وبينما هم في الانتظار … إذ به قادمٌ عليهم … وعليه وقار الصالحين وهيبة المتقين !! .. رؤيته تذكرك بذكر رب العالمين !! ..
فجاء فجلس في مكانه المعتاد بينهم … ثم أطرق في الأرض مُفكّراً … ثم رفع رأسه وقال :
عبـاد الله : ظللت فترة من الزمن أحدثكم وأعلمكم … وأفقهكم أمور دينكم .. أما اليوم فسأحدثكم عن شيخكم الماثل أمامكم !! لعل الله أن ينفعكم بقصتي ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد كنت في العراق .. وأنا في ريعان شبابي .. وكنت رئيس حرس الأسواق .. وكنت أراقب الأسعار والتجار .. وأحارب الغش والخداع في البيع والشراء .. وكنت حينها فظّاً غليظ القلب !! .. لا يحبني أحد من أهل السوق ولا أحترم أحداً منهم !!
وفي ذات يوم .. وبينما أنا أجول في السوق .. إذ بي أرى رجلاً من التجار طويل القامة .. كبير الهامة .. عريض المنكبين .. قوي الجثّة .. قد لبس الحرير وأرخى عمامته .. ورائحة الطيب المنعشة تفوح من ثيابه وملابسه .. وقد لبس ثياباً فاخرة .. وحلّى أصبعه بخاتم ثمين !! والبطر والسرف ظاهر على محياه
ورأيت هذا التاجر وبين يديه رجل فقير .. قد جثا وبرك على الأرض بركبتيه .. وهو يتوسل ويتضرع ويبكي يدي التاجر ..
ثيابه ممزقة .. لا تكاد تستر جسمه .. وكان نحيل الجسم .. غائر العين .. بارز الوجنتين .. أشعث الشعر .. أصفر الوجه .. مشقق القدمين واليدين من شدة الكدح والنصب والتعب .. وهو يقول للتاجر :
يا مولاي لماذا أخذت مني سبعة دراهم !! وهي حصيلة يومي وكدّي وتعبي ؟!!
أرجوك ردَّها علي !! لأنني لا أملك الليلة سواها !! .. وفيها عشاء بُنيّاتي .. فإن أخذتها مني فسيبيت بُنيّاتي طاويات من الجوع .. في هذا البرد القارس الذي لا يرحم !!
أرجوك ردها علي يخلفك الله خيراً منها !! .. وإلا فأمهلني أياماً حتى أردها إليك يرحمك الله !!
وكلما تذلل الفقير بين يدي التاجر .. شمخ التاجر بأنفه وتكبّر .. ورفع رأسه إلى السماء !! وكأن هذا الفقير لا يكلم إنساناً فيه قلب وروح .. وله عواطف ومشاعر .. بل كأنه يكلم جداراً أو حجراً لا إحساس لديه ولا مشاعر !!
يقول الشيخ فتأثرت من منظر استعلاء وتجبر الغني .. وتذلل وخضوع الفقير .. فاقتربت من التاجر الغني وقلت له
ما شأنك وهذا الرجل الفقير ؟!!
فردَّ علي بصلفٍ وتكبرٍ وماذا يحشرك أنت فيما بيننا ؟!! .. لا تتدخل فيما لا يعنيك !! .. واشتغل بحالك ودع الآخرين وانصرف الآن من أمامي .. إنك لا تعرف هذا الفقير إنه مكّار خبيث .. أقرضته منذ سنة سبعة دراهم .. وهو يفرُّ مني كلما رآني .. حتى اصطدته اليوم في السوق !! فأخذتها منه !!
فقلت له : سبعة دراهم ؟!! إنك رجل غني وثري لا حاجة لك بمثل هذا المبلغ التافه البسيط !! .. فرُدَّها عليه ليطعم بها بُنيّاته !!
فأبى واستكبر .. وصبَّ عليَّ شتائمه المقذعة .. فلم أُطق الصبر على ذلك .. فصفعتهُ صفعةً !! طنّت لها أذناه !! وانقدحت لها عيناه !!
ثم أدخلت يدي في جيبه وأخرجت الدراهم السبعة وأعطيتها للفقير وقلت له
انطلق بسرعة !! .. لا يُدركك هذا الخبيث المتكبر !!! .. وإذا تعشَّت بُنيّاتك هذه الليلة وشبعن فقل لهن : يدعينَ لـ " مالك بن دينار " !!
فانطلق الرجل فرحاً مسروراً .. لا يكاد يصدق عينيه .. ولا أن الدراهم السبعة في جيبه !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلما أصبح الصباح .. وبينما أنا في السوق أقوم بعملي في المتابعة ومراقبة الأسعار .. إذ بي أحس أن الله قذف في قلبي حب الزواج .. فأخذت أعرض نفسي على الناس ليزوجوني .. فرفضوا وامتنعوا .. لسوء سيرتي وخلقي .. ولعلمهم بانهماكي في شرب الخمر .. وتركي لكثير من الصلوات والفرائض .. فلم يكن أحد يرغب في تزويجي !!
فلما طردني الناس وردُّوني .. ذهبت إلى سوق الجواري والإماء .. فاشتريت جارية مسلمة مؤمنة .. ثم أعتقتُها .. وجعلت مهرها عتقها .. ثم تزوجتها .. فكانت نعم المرأة والزوجة !!
عارفة بربها .. مطيعة له .. قائمة بحقوق زوجها .. وكنتُ أرى فيها الخير والبركة من يوم أن حلَّت في داري !!
فقد تركت الخمر .. وأقبلت على الصلاة .. وأقبلت على الذكر والطاعة !! ورقَّ قلبي ولان .. وأصبحت أحب الخير والدعوة إلى الخير !!
ورزقني الله منها ببُنيّة صغيرة .. كنت أرى فيها سعادة الدنيا بأجمعها !!
لقد كانت تلعب أمامي في الدار .. وتتلقاني إذا جئت .. وتنام بجواري في الليل .. وتداعبني وأداعبها .. وكنت أقضي معظم أوقاتي في ملاعبتها في الدار ..
تكملة القصة في الحلقة الثانية :)
محبتكم

.......................................
شكراً لكِ بارقة امل
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,