ، محبط للهمم ، وقد يوقع المرء في مخالفات شرعية يأثم فاعلها ، وقد يجرُّ إلى تصرفات تنتهي بصاحبها إلى السجن !

2ـ علاج الحزن :

إن خيرَ علاج للحزن هو الرضى بقضاء الله وقدره ، ووضع الأمور في نصابها والاعتدال في الانفعال سواء كان الأمر خيراً أو شراً وذلك امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى : (( ما أصابَ من مُصيبةٍ في الأرضِ ولا في أنفُسِكُم إلا في كتابٍ من قبلِ أنْ نَبْرَأها ، إنَّ ذلكَ على اللهِ يسيرٌ * لكيلا تَأسَوْا على ما فاتَكُمْ ولا تَفْرَحوا بما آتاكُمْ ، واللهُ لا يحبُّ كلَّ مُخْتَالٍ فَخُور )) الحديد 22 ـ 23 ،

ثم الانطراح والانكسار بين يدي الله عزَّ وجلَّ ، كما كان يفعل النبيُّ صلى الله علية وسلم إذا ألمَّ به الحزن أو الكرب ، فقد كان ( إذا كرَبَهُ أمرٌ قال : يا حَيُّ يا قيّوم برحمتك أستغيث )(2) ، و ( كان إذا أَهَمَّهُ أمرٌ رفع طَرْفَه إلى السَّماءِ فقال : سبحان الله العظيم . وإذا اجتهدَ في الدُّعاءِ ، قال : يا حيُّ يا قَيُّوم )(3) ،

ومن الأوراد التي أرشدنا إليها صلى الله علية وسلم عند الحزن والكرب أن نقول

: ( لا إلهَ إلا الله العظيم الحليم . لا إلهَ إلا الله ربُّ العرش العظيم . لا إلهَ إلا الله ربُّ السماوات ، وربُّ الأرضِ ، ربُّ العرشِ الكريم )(4) ،

وأوصى النبيُّ صلى الله علية وسلم أحدَ أصحابه وقد رآه حزيناً مهموماً فقال :

( قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهمَّ إِني أعوذُ بكَ من الهمِّ والحَزَنِ ، وأعوذُ بكَ من العَجْزِ والكسلِ ، وأعوذُ بكَ من الجُبْنِ والبُخْلِ ، وأعوذُ بكَ من غَلَبَةِ الدَّيْنْ وقهرِ الرجال . قال الراوي : ففعلت ذلك ، فأذْهَـبَ اللهُ عزَّ وجلَّ همِّي ، وقضى عني دَيْني )(5) ،

وقال صلى الله علية وسلم : ( من لزِمَ الاستغفارَ ، جَعَلَ اللهُ له من كلِّ همٍّ فَرَجاً ، ومن كلِّ ضيقٍ مخرَجـاً ، وَرَزَقَهُ من حيث لا يحتسب )(6)

وقد بشَّرَنا النبيُّ صلى الله علية وسلم إذا نحن التجأنا إلى الله تعالى بنفسٍ صادقة ضارعة ، أن يفرِّج الله عنا الحزن ، فقال :

( ما أصابَ أحداً قَطُّ همٌّ ولا حزنٌ فقال : اللهمَّ إِنِّي عبدُك ابنُ عبدِك ابنُ أَمَتِكَ ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمُك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسأَلُك بكلِّ اسمٍ هُوَ لكَ ، سمَّيْتَ به نفسَك ، أو علَّمْتَه أحداً من خلقك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندكَ ، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ، ونورَ صدري ، وجلاءَ حُزْني ، وذهابَ همِّي . إِلا أذْهَبَ اللهُ همَّه وحزنَه ، وأبدله مكانه فرجاً . قال : فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : بلى ، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها )(7)

ولا ريب في أن موقف الإنسان تجاه ما يعترضه من منغِّصات أو مثيرات للحزن هو الذي يستنقذه من براثن الحزن ،

