
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله
سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
بعد :
الحوار فن وعلم بذاته..
و من خلاله يحصل الإقناع وإيصال الفكرة ..
وهي لغة قد يجيدها البعض ويفتقدها آخرون
ولكي يكون الحوار سليماً يجب أن يدور في جو من الاحترام
والحرية في التعبير .. دون تعصب أو تصلب في الرأي ..
وإلا خرج عن أدب الحوار .
:
يَقول الحافظ الذهبي:
(إنّما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ،
وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ)
:
:
وقد جاء في القرآن الكريم الحوار بمعنى :
:
لكن هل هناك فرق بين الحوار والجدال ؟
وللتوضيح .. فالحوار من المحاورة ، ويعني المراجعة في الكلام،
أمّا الجدال فهو يستعمل لمن يخاصم ويشغل عن ظهور الحق،
ويستعمل أيضا لمقابلة الأدلة لظهور أرجحها .
والحِوار والجدال كلاهما يحمل دلالة واحدة ..
:
وقد اجتمعا في القرآن الكريم في آية..
قال تعالى:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)٥/ المجادلة.
:
والمعروف عند الناس أن الحِوار والجدال
يعتبران نقاشاً بين طرفين أو أكثر
بقصد إظهار حجة معينة ، وإثبات حقٍ ، ورد لفساد .
:
:
والحوار في القرآن الكريم يقوم على الحق والعدل ..
ويقيم الحجة ، وينصف المظلوم ..
والرسل الكرام هم خير مثل لذلك ..
فهم يدعون إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ..
ولم يُطلب منهم إجبار الناس على الإيمان ..
( لاإكراه في الدين ) ..
بل تبيين سبيل الحق من الباطل بالمنطق والبرهان
واستعمال الحجة العقلية ، والطلب من الطرف الآخر الإدلاء بحجتهم :
( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )
:
:
إن جميع الأنبياء سلكوا طريق المحاورة مع أقوامهم
للوصول إلى الإقناع وأقاموا البراهين والحجج ..
قال تعالى :
( كذبت قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه
وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب )
حاوروهم بالحسنى حتى يؤمنوا ..
وأمّا إن أصروا على الكفر وقارعوا حججكم الحق بحجج باطلة
فاتركوا أمرهم لله تعالى ينزل بهم العقاب المناسب .
:
:
وضرب لنا الله عز وجل أروع الأمثلة في الحوار مع الملائكة
عند خلقه سيدنا آدم...
قال تعالى في سورة البقرة :
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قال إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
:
:
والحوارات في القرآن كثيرة وبين أطراف متنوعة منها :
ماذكر بين الملائكة والكفار يوم القيامة:
(ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات الله
وينذرونكم لقاء يومكم هذا
قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ..)
:
:
كذلك حوار المؤمنين مع الكافرين ..
وحوار الكافرين بينهم ..
وحوار أصحاب الأعراف مع أهل الجنة وأهل النار ..
:
:
كما تكرر في القرآن نقل حوارات موسى مع فرعون ..
ومنها حواره عليه السلام وهو يقارع فرعون بالعقل والمنطق ..
وذلك عندما سأله فرعون :
( وما رب العالمين )؟
فأجاب :
( رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين )
فقاطعه فرعون ساخراً ومتوجها بالحديث إلى قومه :
( قال لمن حوله ألا تستمعون ) ؟!
لكن موسى مضى في حديثه مبيناً الحقائق غير عابئ بفرعون
( قال ربكم ورب آبائكم الأولين )
وهنا لم يستطع فرعون أن يواجه كلام موسى بما يفعم فثار وقال :
( إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون )
تجاهل موسى كلامه ومضى ليبلغ المقصود من الحوار قائلاً:
( رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون )
...................
ويمضي الحوار بين موسى وفرعون ، ويأخذ صوراً مختلفة ..
موزعاً في آيات من القرآن الكريم ..
مدعوماً بالبراهين والمعجزات ..
:
:
أما الحوار الذي دار بين موسى والخضر ..
فهو يمثل نموذجاً للأسلوب التعليمي ..
حيث الخضر فيه هو المعلم
وموسى هو طالب العلم ..
( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا)
فردعليه بيقين العالم المدرك :
( إنك لن تستطيع معي صبرا
وكيف تصبر على مالم تحط به خبراً )
ويمضي الحوار ..
ورغم استعجال موسى في معرفة الأسباب..
وعدم قدرته على الصبر..
فقد كان افتراقه عن الخضر التزاماً بوعد سبقه
وحين أدرك خطأه ..
وفي نهاية الرفقة الجميلة .. والحوارات الغنية بالمعاني
والتي انتهت بالحسنى ..
أحاط موسى بعلم كل مارأى ظاهره وأنكره عقله ..
:
:
ومن الحوارات الدعوية..
حوار يوسف مع السجينين عندما استفسرا منه
عن تأويل رؤياهما ..
فبادرهما بالدعوة ..
ثم عاد إلى تفسير الرؤيا بعد ذلك
:
:
إن الحوار الحسن مطلب الدعاة إلى الله..
الذين يبغون إعلاء كلمة التوحيد ..
ونشر العدل ..
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
وإحقاق الحق ، وإبطال الباطل..
والتصدى لمظاهر الانحراف ، ودعوات الفساد ..
فبالحوار اللين الطيب المدعوم بالحجة المقنعة ..
وبسعة الصدر في الرد على جهل المحاور واحتواء حدته وإبطال حجته
وبالصبر على تكاليف الدعوة ..
وبتكرار المحاولة إثر المحاولة في الدعوة إلى سبيل الرشاد...
يبلغ الدعاة إلى الخير النجاح بتوفيق الله .
:
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
واجعلنا اللهم من الدعاة إلى الخير ..