الحياة بين ربيع وخريف
...............في ضواحي مدينة طرابلس العريقة تعيش أسرة أمجد التي تتكون من أخاه أسعد وأخته الصغرى سارة والأم الوفية التي كرست حياتها لأبنائها الثلاثة بعد وفاة والدهم ومنذ أن كانوا صغارا لم يعرفوا أحدا غيرها ,زارعة في قلوبهم الحب والتضحية .حتى أنهم يحبون بعضهم لدرجة لا توصف, وهذا المنزل الشعبي البسيط الذي يجمعهم لا يرونه صغيرا كما في حجمه بل يرونه جنتهم التي يجدون فيها كل شيء ويستريحون فيها بعد عناء يوم كامل مليء بالمتاعب. المهم أن أمجد اختصر دراسته ليساعد في تحمل مسئوليات البيت ومسئولية إخوته وتخرج في معهد متوسط لتأهيل المدرسين , ليساعد والدته التي تعمل عاملة في مصنع للملابس الجاهزة بينما يواصل الأخ الثاني دراسته بتشجيع من أخيه الذي يصر عليه أن يكون شخصا ناجحا في المجتمع . أما الأخت فهي مازالت طالبة في الإعدادية ويقرر اسعد و سارة ألا يخيبا أمل أخاهما ووالدتهما فيجتهدان في الدراسة. وتمضى الأيام والشهور والعائلة سعيدة بحبها لبعضها وبتعاونها مع بعضها , وتقرر الأم أن تفرح بابنها الأكبر وتبحث له عن عروس تليق بأمجد المحبوب الذي يحب عائلته ويضحى بالكثير الكثير لأجلها وهو ليس شابا عاديا فهو يتمتع بالذكاء علاوة على وسامته وطيبة قلبه وأخلاقه العالية وهو كريم جدا والجميع يرغب في مصاهرته وكل البنات مفتونات به لكنه يحب ياسمين الفاتنة وكل شباب الحي يحبونها ويريدونها حتى أسعد كان معجب بها قبل أن يعلم بأن أخاه يحبها ولكنه انسحب عندما علم بالأمر بكل سرور ......... وسار كل شيء وفق ما تريده الأم الطيبة ووافق والد سارة على زواج ابنته من ابن عمها أمجد بالرغم من عدم موافقة الفتاة لأنها ما زالت صغيرة على الزواج وترغب في إكمال تعليمها ولا تفكر في أمجد بالذات لكن والدها أقنعها بأن أمجد شابا طيبا وسيكون متفهما معها وأرادت أن تجرب حظها في الحياة مع الشاب الذي اختاره لها والدها ومع أنها ذكية ومتفوقة في دراستها إلا أن أمجد اشترط أن تترك الدراسة وتساعد والدته في البيت وتوافق ياسمين شرط أن تأخذ الشهادة الثانوية ........مضى الوقت المحدد فتزوج أمجد من سارة وأصبحت سارة جزء من تلك العائلة الصغيرة وقد أخذت كل مسئولية البيت على عاتقها وقد وجدت ياسمين في سارة الأخت التي توجهها وتعلمها الأشياء التي لا تعلمها , وبعد مرور عام على وجود ياسمين ضمن تلك العائلة تأتى الأقدار بما لا تشتهى السفن و تتوفى والدتهم ويحزن عليها جميع من في البيت وخاصة أمجد فهو يحبها حبا لا يستطيع أحدا وصفه فقد كانت أما وأبا لهم في آن واحد , ولم يشتهوا شيئا إلا وجدوه عندهم رغم أنها كانت فقيرة ولكنها امرأة مباركة في كل شئ وقد ربتهم على الحب والصدق والأخلاق الفاضلة , وبمرور الوقت أصبح كل شئ في البيت على ياسمين , أمجد يذهب في الصباح الباكر إلى عمله وأسعد يدرس الجيولوجيا في كليته ولا يأتي إلا في العطل الرسمية , وسارة تذهب إلى مدرستها ولا يبقى معها أحد في البيت معظم اليوم وتفعل كل شئ بحب وحنان ........ والحياة لا تخلوا من الأحزان أحيانا والأفراح أحيانا أخرى وليس كل شئ نريده نحصل عليه .......... وبعد فترة يتخرج أسعد ويحصل على على عمل جيد ويبدأ في بناء مستقبله وفى هذه الأثناء أيضا تحصل سارة على الشهادة الثانوية وقد تقدم لخطبتها ابن خالها أشرف وهو مهندس معماري وتوافق عليه ليتم الأمر رسميا فور وصول أخيها أسعد........ وأثناء العرس يرى أسعد فتاة تسلب لبه ويبدأ في البحث عن طريقة تمكنه من التقرب منها , ومن حسن حظه يتبين أنها زميلة أخته وتدعى نسرين وأهلها من مستوى أهل سارة ولكنها فتاة لعوب ومغامرة وإذا أرادت شيئا حاولت الحصول عليه بأي طريقة حتى وان كانت سيئة ومن الغريب أنها أيضا وقعت أسيرة الهوى عندما رأت أسعد أثناء العرس, وعشقته من أول نظرة والآن لا يشغل بالها إلا أسعد وليس أمامها من حل سوى مصاحبة زوجة أخيه ياسمين , وياسمين جدا لذلك لم تنتبه إلى نوايا نسرين ومن خلال زياراتها المتكررة إلى ياسمين تتعرف بأسعد عن قرب , ويتم مرادها ويطلبها أسعد للزواج ويوافق أهلها ...... ويبدأ أسعد في الاستعداد لدخول قفص الزوجية وأعمامه حبه لنسرين ولم يسأل عن أخلاقها جيدا قبل الاقتران بها , بعد مدة يتزوج أسعد بينما ينقل أمجد للعمل في مكان يبعد عن بيته ويسافر معظم الوقت ..... ما زاد من مسئولية أسعد لكن ذلك لا يعجب نسرين التي بدأت تتضايق من ياسمين وبدأت تدعى أن ياسمين تضايقها ولا تدعها وتتحكم في البيت ولا تدعها تتصرف على هواها في حين أن ياسمين تخدمها وتوفر لها كل احتياجاتها..... وتحمل ياسمين وزادت غيرة نسرين عليها خاصة بعد رؤيتها لسعادة زوجها بحمل زوجة أخيه.......