أو يُغرقه في مستنقع الأحزان ، ولهذا يقول فيلسوفنا الكندي(8) ، في رسالة طريفة سماها ( رسالة في الحيلة لدفع الحزن )

أفردها للحديث عن الحزن ودواعيه وكيفية معالجته : ( لمَّا كانت النفسُ هي السائسُ ، والبدنُ هو المَسوسُ والآلةُ فإنَّ الواجبَ على الإنسان أن يتعهَّدَ نفسَهُ ، وأن يتحمَّلَ في سبيل ذلك من المعاناة أكثرَ مما يحتمل من الألم لإصلاح أمور بَدَنِهِ ، وهو يستطيع ذلك إذا أخذ نفسَهُ بقوَّةِ العَزْمِ ، وألزَمَها في أخلاقها الأمرَ الأكبرَ ، وضَبَطَها بالإرادة عن المطالب والانفعالات التي ينشأ عنها الحزنُ )(9)

ولنتذكر أخيراً أن الكثير من الوقائع المحزنة التي تعرض لنا في حياتنا كثيراً ما تتحول بمرور الوقت إلى نوع من الطُّرْفَةِ التي نَتَنَدَّرُ بها في المجالس ! وقد رأيت في حياتي العديدَ من هذه الوقائع ، أذكر منها واحدة وقعت لواحد من مرضايَ ، كان شديد التعلُّق بإحدى الصبايا الفاتنات ، وقد عاشا معاً قصة حبٍّ عنيفة روى لي تفاصيلها ، وشاءت الأقدارُ أن يفترق العاشقان مدة من الزمن بسبب سفر الحبيبة للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وبعد حينٍ من سفرها انقطعت أخبارُها عنه دون سابق إنذار ! فاضطربت أحواله ، وانقطع عن الدراسة ، واعتزل الناس ، ثم جاءته الأخبار المفجعة بأن الحبيبة قد تزوجت هناك من رجل ثري يكبرها بعشر سنوات ، فلم يحتمل صاحبنا الصدمة ، وما كان منه إلا أن تناول ما وصلت إليه يده من حبوب وجدها في صيدلية المنزل ، يريد أن ينتحر ! لكنَّ عناية الله عزَّ وجلَّ أدركته في اللحظة المناسبة فهيَّأت له من ينقذه من الهلاك .. ومع مرور الأيام أيقن صاحبُنا أن امرأةً يهون الحبُّ عندها إلى هذه الدرجة لا تستحقُّ منه كلَّ ذلك الاهتمام ولا تلك التضحية التي ضحّاها من أجلها ! ولم يلبث أن استعاد توازنه العقلي والنفسيّ واستردَّ صحته ، وعاد لدراسته ، وحصل على الاختصاص العالي في الهندسة ، فلما رأيته بعد حين افترَّ ثغرُهُ عن ابتسامةٍ ذات دلالـة ، وابتدرني قائلاً بالعامية الشامية : ( اللهُ يلعن الحُبَّ كم يذل ! ) ولم يكن في نيتي أن أسأله عن الماضي كيلا أثير شجونه ، لكني وجدته شغوفاً بالتَّنـَدُّر على تلك الحكاية التي كادت تنتهي به ( إلى جهنم وبئس المصير ! ) على حد تعبيره ، ليجاور هناك من سبقوه من العشاق المجانين الذين انتحروا في لحظة طيش وغياب عن الوعي !

وهكذا .. فالوقائع المحزنة في حياتنا كثيرة ، وأغلبها ننساه مع مرور الوقت ، أو يتحول مثل حكاية صاحبنا إلى طرفة للتندر والضحك وتزجية الوقت !



منقول للفائدة
4
602

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سكارلت
سكارلت
مقال رائع غاليتي اهات

سلمت يمينك على النقل

ونسأل الله أن يلهمنا الصبر على مواجهة الاحزان

بارك الله فيك :26:
آهات
آهات
سكارلت
شكرا لمرورك يا غالية:26:
آهات
آهات
مكرر
شمس الحياه
شمس الحياه
مشكووووووووووووووورة:26: :24: :26: