dolai
dolai
تابع:......


وفي مجال حرية الفرد وحرية الرأي والفكر والسلوك وغيرها، نجد أن هذه الشريعة أباحتها ولم تمنعها بل جعلت
لها ضوابط بحيث تكون ضمن دائرة المشروع ومجانبة المحذور الممنوع .فلا إباحية فيما يكتب ولا إلحاد فيما
ينشر ولا تمرد في السلوك على ضوابط الشريعة وقواعد الأخلاق والآداب العامة .

وفي النظام السياسي حققت هذه الشريعة الوسطية بين النظم، مبيِّنةً حقوق الراعي والرعية، حاضةً على العدل
والقسط، معليةً قيم الحق والأمن والسلام والسمع والطاعة بالمعروف، مترسمةً المنهج الشوري المتكامل ، وهي
بهذا سبقت شعارات الديمقراطيات المعاصرة إلى تحقيق منافع البلاد والعباد في بعدٍ عن الاضطراب والفوضى ،
واجتنبت الدكتاتورية في الحكم والاستبداد في الرأي {وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } .

ومما يجلي حقيقة هذا الدين أنه جمع بين الأصالة والمعاصرة ؛ بين الاعتصام بوحي معصوم لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه ، وبين مواكبة تطورات العصر ... لا كما يتوهمه البعض أنه ليس بين المسلمين وبين
صناعة الطائرات سوى تمزيق الحجاب ، وأنه ليس بينهم وبين القنبلة الذرية سوى تنحية الشريعة ، وأنه ليس
بينهم وبين التوصل إلى تقنية الأقمار الصناعية سوى جعل الناس ينحدرون في مستنقع الرذائل ويلِغون في
معاصٍ تكاد السماوات يتفطرن منها وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً .

إن الإسلام تميز بالثبات والمرونة، وحسن التعامل مع المتغيرات ، ووضع الضوابط للتكيف مع المستجدات ،
فهو بثوابته وأصوله يستعصي على التميع والذوبان . وإن المساومة على هذه الثوابت لهو خيانة عظمى،
وجنون لا عقل معه، وإغماء لا إفاقة فيه؛ إذ شرف المرء وشرف المجتمع إنما هو في الانتساب إلى الإسلام،
والعمل به، والدعوة إليه، والثبات عليه حتى الممات . صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان الرجل
فيمن كان قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيُشق باثنتين، وما يصدّه
ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه " . رواه
البخاري ومسلم.

هذا هو الثبات في أعلى صوره وأجلى مظاهره ومن يتنكب عنه ويتنكر له إنما هو من صرعى الأفئدة المقلّدة،
الذين لا يفرقون بين الثوابت والمتغيرات، أو ممن يضيفون الأسباب إلى غير مسبِّباتها، ويستسمنون كل ذي
ورم، ثم هم يغفلون عن حقيقة هذا وذاك، فلو سرق إنسان في المسجد لعلت صيحاتهم تدعو إلى هدم المساجد
أو إغلاقها، لئلا تتكرر السرقة زعموا، ولو أن امرأةً محجبة غشت وخدعت لتنادوا إلى نزع الحجاب، وبيان
خطره، وأنه مظنة الغش والخداع، فلا هم في الحقيقة قطعوا يد السارق، ولا عزّروا تلك التي غشت وخدعت،
وإنما دعوا لهدم المسجد ونزع الحجاب، وهذا هو سرّ العجب، وهو ما يثير الدهشة حينما ترى مثل هذا الفكر
المقلوب، الذي لا صحيح فيه إلا أنه غير صحيح، وأحسن ما فيه أنه غير حسن .



وللحديث بقية ...... .
dolai
dolai
تابع:......



لقد استطاع الإسلام بمرونته أن يتكيف ويواجه التطور بلا جمود ولا تحجر، وبدون اتخاذ موقف سلبي من كل
ما هو جديد نافع مفيد للمسلمين في دنياهم ومعاشهم . فهو يبني الحياة على القواعد الشرعية والنواميس
المرعية التي تستجيب لحاجات الأمة في مختلف الظروف والأحوال { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

الإسلام دين جاء بالرحمة وأمر بها ، فهي صورة من كمال الفطرة وجمال الخلُق، تحمل صاحبها على البر،
وتــرسل عليه في الأزمات نسيماً عليلاً تترطّب معه الحياة ، وتأنس له الأفئدة . قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد رضي الله
عنه وزاد : " ومن لا يغفر لا يُغفر له ". ، وفي الحديث: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم
كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ". رواه البخاري ومسلم .

وربنا سبحانه وتعالى أرحم الراحمين، وخير الراحمين، وسعت رحمته كل شيء، وعمّ بها كل حي . ففي الحديث
القدسي : " إن رحمتي تغلب غضبي ". رواه البخاري ومسلم .

فما أشد افتقار الناس إلى التخلق بالرحمة التي تضمّد جراح المنكوبين، وتواسي المستضعفين المغلوبين، ولا
سيما في هذا العصر، الذي غاضت فيه الرحمة من أكثر الخلق، فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال، ولا
لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء، لا يسمع فيه إلا للغة القوة، ومنطق القدرة .