لكن الأقدار تعطى شيئا آخر و يأتي خبر وفاة أمجد بعد تعرضه لحادث أثناء عودته من عمله........ ويحزن عليه كل أفراد الأسرة أشد الحزن , وخاصة ياسمين التي بدأت تفكر في المصير الذي ينتظر مولوها الذي لم يولد بعد ........... أصبحت نسرين تكره ياسمين وتحقد عليها ليست لأنها حاملا فقط, بل لأن ياسمين أصبحت من مسئولية ولا تعرف كيف ستتخلص منها......... ولدت ياسمين ولدا ذكرا بعد خمسة أشهر من وفاة زوجها وقد أسماه عمه أحمد , وكان في سلوه له , مر الوقت وأصبح عمر أحمد سنة وكانت تلك المدة مرت على ياسمين وكأنها دهر لأنها كانت في شبه عزلة تامة عن الناس إذ أنها لا تزور أحد وحتى نسرين لم تعد تحتك بها بعد أن أفصحت الأخرى عن نواياها وطلبت منها أن تبتعد عنها وعن زوجها ....... فقررت العودة إلى بيت والدها والابتعاد عن نسرين ومشاكلها خاصة وأن اكتشفت مؤخرا أنها تخون زوجها وتقيم علاقة مع رجلا آخر ولا تستطيع أن تخبر أسعد بالحقيقة....... فطلبت من والدها أن يأخذها فحضر لأخذها لكن أسعد رفض.......وقال إن ذلك اهانة له وأنه لا يستطيع مفارقة ابن أخيه ولن يسمح لأحد أن يبعده عنه , ولكن والد ياسمين صمم على أخذ ابنته وانه يريد أن يزوجها لابن أخيه لأنها مازالت صغيرة ومن حقها أن تتزوج ........ فزاد غضب أسعد ورد على والد ياسمين بأنه إذا أراد أن يزوج فليفعل ولكنه لن يسمح لأي أحد أن يربى ابن أخيه حتى وان كان جده........ كبرت القصة وتدخل كل أقارب الطرفين لحلها وخلصوا إلى ضرورة أن يتزوج أسعد من ياسمين لتمكن من تربية ابن أخيه دون ظلم ياسمين فوافق مرغما وكارها ولو كان من حل آخر لما فعل لأنه يحب زوجته وحتى لو لم يكن يحبها ما كان يوما سيفكر بزوجة أخيه زوجة له .............. عقد القران ودخل أسعد على ياسمين وكانت في يدها ورقة كتبت له فيها أنها وافقت على هذا الزواج فقط لأنها تريد أن يبقى ابنها مع ولى أمره ولكي لا تبقى دائما تحت الطلب للزواج وأنها لا تستطيع أن تتخيل أحدا مكان زوجها وأنه ليس ملزما بأن يعاملها كزوجة له وحتى لا تكون عقبة له بينه وبين زوجته ..... سلم عليها ثم قال لها أرجوك أن تسامحيني وتعلمي أن الأمر ليس ضدك ولكنى ما زلت أعتبرك زوجة أخي وأحب ولأني يستحيل أن أقبل أن يربى أي رجل ابن أخي ..... شهقت ثم عانقته ومدت له الورقة ثم خرجت من الحجرة..........تعجب من تصرفها ثم قرأ ما كتبت, فلما انتهى ابتسم ولحقها إلى الحجرة الأخرى فقال لها أشكر الله أن جعلك متفهمة ورأيك موافق لرأى.......عاد أسعد إلى زوجته نسرين التي لم يعلم بمغادرتها إلى بيت والدها حين فشلت في ثنيه عن الزواج بياسمين ........ في اليوم التالي علمت ياسمين بالأمر فذهبت إلى بيت والد نسرين فشرحت لها كل شئ وأن هذا الأمر لا يتعدى كونه على الورق وأنها لن تكون سببا في الخلاف بينها وبين أسعد ........ لم تقتنع نسرين بكلام ياسمين ليس لأنها لم تصدق ياسمين بل لأنها على علاقة برجل آخر وما حدث كان حجة جيدة لخلق مشاكل مع أسعد دون علمه بخيانتها....... طلبت نسرين الطلاق من أسعد وخيرته بينها وبين ياسمين, وكان أسعد يعتقد أن ما فعله هو الصواب لذلك لن يتراجع عن قراره حتى وان اقتضى منه ذلك خسارة المرأة التي يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها.......... طلق أسعد نسرين وتزوجت من عشيقها ...... وبقيت علاقة أسعد بياسمين على حالها لمدة عامين حتى تحولت إلى علاقة حقيقية بينهما وعاشا في سعادة وهناء.................. بقلم : رقية الأنصاري

رقية اللأنصارى @rky_allansar
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️