بسم الله الرحمن الرحيم ..الله اكبر كبيرا الحمدلله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا الله اكبر الله اكبر لاإله إلاالله الله اكبر الله اكبر ولله الحمدلله .الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات الحمدلله والشكر لله عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته سبحان الله والحمدلله ولاإله الله والله اكبر ولاحول ولاقوة الا بالله لاإله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، فتقوى الله خيرُ ما عمِلتم وأفضل ما اكتسبتم.
أيّها المسلمون، إنَّ شكرَ الله على نعمِه التي لا تعَدّ ولا تُحصَى أوجبُ الواجبات وآكَد المفروضات، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَـانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىا وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ) لقمان:14، وقالَ تعالى: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) البقرة:152، وقال تعالى: (وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل:114.
والشّكرُ لله تعالى يقابِل الكفرَ بالله تعالى، قال الله عز وجل: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَـانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَـاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) الإنسان:2، 3.
وأعظمُ الشّكرِ الإيمانُ بالله تعالى وأداء فرائضه وواجباته والبعدُ عن محرّماته، ثمَّ شكر بقيّة النّعم إجمالاً وتفصيلاً. كما أنّ أعظمَ كفرانِ النّعم الكفرُ بالرسالةِ بالإعراض عن الإيمانِ بالله وحده وتركِ فرائضِ الله وواجباتِه وفِعل المعاصي، ثمّ كفرانُ بقيّة النّعم.
والشّكرُ لله تعالى ثوابُه عظيم وأجره كريم، ينجي الله به من العقوبات، ويدفَع الله به المكروهاتِ، قال الله عزّ وجلّ: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَـاكِرًا عَلِيمًا) النساء:147، وقال عزّ وجلّ: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَـاصِبًا إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـاهُم بِسَحَرٍ نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ) القمر:33-35.
والشّكرُ تَزيد به النّعم وتدوم به البرَكات ويندفع به كلّ مكروه، قال الله عزّ وجلّ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ) إبراهيم:7.
وإذا عايَن الشّاكرون بهجةَ الجنّة ونعيمَها ولذّةَ عَيشها قالوا: (الْحَـمْدُ للَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَـامِلِينَ) الزمر:74.
والشّكرُ صِفة الأنبياءِ والمرسلين وعبادِ الله الصّالحين، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه السلام: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) الإسراء:3، وقال عن إبراهيم الخليل عليه السّلام: (إِنَّ إِبْراهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَـاهُ وَهَدَاهُ إِلَىا صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ) النحل:120، 121، وقال عزّ وجلّ: (وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ) سبأ:13.
وحقيقةُ الشّكر ومعناه الثّناءُ على المنعِم جلّ وعلا بنعمِه وذكرُها والتحدّث بها باللسان، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف:69، وقال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ) الضحى:11.
والشّكرُ أيضًا محبّةُ المنعِم جلّ وعلا بالقلبِ والعملُ بما يرضيه، قال عزّ وجلّ: (اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ) سبأ:13، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أحبّوا الله مِن كلِّ قلوبكم لما يغذوكم به من النّعَم)) ، وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلميقوم من الليل حتى تتفطّر قدَماه، فقلتُ: يا رسولَ الله، تفعل هذا وقد غفَر الله لك ما تقدّم من ذنبِك وما تأخّر؟! فقال: ((أفَلا أكون عبدًا شكورًا؟!)) رواه البخاري. فدلَّ على أنَّ العملَ بالطّاعة شكرٌ لله عزّ وجلّ.