لكن الرحمة ليست حناناً لا عقل معه ، وليست شفقة تتنكر للعدل والنظام، كلا، بل إنها خُلُق يرعى الحقوق كلَّها،
قد تأخذ الرحمة صورةَ الحزم حين يؤخذ الصغير إلى المدرسة من أجل التربية وطلب العلم، فيُلزم بذلك إلزاماً،
ويُكفّ عن اللعب كفاً، ولو تُرِكوا وما أرادوا لم يحسنوا صنعاً، ولم يبنوا مجداً.والطبيب يمزّق اللحم ويهشم العظم
ويبتر العضو، وما فعل ذلك إلا رحمة بالمريض وعلاجه .

وإن مما يؤسف له أنه باسم الرحمة حارب أقوامٌ إقامة حدود الله ، والأخذ على أيدي السفهاء، وأطرهم على
الحق أطراً، غافلين عن أن إقامة الحدود هي الرحمة في مآلاتها، والحياة في كمالاتها {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ
يأُولِي ٱلأَلبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.

إن الشفقة على المجرمين تخفي أشدّ أنواع القسوة على الجماعة، لأنها تشجّع الشواذ على الإجرام وتدفعهم إلى
المزيد من انتهاك أمن المجتمع وحرمة الناس وأعراضهم وأموالهم
dolai
dolai
تابع:.....



لقد شرع الإسلام نظاماً اقتصادياً قائماً على منع الظلم وتكافؤ الفرص وحماية الضعفاء، صغاراً ويتامى وفقراء
ومساكين و أبناء سبيل (غرباء ) ، وراعى حماية الملكية الفردية، وحقوق الأغنياء ، وهكذا في كل مجال من
مجالات الحياة الإنسانية جاء بما يكفل العدل ويحقق المصالح ويحفظ النظام ويصون الحقوق ويحدد الواجبات.

جاء هذا الدين داعياً إلى التقدم والحضارة، والأوامر الشرعية في مجموعها تحقق التقدم في مختلف المجالات،
فالنهضة الاقتصادية من عوامل التقدم ، ولا تقوم إلا إذا كان المال متحركا مشاعاً بين الناس، وليس في يد طبقة
دون أخرى ، لذلك جاء التوجيه في كتاب الله { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } ولتحقيق ذلك فرض الله
الزكاة وحرم الإحتكار، ومنع الربا، وهما الوسيلتان لجعل المال بيد الأغنياء وحدهم. فإذا طبق هذا النظام المالي
الإلهي تحققت العدالة الاجتماعية، والنهضة الاقتصادية.

ومن غرائب الزمان وعجائب الأيام أن البعض اختزلوا هذا الدين في أفكارهم واجتهاداتهم القاصرة فلم يعد قابلاً
للتطبيق إلا في بيئة ضيقة وناحية محدودة ، بينما حاول آخرون إقصاءه عن كافة جوانب الحياة وحجره
واختصاره في الأحوال الشخصية ، بحجة أنه لا يناسب هذا العصر كنظام حياة . ولكن حقيقة هذا الدين أنه
رسالة إلى كل الأجيال منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة . إنه دين عالمي شامل لكل شيء
{ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.{ إن هو إلا ذكر للعالمين }.

فهذه الرسالة تشمل حياة الإنسان بكل جوانبها روحاً وعقلاً ومادة ، لأنها تضمنت من التشريعات ما يضمن
سلامة البدن ونشاطه وصحته وحفظه من الأمراض ، وما فيه إصلاح الفرد والجماعة ، وكما اهتمت بحياة
الفرد في كل جوانبها، اهتمت كذلك بالجماعة ، فشرعت من النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ما يكفل
بناء مجتمع راق متحضر يعبد الله ويبني الحياة على أحسن نظام .


تابع:.......


لقد أباحت الشريعة الترويح عن النفس وجعلت له ضوابط محكمة تحقق للنفس متعتها ولا تضر بالدين
والآداب . لكن البعض تشدد وتنطع وضيق على نفسه واسعاً فلم يسمح لنفسه أن يأخذ فسحة مباحة مع أسرته
بحجة إضاعة الوقت وإهدار الزمان . لقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وكان يتبسم ويضحك حتى
تبدو نواجذه وكان الصحابة رضي الله عنهم يداعبونه ، وكان الحبشة يلعبون في المسجد بالحراب وهو ينظر
إليهم . وتسابق الصحابة رضي الله عنهم على الخيل وكانوا يتراشقون البطيخ. فالترويح المباح المنضبط أمر
مطلوب وشيء مرغوب لأنه ينشط النفوس ويحفزها على العمل والإنتاج .

وفريق آخر اتخذ من إباحة الترويح حجة للغرق في المعاصي والتفسخ والانحلال وما أكثر ما نرى ونسمع في
الإجازات عن انتشار ألوان المنكرات والمعاصي . ومن المعلوم أن شؤم المعصية لا يقتصر على فاعلها فقط ،
بل إنه يمتد ليشمل من حوله فيخيم هذا الشؤم على المجتمع الذي هو فيه، ولذا قال تعالى { واتقوا فتنة لا
تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}. فالمعصية تغلِق أبواب البركة وتوصد أبواب الرحمة باباً بعد باب . فإذا لم
يرجع الناس عن المعاصي واستفحل الفساد وعم الخراب وطم ؛ تأتي تنزل العقوبات وتتابع المحن ولا يرفعها الله
إلا بالتوبة والإصلاح { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون }.

إن حقيقة هذا الدين : وسطية شاملة جامعة لكل أمور الدين والدنيا والآخرة ، بل إنها وجه من وجوه الإعجاز
فيه وسبب لصلاحيته لكل زمان ومكان .