ليس الحلم رضاً بالذل أو تقبلاً للهوان وإنما هو ترفع عن الاستجابة للنزوة أو التأثر بالوسوسة أو مقابلة السوء بمثله، وإلى ذلك أشار الغزالي حين قال أنه لا تجوز مقابلة الغيبة بالغيبة ولا مقابلة التجسس بالتجسس ولا السب بالسب وكذلك سائر المعاصي وإنما الجائز هو القصاص على ما ورد به الشرع.
وإنما يقال للحلم أنه ذل أو شبيه به إذا كان عن عجز، ولكن الحلم المحمود هو ما كان عن قدرة، ولذلك قال الشاعر:
والحلــم عـن قـدرة فضــلٌ مـن الكـرم
وقال ابن زيدون مادحا:
عطاءٌ ولا من، وحكمٌ ولا هوى وحلمٌ ولا عجز، وعزٌّ ولا كبر
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة
مع حلمه
فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلمه الغاية المثالية والدلائل على ذلك كثيرة ووفيرة منها أن إعرابياً جاءه يوماً يسأله شيئاً من المعونة، فأعطاه، ثم قال له: هل أحسنت إليك يا أعرابي ؟ فاندفع الأعرابي بجهالة يقول: لا أحسنت ولا أجملت، فهم الصحابة يريدون البطش بالإعرابي، فمنعهم الرسول وأخذ الأعرابي إلى بيته، وزاده في العطاء، ثم قال له: هل أحسنت إليك ؟ قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا،
ولقد عرف الحكماء منذ أقدم الأزمان مكانة الحلم وفضله، فقالوا فيه كثيراً وهذا لقمان الحكيم يقول: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له. واتفق سفيان الثوري وأبو خزيمة اليربوعي والفضيل بن عياض على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب والصبر عند الجزع.
ولعل أوضح ثمرات الحلم هو تجنب الظلم ولو قل، والتباعد عن الاستجابة لهوى النفس الغاضبة، ولقد روى عن خامس الراشدين الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه أنهم جاءوا إليه برجل قد ارتكب خطأ وكان عمر غاضباً فقال له عمر: لولا أني غضبان لعاقبتك. وكان خامس الراشدين إذا أراد معاقبة رجل حبسه ثلاثة أيام، فإن أراد بعد ذلك أن يعاقبه عاقبه، كراهة أن يعجل عليه في أول غضبة.
ولذلك كانت أجمل مواقف الحلم هي مواقف الحلم من أهل السلطان على غيرهم، كحلم الحاكم على المحكوم، وحلم المعلم على التلميذ وحلم المخدوم على الخادم وحلم الرئيس على المرءوس وحلم العالم على الجاهل وهكذا.
منقول للفائده
حلمي الفردوس @hlmy_alfrdos
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️