والشّكرُ أيضًا استعمالُ النِّعمة فيما يحبّ الله تعالى، فأعضاءُ البَدَن إذا استعمَلها المسلمُ في طاعةِ الله واستخدَمَها العبدُ فيما أحلّ الله له فقَد شكَر اللهَ على أعضاءِ بدنه، وإذا استخدم العبدُ أعضاءَ بدنِه في معاصي الله فقد فاتَه شكرُ الله وحارَب ربَّه بنِعم الله تعالى عليه. والمالُ إذا أنفَقه المسلمُ في الواجبِ والمستحَبّ أو المباح يبتغي بذلك ثوابَ الله فقد شَكر الله على نعمَة المال، وإذا أنفقه العبدُ في معاصِي الله أو المكروهات أو في فضول المباحَات المضِرّة فقد فاتَه شكرُ الله عزّ وجلّ، واستعان بالمال على ما يُغضِب ربَّه، ويكون وبالاً عليه في الدّنيا والآخرة. وإذا تمتَّع العبدُ بالطيّبات والمباحات وشكرَ الله عليها وعلِم من قلبِه أنها نعمُ الله عليه تفضَّل بها على عبادِه فقد أدّى ما عليه في هذه النّعم، وإذا نسِي المنعِمَ جلّ وعلا فقَد عرّض النّعمَ للتغيُّر، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) النّحل:112.
ومَهما اجتهَد المسلم وشَكر فلن يستطيعَ أن يقومَ بشكرِ نعَم الله على التّمام لقول الله تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) النحل:18، ولقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لن يدخلَ الجنةَ أحدٌ منكم بعمَله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلاّ أن يتغمّدنيَ الله برحمتِه)). ولكن حسبُ المسلمِ أن يعلمَ بأنّه عاجزٌ عن شكرِ نعمِ ربِّه، وأنّه لو شكَر على التّمام فالشّكر يحتاج إلى شكر، وحسبُه أن يمتثلَ أمرَ ربّه، ويبتعدَ عن معصيتِه، وأن يسدّد ويقارب.
وأعظمُ نعمةٍ على المكلّفين طاعة الله عزّ وجلّ، فإذا وُفِّق المسلم لطاعةٍ فعليه أن لا يبطلَها بمعصيةٍ مضادّة بعدها، وأن لا يأتيَ بما ينقِصها، وأن يتبِعها طاعةً أخرى، فإنّ الحسناتِ بعدَ الحسنة شكرٌ للحسَنة وزيادةُ ثواب الله عزّ وجلّ، وما مِن طاعةٍ فرضها الله تعالى إلاّ شرع من جِنسها من الطاعات ما يزداد به المسلم إلى الله قربى وما يُدخِل الله به عبدَه الجنّاتِ العلا، فالصلاة والزكاة والصيام والحجُّ وغيرُها شرع الله نوافلَ مثلَها، تجبر نقصَها، وتكمِّل ما فات منها، ويتسابَق فيها المتسابِقون في الخيرات، فمَن صامَ رمضانَ وأتبعه سِتًّا من شوّال كان كصيام الدّهر، كما في صحيح مسلم من حديث أبي الدّرداء رضي الله عنه. ونوافلُ الصّيام المستحبّة الأخرى يرفع الله بها الدرجاتِ ويكفِّر بها السيّئات. ونوافل الصّلاة المعلومة والنّفقات التي تأتي بعدَ الزّكاة ونوافل الحجّ والعمرة والنّوافل الأخرى شكرٌ عمليّ لله تعالى، يزكّي الله بها العباد، ويجزي الله بها أعظمَ الثّواب في يومِ المعاد.
عبادَ الله، ما أحسنَ الطاعاتِ بعدَ الطاعات؛ لأنّ في ذلك رضوانَ الله تعالى وزيادةَ ثوابِه والحرزَ مِن عقابِه، وما أجمل الحسنات بعد سيئة تُعمَل، قال الله تعالى: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود:114، وما أقبَحَ السيّئات بعدَ الحسنات؛ لأنّ في ذلك غضَبَ الله تعالى ونَقص ثوابِه أو حِرمان الثّواب بالكلّيّة وإبطال العمل، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) محمد:33.
فدومُوا على طاعةِ ربّكم ـ معشرَ المسلمين ـ في الشّهور والأيّام، فربُّ رمضان هو ربُّ الشّهور والأعوام، وهو أحقّ أن يعبَد ويوحَّد في كلِّ زمان ومكان، قيل لبشر الحافي رحمه الله: إنّ قومًا يجتهدون ويعبدون الله في رمضان، فإذا ولّى تركوا، فقال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلاّ في رمضان". فليس للمؤمن راحةٌ قبلَ لقاءِ ربّه، والله يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر:99 يعني الموت.
فيا فوزَ من قدّم لأهوال القيامةِ الأعمالَ الصالحات، ويا ندامةَ من نسيَ آخرتَه ووجد في قبره السيئاتِ والموبقات.
عبادَ الله، استقيموا على صراط الله المستقيم، وتمسّكوا بسنّة نبيّكم صلى الله عليه وسلم الموصوفِ بالخلُق العظيم، واحذَروا الشيطان والهوى فإنّه كان في شهرِ رمضان مأسورًا، ويريد أن يأخذَ منكم بثأره فيجعلَ الأعمال الصالحةَ هباءً منثورًا، فاستعينوا عليه بربِّكم، وردّوه خائبًا مدحورًا، بالمدامة على طاعةِ ربّكم، ليكونَ سعيكم مشكورًا، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَـاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ لاَ يَسْتَوِى أَصْحَـابُ النَّارِ وَأَصْحَـابُ الْجَنَّةِ أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) الحشر:18-20.
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعني وإيّاكم بما فيهِ مِن الآياتِ والذّكر الحكيم، ونفعنا بهديِ سيّد المرسَلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذَا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرحيم.

الفقيره الى الله. @alfkyrh_al_allh_5
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

ورورد الطائف
•

الصفحة الأخيرة